لم يكن جديداً أن تواجه جورجيا حرباً من موسكو ..حيث كانت الأولى هي التي أخذت بمبادرة الانفصال عن الاتحاد السوفيتي السابق في عهد ميخائيل جورباتشوف الذي فتح باب إصلاحات " البيروسترويكا " وكان أول من بدأ استثمارها في ذلك التاريخ هو صديقه وشريكه في صناعة القرار " إدوارد شيفرنادزه " الذي كان وزيراً لخارجية الاتحاد حيث عاد الأخير في نهاية التسعينات إلى مسقط رأسه معلناً انفصال بلاده عن الاتحاد السوفيتي السابق بعد تشكيل البرلمان الذي منحه الثقة كرئيس لجورجيا .. عندها حاول " الكرملين " في موسكو رفض المشروع إلاّ أن جورباتشوف اعترف أن شيفرنادزه قد استغل مشروعية الانفصال الذي تعطيه عملية الإصلاحات التي شارك في صياغتها ..غير أن معظم قادة الحزب الشيوعي يومها رفضوا الانفصال وبدأت استعدادات الحشود العسكرية صوب جورجيا ..إلاّ أن جورباتشوف قد رفض الحرب واختار الحصار الاقتصادي ..غير أن ذلك لم يمنع وزير خارجيته السابق من الاستمرار في الاستقلال . ومن ثم لم يكن الحصار مجدياً بقدر ما انفرط عقد الانفصالات للجمهوريات السوفيتية عن الاتحاد واحدة تلو الأخرى .لينتهي المشهد برحيل جورباتشوف وصعود بوريس يلسين إلى السلطة بعد مواجهات سياسية صاحبتها موجات من العنف داخل الكرملين ..ليجد الأخير نفسه رئيساً للاتحاد الروسي ..لا السوفيتي ..وكان ذلك واقعاً لامفر منه فقد سقطت امبراطورية القوة الثانية ولايمكن إعادتها . ومع ذلك واجه الرئيس الجورجي السابق الكثير من المتاعب مع الاتحاد الوريث لما تبقى من تلك الامبراطورية المتمثل في روسيا حيث واجه أكثر من محاولة لاغتياله ثم أكثر من محاولة للانقلاب عليه ثبت فيما بعد أنها صناعة روسية للانتقام منه ..ورغم رحيله إلاّ أن الثأر مازال قائماً بالنسبة لموسكو التي ترى أن شيفرنادزه قد أسس لعلاقة قوية مع واشنطن تتمسك بها القيادة الحالية في " تبليس " وبالتالي لم يكن أمام موسكو سوى تغذية انفصال أهم المناطق الاستراتيجية الجورجية وهما " أوسيتيا وأبخازيا " ..ومن ثم حمايتهما من أي عمل عسكري جورجي وهو مايعني للروس أن تشرب جورجيا من نفس كأس الانفصال وتحجيمها من دولة إلى إقليم صغير ..وفي الوقت نفسه كبح جماح الطموح الأمريكي في المنطقة .وتوجيه رسالة قوية إلى واشنطن مفادها أن روسيا مازالت قوة عالمية ثانية حتى وإن سقطت امبراطورية الساحة الحمراء .