الطهر الذي يعيشه الحاج يتعدى أثره وخيره إلى الآخرين، فالذين يعودون من هذه الرحلة القصيرة يعودون خلقا آخر كما قال صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (رواه البخاري ومسلم). ولكن البر هنا ليس معناه أن يظفر الحاج بلقب الحاج ليُدل به على غيره ممن لم يؤدِّ الفريضة. ولكن البر من آمن بالله ورد الجميل إلى خلق الله تعالى.. عملا صالحًا وكلمًا طيبًا. "إن مجرد أداء الفريضة لا يرشحك لدخول الجنة.. إلا إذا عشت على مستواها طهرًا ونبلا.. ولك في تقاليد الحياة من حولك شاهد. فإنه إذا أعلن عن وظيفة.. ثم رُشح لها مستحقها.. فإنه لا يظل مستحقًا لراتبه إلا إذا أبقى على المواهب التي رشحته لها ابتداء". (ثمرات من مواسم الخير). ولكي ندخل إلى قائمة الأبرار ليس علينا فقط أن نؤدي فريضة الحج، وإنما علينا أن نستعمل ثمرات هذه الرحلة فيما خُلقت له، فالقلب مثلا كما يقول بعض العلماء: إذا لم يستعمل فيما خُلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا، واجتناب المفاسد.. تعطل.. فاستترت جوهريته؛ فإذا أضيف إلى ذلك، فعل ما يزيده ظلمة، كشرب الخمر وطول النوم، وكثرة الغفلة، صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسده، ولا ينقذ القلب من هذا المصير إلا تقوى الله تعالى.يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "إن للإنسان سفرين؛ سفر في الدنيا، وسفر من الدنيا، وسفر الدنيا زاده الطعام، والثاني زاده التقوى". والحج رحلة إلهية فيها رائحة الآخرة، ومن ثم فهي خير من الأولى؛ لأنه يخلصك من عذاب دائم، ويسلمك إلى نعيم مقيم.وحينما يرجع الإنسان من هذا السفر عليه أن يحيا حياة الأبرار طهرًا ونبلا، وسلوكًا وغاية، وعبادة ومعاملة، وبرا وإحسانًا، وأخوة وتناصرًا. ومما يعينه على ذلك: إدراك الغاية والهدف اللذين خلقنا من أجلهما والوسيلة الموصلة إليهما.ضبط النفس وكبح شهواتها مع محاسبتها أولا بأول.المحافظة على تقوى الله في السر والعلن.الشعور بالعِزة والفخر للانتماء إلى هذه الأُمة.تدعيم أسباب التواصل بين المسلمين وتقوية أواصر الأخوة والمحبة بينهم.المحافظة على تعظيم شعائر الله. التدريب على تحمل المشاق والسعي لمرضاة الله. هنيئاً لك... فيا أيها الحاج.. يا من تركت كلّ محبوب وأقبلت على أعظم محبوب، يا من فارقت الأهل والأحباب من أجل أن ترضي ربّ الأرباب.. لا تكن كما يقول ابن عطاء الله: "لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى، المكان الذي يرتحل منه هو الذي يرتحل إليه، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكوّن، وأن إلى ربك المنتهى". وهنيئًا لك أخي هذه النعمة التي أنعم الله بها عليك بأن جعلك ممن زار بيته الحرام لا ليُلقي عن كاهليه ما افترضه الله عليه وحسب، وإنما ليلقي عن ظهره الآثام والأوزار، ويزداد قربًا وحبا للعزيز الغفار.. وليقوم برسالته في هداية هذه البشرية إلى منهج الله وحده وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، رزقنا الله وإياكم حج بيته الحرام.