اعتدت بين فينة وأخرى أن أجلس قرب شاطئ أراقب مغيب الشمس واختفاء قرصها المتوهج رويداً رويداً، كأن في اختفائه نسيان يوم بأحزانه ومتاعبه، أعدل من جلستي، أبعثر بعض الحصى، أضع بعضها فوق الأخرى مشيداً صرحاً مأمولاً، وفي لحظة ينقض البنيان متساوياً من الثرى وتأتي أرجل لتغرسه بين طيات الرمل فتختفي الحبيبات الصغيرة متهاوية في الأعماق.. تنتظر أيدٍ باحثة لتعبث بها مرة أخرى أو تقذف بها بعيداً لتنسى وتهمل ويمضي الوقت بي، فأعدل مرة أخرى من جلستي أُسطر فوق الرمال حكايتي وبعض بقاياها لأُسلي عن خاطري بعض ما اعتراني، وأفيق على هدير الموج كأنه النذير لغفوتي وينتشلني صوت آتٍ من أعماق ذاتي فينجلي النعاس من مآقي عن واقعي ، وأضيع بين خضم هواجسي، ويأتي صوت الضمير ليقول: إن الإنسان لابد من أن يخضع لمستلزمات واقعه ويسبغ على الآخرين تكيفه!! فعندما تبعثر حبيبات الرمل بيدك وتقلب ناظريك علَّك تجد غايتك فأنت نقطة صغيرة ضعيفة ، ومع ذلك فقد أكرمك خالقك الجبَّار المتعال. حقاً إن الإنسان حينما ينظر إلى ما حوله فإنه يجد نفسه أمام عالم ضخم وقوة عظيمة ، بيد أنه لا يجد صعوبة لسيادة ذاتيته ، لأن سمو الفرد بذاتيته هو إدراك حقيقة نفسيته ، فالإنسان يستعد جهده الإداري من نشاطه الذاتي ، والناجم هو الذي يتحكم في أهوائه وانفعالاته ، وقد يصطدم بعوائق خارجية يقع تحت تأثيرها ، وما كان يُدرك اصطدامه بالضرورات ، وما لم يتفهم معنى فرض إرادته ولو لم تكن لديه القدرة على التحكم لانساق وهوى. إن التسامي الإنساني لا يبدأ إلا من حيث تنتهي الأهواء والنفاق، والرياء، عندئذ يبدأ الشعور بالذات التي تُدرك معنًى لنفسها بوصفها فاعلة لأفعالها حقاً إن الكثير منَّا من يحاول التنصل من أفعاله خصوصاً حينما يستهدف لانتقاد أو اتهام من جانب الآخرين.. فعلَّل ذلك بأننا لم نكن واعين وغير منتبهين ، ويدَّعي آخرون أنهم تحت تأثير عنيف! لكننا نتقبل مديح الآخرين وإطراؤهم بصدر حنون حينما ينسبون إلينا الفضل حتى لو كانت أعمالنا غير مرضية. ص. ب 52986 جدة 21573