حذرت خبيرة دولية وباحثون اجتماعيون وعلماء شرعيون من تنامي ظاهر الانتحار في السعودية، مؤكدين أن ما يعلن من أرقام لا يعكس إلا جزءاً من الحقيقة، فالوضع أسوأ بكثير، موضحين أن الأمراض النفسية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مقدمة الأسباب، كما أن ضعف الوازع الديني من ضمن الأسباب الرئيسية. من جهتها قالت د.منى الصواف، الخبيرة الدولية للأمم المتحدة في مجال علاج الإدمان عند النساء واستشارية الطب النفسي ورئيسة وحدة الطب النفسي بمستشفى الملك فهد بجدة أن الإحصاءات بعدد الحالات المسجلة غير دقيقة، ولا تعكس حجم المشكلة أو حتى توضح الأسباب المتعلقة بحالات الانتحار. وأضافت د.الصواف: "في الوقت الذي يؤكد فيه علماء الدين أن أهم الأسباب المؤدية إلى الانتحار يتعلق بضعف الإيمان والوازع الديني، يؤكد علماء النفس والأطباء على أن هناك أسباباً عميقة قد تدفع الإنسان إلى اختيار إنهاء حياته على أن يواجه الموقف الذي يعاني منه، سواء المرض النفسي، والذي يعد أهم الأسباب المؤدية للانتحار الجاد، يليه في الدرجة الثانية ما يعرف بضغوط الحياة الشديدة". وأوضحت د.الصواف أن الاكتئاب هو أهم الأمراض النفسية المؤدية إلى الانتحار، وعادة ما يكون الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء، خاصة في العقد الرابع من العمر، في حين نجد أن المحاولات أكثر عند النساء. وأشارت إلى أن هناك حالات انتحار تم تسجيلها لدى عدد من النساء أصبن باكتئاب الولادة، وقد يصاحبه حالات قتل الأم المصابة للطفل الوليد قبل أن تقدم على الانتحار. وأضافت د.الصواف إلى قائمة الأسباب إدمان الكحول، والضغوط الاقتصادية الحادة وفقدان الدعم المادي والتعرض للأزمات النفسية الشديدة خاصة حالات الكوارث التي يصنعها الإنسان مثل ضحايا الاغتصاب والحروب والقتل والتي زادت نسبة حدوثها في الفترات الأخيرة، وأيضا تلك التي تنتج عن وجود قناعات ومعتقدات إما سياسية أو دينية تجعل الشخص (وغالبا الرجال) يقدم على تفجير نفسه ضمن الأعمال الانتحارية". وعن أعراض معظم حالات الانتحار ذكرت الصواف أمثلة، منها كأن يقوم الإنسان بكتابة خطاب انتحار أو وصيته، وقد وجد أن حوالي ثلثي حالات الانتحار الجاد يكون المريض قد أعطى إشارة للطبيب العام حول نيته إنهاء حياته في الأسبوعين التي تسبق إقدامه على الانتحار، الأمر الذي جعل الكلية الملكية للأطباء العامين في بريطانيا تطلب التركيز على تدريب الأطباء لاكتشاف هذه الحالات مبكراً". وأشارت إلى أن هناك حالات كثيرة من الانتحار الجاد والتي تنتهي بالوفاة لا يتم الكشف عنها لعدة أسباب خاصة في بعض المجتمعات التي توجد فيها خلافات بين النظرة الدينية والنظرة الطبية لموضوع الانتحار، ويتم تسجيل أسباب أخرى. مطالبة بمراكز لعمل الدراسات المتعلقة بهذه الحالات لمعرفة الأسباب. من جهة ثانية قالت الباحثة الاجتماعية في جامعة الملك سعود، مريم عباس الحرز إن "المتتبع لحالات ومحاولات الانتحار سيجد تزايد المعدلات، حيث أكدت إحصاءات وزارة الداخلية تزايد الحالات بين العامين 1427ه- 1428ه، 68.4% بين العامين 1427ه و 1428ه، أما حالات الانتحار فزادت بنسبة 14.19 في الفترة ذاتها، الأمر الذي يؤكد خطورة المشكلة". وأشارت الحرز إلى "أن محاولة الانتحار تزداد بين الإناث، بينما يزداد الانتحار الفعلي بين الذكور، كما يزداد الانتحار لدى المراهقين والشباب أكثر من كبار السن، وبين العاطلين أكثر من العاملين، وبين المطلقين والأرامل والعازبين أكثر من المتزوجين". الوازع الديني ليس سبباً رئيسياً وعن الأسباب قالت "الحرز": "قد يقدم الفرد على الانتحار لعدة عوامل شخصية ونفسية واجتماعية واقتصادية، مثل الخلافات العائلية والتعرض للعنف والإيذاء بكافة أشكاله، والبطالة والتعرض لخسارة اقتصادية كبيرة ومفاجئة، بالإضافة لتأثير الإعلام وتقليد المراهقين والأطفال لحالات الانتحار". من جانب آخر علق الشيخ الدكتور فهد الجهني على ذلك بقوله: "الانتحار حالة يأس وقنوط من كل شيء، حتى من رحمة الله. هو أمر مفزع". وطالب د.الجهني جهات مثل المعلمين والعلماء والوعاظ والخطباء أن "يغذوا الجانب الإيماني في نفوس الناشئة". أما الباحث الشرعي عبدالله العلويط فأكد أن: "الشباب يحتاجون لتلبية طلباتهم أكثر من غيرهم، لأن طلباتهم حياتية فطرية كالزواج والسكن والوظيفة". وحذر العلويط من التمادي في نسبة الأخطاء إلى الدين، وقال: "ضعف الوازع الديني ليس سبباً فاعلاً. السبب حياتي كما أسلفت، والإمعان في التسبيب الديني لهذه الظاهرة أو غيرها بحيث يكون ذا ثقل في التحليل هو ما ضعف تشخيصنا للظواهر والحالات". وكان تقرير لوزارة العدل كشف أمس أن الوزارة سجلت 27 قضية محاولة "انتحار" خلال أول ثلاثة أشهر من العام الجاري، مؤكدة أن مدينة الرياض تصدرت بواقع 12 محاولة انتحار، بينما بلغ عدد المحاولات في منطقة مكةالمكرمة أربع محاولات، وفي كل من مدن الدمام وتبوك وعرعر محاولتان، وفي بعض المناطق الأخرى لم تتجاوز محاولة واحدة. يذكر أن محاولات الانتحار التي تم رصدها فقط منذ شهر شعبان من العام الماضي لم تقل عن محاولة أسبوعياً، وفيما لم تصدر بعد إحصائية للفترة الأخيرة فإن الواقع يؤكد أن حالات الانتحار المسجلة أقل من تلك التي تحدث على أرض الواقع، ويعود ذلك إلى حساسية اجتماعية تجعل الأهل يرفضون إرسال جثة المنتحر إلى الطب الشرعي. كما أنّ الجهات المعنية تفضل إحالة الوفاة إلى "سبب غير محدد" دون عرضها على الطب الشرعي، ما يجعل الإحصاءات المذكورة غير دقيقة بما فيه الكفاية.