بروح رياضية غير مسبوقة للاعبة التنس الإسرائيلية " شاهار بير" ابنة الثانية والعشرين وهي ترفض الانسحاب من بطولة أوكلاند بالرغم من هزيمتها و الانتقادات الجماهيرية التي واجهتها الأسبوع الماضي أمام بوابة ملعب المباراة بنيوزلندا كان رد تلك الفتاة الشقراء لا يخلو من استحياء كرسالة عالمية تحتوي مضامين واضحة وجريئة عندما قالت " أنا لست حكومة إسرائيل ولا أمثل إسرائيل أنا لاعبة تنس وهذا ما أمثله الآن " لا أمتلك إلاّ أن أحيي شجاعتها وجرأتها للتعبير عن رأيها بصراحة وحقيقة لابد أن تُحترم بعيدا عن فداحة ماتغترفه حكومتها من جرائم حرب هي محل استهجان كافة الشعوب بكافة أطيافها ومعتقداتها هذا الصوت الرياضي الجريء الأقرب للشفافية والنداء الطفولي فيه من الاستنكار على فعل بربري همجي ُيفصح عن حقيقته المؤلمة بمرارة عالقة وكلمات مخنوقة سئمت العيش لسنوات طويلة تحت هدير الطائرات وصواريخ الدمار الشامل الحارقة لأجساد الطفولة وهناك أصوات مماثلة من داخل إسرائيل نفسها ترفض مجازر الهولوكست ومحارق النازية منددة بهذه الانتهاكات التي يتعرض لها أشقاؤنا في قطاع غزة و الحصار المفروض عليهم من قوات الاحتلال الإسرائيلية وبطش الآلة العسكرية في مواجهة شعب أعزل لا يمتلك أبسط مقومات الحياة الإنسانية فهذه الأرواح التي أبيدت والدماء التي أريقت لا يمكن إلاّ أن تواجه بموقف دولي صارم وقرار سياسي عاجل يحفظ ماء الوجه أمام منصة هيئة الأممالمتحدة التي اعتادت أن تدير ظهرها لمناصرة الشعوب التي قُهرت وسُلبت حقوقها في وضح النهار ومن ورائها أصوات خافتة أقرب ما تكون للجبن والانحياز التام لقوى الباطل فقد سئمنا ترديد مصطلحات السلام " الأكذوبة " بعد أن صدئت قوائمه وأرقام قراراته الخجولة وأوراقه الصفراء الباهتة من طول الانتظار وبصيص أمل مظلم بعد أن فقد الجميع الثقة بمن حولهم واختفى صوت العدل لردع المعتدي على أي أرض وتحت كل سماء طاب المقام بها عنوة وسفكت دماء البراءة والطفولة وبكاء النسوة وأنين العجزة والمرضى والأجساد التي زاد نزيفها ولم تجد من يخفف ألامها ويضمد جراحها وترددت على الأسماع وعبر الشاشات العديد من الخطب السياسية والتظاهرات العارمة في الميادين العامة دون أن تجد من ينصت لها ولكنها تمر كطيف السراب العابر الذي يحسبه الضمآن ماء ! و لا أتكلم هنا عن موقف عربي واحد أو قرار إسلامي أو نزعة دينية فآلة الحرب التي لا تُبقي ولا تذر أسكتت كل الأصوات وتجاوزت باعتداءاتها كل الأديان ولم تفرِّق بين مسلم ومسيحي فالكل تساوى في مآتم جنائزية وأحزان شملت معظم أسر أرض فلسطين التي كانت و لازالت مهبط الأديان فمع تقديري للدبلوماسية العربية الجادة التي تقود مشروعها للسلام وتفعيله على أرض الواقع في مسار متزامن مع صوت المنبر الديني والحقيبة التي حملها بكل جلاء نخبة من علماء الدين الإسلامي برئاسة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي والتقوا مع الزعماء والقادة العرب كل بما يمتلكه من ثقل سياسي وعلاقات دولية مع زعماء العالم أكثر تجردا من تبعية منحازة ترفض ركض المواقف الهزلية يمكن تعويضها بمواقف حيادية تعزز تعاون دولي يقوم على احترام كرامة الإنسان وحقوقه ويمكن تنميتها واستثمارها مع مرور الأيام وتصحيح أخطاء تاريخية اجتاحت دول كانت تتمتع بحرياتها كاملة حتى أصبحت عالة على غيرها وقنابل موقوتة للإرهاب وصناعة الموت نتيجة ردود فعل عكسية لتلك الأخطاء الأكثر فداحة فالعراق وأفغانستان نموذجان لنار لازال دخانها يحجب رؤية الحقيقة كواقع تاريخي في ظل هذه الظروف السيئة ويزيد من ثقل المأساة تردي الأوضاع وتجاذب الاتهامات بين رفاق الدرب الفلسطيني وانصرافهم عن الهدف الأسمى لتحرير أرضهم المغتصبة عندما كانوا فكرا وجسدا واحدا ضد كل المعتدين دفاعا عن قضيتهم بشرف الكبار وكل نقطة دم أريقت تحت خندق واحد والقادة الفلسطينيين يدركون حقيقة تضامنهم وشجاعة مواقفهم دون تحييد طرف ضد آخر لتتعاظم المصائب وتوالى الكوارث في انتظار حلول مؤجلة عجزت عن تحقيقها سياسة النفس الطويل وتشابكت طرق الدبلوماسية وازدادت القضية الفلسطينية أكثر تعقيدا عما مضى بغية طلوع فجر جديد قد يكون رجاله من الأطفال الذين القوا بأجسادهم البريئة على جثث الأمهات في أحد المنازل التي هدمت على رؤوس أصحابها وفي ظل هذه الأزمات والكوارث المتلاحقة ألم يكن بوسعنا أن يكون لدينا ثقافة خاصة نستطيع من خلالها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الضحايا بتخطيها أرقام قياسية واقترابها من الأربعة آلاف بين شهيد وجريح ليتنا نستوعب هذه الدروس القاسية التي تمر بها أمتنا ونحن في حالة صمت دائم . محمد حامد الجحدلي [email protected]