غليان الشارع العربي والذي مضت عليه عدة شهور ، شهد الكثير من الدماء الغزيرة والتي سفكت بدون وجه حق ، مهما كانت الأسباب والمطالب ، فتلك الدماء البريئة العزيزة الطاهرة على المجتمعات الإنسانية ، التي تُدرك معنى الكرامة والحرية والعدل والمساواة ، كان الأولى من قبل من كان سببا في سفكها وإهدارها بتلك الصور العنيفة ، فالشهداء ذهبوا إلى ذلك المصير وجنة عرضها السموات والأرض ، نسأل الله لهم الجنة ونعيمها ، ولكن تبقى المشاهد الأكثر مأساوية أمام أنظار الأحياء أطفالا وكبارا نساءً ورجالا مرضى وجرحى وأصحاء ، إضافة لآثار نفسية لازالت تلك الشعوب تعيش هذه الآثار لحظة بلحظة صباح مساء ، يعجز الطب الحديث عن إزالة آثارها وعلى مدى سنوات قادمة سيطول مداها . وإذا كان عقلاء العرب لم يتمنوا ذات يوم أن يؤول إليه ذلك المصير المشئوم وما آل إليه الحال والواقع المرير ، وهي خسارة فادحة في الأرواح والممتلكات على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات داخل حدود تلك الدول الشقيقة ، وخسارة على مستوى الوطن العربي أفرادا وجماعات ، لأننا فقدنا ثروة قومية أهدرت نتيجة قرارات طائشة بعيدة عن العقلانية والاتزان والقرار السياسي الصائب . وبقدر أسفنا لتلك الأحداث إلاّ أن أسفنا أكثر مرارة لأن تلك الدماء سفكت بأيدي عربية ، بمعنى آخر أن الاقتتال كان بين الأشقاء داخل حدود الوطن الواحد وهذا مكمن الخطورة ، والذي يزيد من فداحة هذه الأحداث المؤلمة والأكثر شراسة ، ولم تقف مساعي الزعماء العرب لإيقاف ذلك النزيف الدموي وفي مقدمتهم الجهود المخلصة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ، بما يمليه عليه ضميره وشهامته العربية ، استجابة من هذا الزعيم العربي الذي حمل هموم أمته ، في الوقت الذي كنا نأمل أن يكون صوت الحكمة من قبل الأطراف المتقاتلة أكثر تجاوبا ، رحمة بتلك الدماء البريئة ، ولازال يراودنا الأمل من قبل تلك الأطراف مهما كانت خلافاتها ، للعودة لمرحلة مهمة لأخذ العبرة مما مضى وفتح صفحة من الوفاق التاريخي بين أشقاء الوطن الواحد ، رفاق الدرب وحملة السلاح في وجه الأعداء وليس في صدور الأشقاء ، ولعل الخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الأسد يحمل بين طياته عودة للوفاق وتجاذب الحوار الصادق. [email protected]