تُبنى الشعوب بسواعد ابنائها في مختلف المجالات، ومع مرور الزمن وباعتبار أن لكل زمن دولة ورجالا يذهبون وتأتي ظروف الحياة بآخرين، سنة الحياة في البشرية ، يذهب البعض إما بالموت لتخلد ذكراه في الشعوب المتطورة والمنصفة، أو يحال للتقاعد تبعا للنظم المتبعة لكل دولة، او يطلب هو التقاعد لظروف خاصة أو ما إلى ذلك، وكما هو الحال في تفاوت المؤهلات والثقافات والاعمار يبقى العطاء المكتسب للمتقاعد من الخبرات المتعددة كنزا، يفترض أن يحافظ عليه ويستفاد منه للاجيال اللاحقة كدروس مستفادة تربط الماضي بالحاضر، فمن لا ماضي له بلا شك لا يكفيه ما يعتد به في زمانه، إذ إن المتقاعد من الرعيل الاول وما تلاه يبقى مرجعا شامخا لكل جديد، ورغم كل هذا نجد الاهمال والتهميش لكل متقاعد مهما بلغ من المكانة والعرفة ، وخاصة من قبل الجهلة وذوي الدراية الضحلة وللأسف، ومن هم سيلمس المتقاعد عدم الاحترام او التقدير منهم لأنه في رأيهم قد مات قاعداً" ولم يبقَ بيده ضر او نفع بعد الله. وبالتالي فاحترام مثل هذا النوع الجهول لمن بقي على الكرسي فقط ، متناسيا بجهله ان مصير الكرسي ومن يعتليه اليوم سينتهي غداً، وبأي سبب من الاسباب السالف ذكرها وإلا لما قامت الحياة ودامت الشعوب، ثم ان المتقاعد قد ينتهي دوره الوظيفي ويقف عند حد معين ، لكنه يبقى عضوا معتبرا في أمته وله حق التدخل والانتقاد والتوجيه بالرأي والمشورة عند اللزوم. يحكم كل ذلك اخلاصه ووطنيته، هذا من جهة، ومن الاخرى فالانسان بطبعه وتكوينه لايقاس بالكرسي بل بمن هو؟ وبماذا قدم؟ وماذا يمتلك من العلم والمعرفة والصلاح ؟ ذلك باقٍ ما بقيت الحياة ، فكيف ينسى وتهدر كل مواهبه ويحسب في قائمة الأموات، ويقلل من شأنه. وبالمناسبة وعلى سبيل المثال لنظرة من يجهل معنى التقاعد ثم يتوقع أنه لا ولن يتقاعد أو يمرض أو يموت، دخلت في يوم من الايام على مسؤول في دائرة حكومية، فقابلني مقابلة لا بأس بها بعد ان عرفني في البداية وعندما دخل زميل، مازال على الكرسي " ولم يمت قاعداً بعد " غير نظرته في التعامل معي وطمع في كرسِيَّ وكأنه يقول لي مع السلامة ليلجس الزميل " ضابط في المرور" بجواره فحققت له ما أراد وخرجت. أما زميله الثاني بل رئيسه فعندما عرفته بنفسي في زيارة ثانية أظهر احتراما بالغا ثم سألني في اي قطاع فقلت له متقاعد فانحرف للجهة الثانية ورد عليَّ بجفوة وبعدم تقدير ووجهني الى جهة أخرى " ولسان حاله يقول فارقني، وما الفائدة التي قد انتظرها منك؟" فهل مثل هذه النماذج تستحق الجلوس على الكراسي أو تستحق الاحترام؟