انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «الأونروا» : النهب يفاقم مأساة غزة مع اقتراب شبح المجاعة    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    م. الرميح رئيساً لبلدية الخرج    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «الأنسنة» في تطوير الرياض رؤية حضارية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ارتفاع معدلات الانتحار في المملكة إلى الضعف خلال 10 سنوات وجهات تتبرأ
اختلاف حول التوصيف وإجماع على تنامي الظاهرة في المجتمع ..«عكاظ »تفتح الملف الشائك
نشر في عكاظ يوم 16 - 12 - 2010

«787» حالة انتحار شهدتها المملكة في عام 1430ه وكانت أحدث إحصائية رسمية صدرت من وزارة الداخلية قبل يومين وحصلت عليها «عكاظ» بارتفاع 39 حالة عن عام 1429ه الذي سجل 748 حالة وبتقسيم العدد على أيام السنة لكانت المحصلة حالتي انتحار يوميا. ولو أجرينا مقارنة سريعة بين حالات الانتحار ومحاولات الانتحار خلال السنوات العشر الماضية وفق الأرقام التي تصدر ضمن الكتاب الإحصائي لإدارة التخطيط والإحصاء في وزارة الداخلية لوجدنا ارتفاع معدلات الانتحار بنسبة الضعف، ففي عام 1417 ه كان الرقم يقف عند 259 حالة انتحار ليرتفع عام 1420ه إلى 400 حالة ويزداد في عام 1422 ه إلى 488 حالة ويواصل ارتفاعه عام 1423ه إلى 536 حالة ليصل عام 1426ه إلى 604 حالات ويقفز العام الماضي إلى قرابة 800 حالة في رقم يعد الأكبر في تاريخ المملكة. هذا الارتفاع سبق أن أشار إليه أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود في الرياض الدكتور صالح الرميح أكد فيه أن محاولات الانتحار في «السعودية» خلال الفترة من 1994 إلى 2006م قد زادت بنسبة 185 في المائة .. وكانت سنة 2006 قد سجلت 261 حالة انتحار محققة زيادة بمقدار الضعف مقارنة بسنة الأساس 1994م. هذه الأرقام والإحصائيات تدق ناقوس الخطر حول معضلة تنمو نرى ونسمع عنها يوميا في وسائل الإعلام المختلفة، فترة نسمع عن فتاة انتحرت بواسطة حبل أو شربت من مادة قاتلة كالكلوركس، وهناك في منطقة أخرى شاب أطلق النار على نفسه أو رمى نفسه من فوق جسر، ولم تقف حالات الانتحار عند حد بل وصلت لفئة الأكاديميين والمثقفين والتربويين وقد سمعنا وتابعنا عددا من القصص من هذا النوع في الأعوام الماضية.
ورغم أن بعض المختصين يرى الانتحار مجرد حالات فردية لم تصل إلى ظاهرة إلا أن دراسة أجراها ثلاثة أكاديميين سعوديين خالفت هذا الرأي بتأكيدها أن الانتحار ظاهرة فقد نشر الدكاترة عبد الله الحربي من جامعة الملك عبدالعزيز، وعبد المنان ملا بار، ومحمد حمزة سليماني من جامعة أم القرى عام 1428ه دراسة بعنوان (ظاهرة الانتحار من وجهة نظر محاولي الانتحار والأطباء والأخصائيين النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين وضباط الشرطة والتمريض النفسي) حيث أظهرت أن 30 في المائة من الفئات ذات العلاقة بالانتحار ترى أن هذا السلوك يمثل ظاهرة، في حين يرى 69 في المائة أن معدل الانتحار يعد قليلا ونادرا، وكشفت الدراسة عن أن أسباب الانتحار تعود لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى ومن ثم ذاتية نفسية ومن ثم اقتصادية، وأوضحت الدراسة أن 84 في المائة من محاولي الانتحار لم يتجاوزوا 35 عاما حيث كانت نسبة 46 في المائة أعمارهم ما بين 16 25 عاما ونسبة 38 في المائة أعمارهم ما بين 26 35 عاما، وأن 12 في المائة من المنتحرين هم من العاطلين عن العمل، و16 في المائة من الموظفين، و12 في المائة من العسكريين، و10 في المائة من النساء ربات البيوت، و12 في المائة من الطلاب والطالبات، وأن 58 في المائة من المنتحرين أو محاولي الانتحار هم من الذكور، و42 في المائة من الإناث، و6 في المائة أميون لا يقرأون ولا يكتبون، و16 في المائة يحملون الشهادة الابتدائية، و16 في المائة يحملون الشهادة المتوسطة، و26 في المائة يحملون الثانوية العامة، و18 في المائة يحملون الشهادة الجامعية.
