أبو رزق .. يحمل في ذهنه جمرة السؤال المدهش .. ويخبئ في قلبه لظى حطب ملتهب قامته المديدة كشجرة عرعر تجعلك تقف أمامه منبهراً وفي ذات الوقت مندهشاً ومعجباً كالباز نظراته رؤيته بعيدة وثاقبة .. لا يقع في خديعة اللمعان المزيف .. يستطيع استجلاء الأمور دون عناء الاستقصاء .. هكذا الحياة علمته له فلسفة خاصة في استكناه الأمور .. لم يدرسها في مدرسة أرسطو و أفلاطون .. ولكن نبوغه وذكاءه الفطري جعلته يجيد الاستنباط والاستنتاج والتدقيق في الموجودات بقياس العقل والحكمة . لم يطلع على كتاب بطوبيقا المليء بنظريات القياسات الإقناعية ولكن – أبو رزق – لديه من الحكمة والرؤية ما يمكنه إبداء وجهة نظره بشكل يفوق تلك النظريات المحنطة . حين يتحدث أبو رزق يذهب كلامه أمثالاً وحكماً يتداولها أفراد قريته بل القرى المجاورة من أراد الاقتراب من فكر أبي رزق فسوف يحترق.. فعملية سبر غوره والإبحار في فكرة مسألة تحتاج إلى أدوات ومجاديف .. وبالتالي يكون الرهان خاسراً . أبو رزق – كما تبدو عيناه .. متعوب في هذا الزمن ربما انفرادية أفكاره هي السبب .. حين تنامى لمسامعه تكريم المبرزين هنا وهناك تفاءل وقال جاء الوقت الذي يقدّر فيه المجتمع المفكرين .. وعندما تراخت أصابعهم عن تكريمه نظر إليهم نظرة الكبار جداً .. لأنه يدرك في قرارة نفسه بأنه يعيش زمناً غير زمنهم .. لذا اكتفى بابتسامة فقط .. من شاهد – أبو رزق – وهو يمشي يظن أن ثمة جبلاً شامخاً يتحرك أو نخلة باسقة تهز قامتها الباسقة لتطعم الأفواه رطباً جنياً . هذا الشامخ أو النخلة لم يقل شيئاً في مسائل كهذه لأن الأجيال هي التي ستصدر حكمها فيما بعد وفي الوقت نفسه ستصب سهام أسئلتها الحادة علينا نحن . أبو رزق فيما أظن تجاوز السبعين من عمره .. وهذا الرجل الشامخ يحتاج إلى التفاتة صادقة ليس من أجل التكريم فحسب إنما فقط الاقتراب منه ومعرفة مايدور بخلده . سأورد ماقاله – أبو رزق – في قصيدة شعبية : ياحسرة عاللي يدوّر للعصا في يد الأعمى . من قال ميده يضيعها ويغدى بها له . رضيت واليوم لاتغدى تقاتل عميان . وأي عميان كما ترى يا أبا رزق .. العمى ليس فقط فقدان البصر إنما في عدم إمكانية تفحص الوجوه القريبة جداً منا خصوصاً التي تخبئ بين أضلاعها جمرة السؤال. أفكارك ياناصر محل تقديري عبر البريد الإلكتروني وصلتني رسالة أنيقة من أخي الأستاذ ناصر محمد العمري أحد مثقفي منطقة الباحة البارزين .. وناصر أحترمه وأقدر جهده وأتابع نشاطه الثقافي والتربوي والاجتماعي .. والرسالة التي بعثها تعطي دلالة على عمق ثقافته وحسه الإداري والوطني إذ إن مثله يستفاد من رؤاه وأفكاره وأطروحاته .. وكانت الرسالة مزيجاً من الإشادة .. العتب .. الانتقاد البناء .. وسررت بها لأننا نحتاج إلى فعل بنائي وألمح ناصر أن عنوان بروق تدل على البدايات الأولى التي تسبق هطول المطر .. وفي جميع الأحوال الماء مصدر استقرار وحياة .. وانعطف موجهاً العتب بأنها - يقصد بروق - أغفلت الأسماء الجديدة فيما أفسحت المجال للأسماء التي لها باع طويل في مجال السرد .. وتساءل بكل شفافية عن سبب إهمال الأجناس الأدبية الأخرى" كالشعر " مؤكداً حضوره البهي. ومشاركة عدد من أعضاء مجلس الإدارة في الإصدار ، واقترح العمري فكرة توفير قاعدة بيانات لفئة الشباب لتخلص أي الأجناس الأدبية يميلون لها . وقال في انتقاد حاد بروق جهد غير موجه .. وتحتاج إلى تدوير بوصلتها نحو هدفها .. ولكون أخي المثقف ناصر العمري .. وهو ذو فكر طليعي أعتز برأيه وأثمن رسالته .. وأشكره على نبله .. متمنياً أن يبعث لبريدي الإلكتروني القصص التي يراها جديرة بالنشر لأننا في النادي عممنا الدعوة عبر مواقع الكترونية ومنابر صحفية .. لأن المجلة تأخذ صفة الاستمرار بمشيئة الله . ولأخي ناصر فوق هذا وذاك أرق التحيات وأنبل المشاعر .