إحصائيات دقيقة
ورغم قلة الدراسات الموجودة في المملكة والتي تبحث في مسألة الانتحار إلا أنها شخصت الحالة بشكل جيد لكنها لم تتعاط مع الأرقام بشكل صحيح كون كثير من حالات الانتحار تمر دون أن تسجل كحالة انتحار بسبب خوف أهل المنتحر من النظرة الاجتماعية، وهو ما أكده استشاري الطب العلاجي في كلية الطب في جامعة الملك سعود الدكتور عبد الرزاق الحمد، مبينا أن السبب الرئيس في فقدان النسب الحقيقية للانتحار في السعودية هو عدم التشخيص السليم للجثة من قبل الجهات المعنية.
مشيرا إلى أنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة المنتحرين؛ بسبب حساسية الموضوع لدى المجتمع، حيث غالبا ما تبتعد الجهات المعنية عن كتابة السبب الحقيقي للوفاة المفاجئة واستبدال كلمة (انتحار)؛ بسبب غير محدد أو تسمم دوائي، كما أنهم في الغالب لا يحيلون تلك القضايا إلى الأطباء المختصين، وبالتالي لا تدخل الكثير من حالات الانتحار في الإحصاء فتصبح الأرقام أقل بكثير من تقييم الحقيقة والواقع، وأقل كذلك من تقييم أقسام الطوارئ والمستشفيات التي ترد إليهم تلك الحالات.
كلام الحمد صادق عليه استشاري الطب الشرعي والمشرف على مركز الطب الشرعي في الرياض الدكتور سعيد غرم الله الغامدي، والذي بين أن بعض حالات الانتحار لا تصل إلى الطب الشرعي وتنتهي عبر أقسام الشرط وذلك بسبب إرادة الأهل، لافتا إلى أن 20 في المائة من حالات الانتحار عالميا ينظر إليها على أنها حالات وفاة طبيعية.
وبين الغامدي أن نسبة انتحار الفتيات أقل من الذكور وهو ما يتماشى مع الإحصائيات العالمية التي أكدت أن الرجال أكثر انتحارا من النساء، لكن النساء يكثر انتحارهن في أعمار الشباب ما بين 20 إلى 29 عاما، وذكر أن نسبة المنتحرين السعوديين أقل من الوافدين، مشيرا إلى وجود تنامٍ في أعداد المنتحرين السعوديين في السنوات الأخيرة.
كلام الغامدي أكدته تقارير سابقة للطب الشرعي نشرت عام 1428ه أوضحت أن نسبة المنتحرين الذكور 80 في المائة والإناث 20 في المائة، وأن نسبة السعوديين وصلت إلى 40 في المائة مقابل 60 في المائة للوافدين، وأشارت التقارير أنه من 266 حالة سجلها الطب الشرعي كحالة انتحار في نفس العام وصل السعوديون فيها إلى مائة منتحر.
لكن استشاري طب نفس الأطفال في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني في الرياض الدكتور جمال الطويرقي خالف الآراء السابقة بأن نسبة من يحاولون الانتحار من الإناث تفوق الذكور في المملكة من خلال دراسته التي أجراها على 156 حالة ما بين عام 1997إلى 1999م، وكشف فيها أن 80 في المائة من الحالات التي تحاول الانتحار في المملكة من الإناث، وذكر فيها ارتفاع نسبة الانتحار عند الأطفال. كلام الطويرقي عضدته الدراسة الحديثة للأكاديمية السعودية الدكتورة سلمى سيبيه التي كشفت عن انتحار 259 طفلا خلال السبع سنوات السابقة، بينما كشفت مدير الخدمة الاجتماعية والتثقيف الصحي في مدينة الملك عبد العزيز الطبية الدكتورة سمية الحيدر أنه يتم استقبال حالة محاولة انتحار بسبب العنف الأسري أسبوعيا ويتم إنقاذهم، وتبين الدراسة التي أجراها قسم طب الأسرة والمجتمع في كلية الطب والعلوم الطبية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة عن فداحة المشكلة عندما وصل إلى نتيجة مفادها أن 10 في المائة من الطلبة والمراهقين في المملكة قد حاولوا الانتحار.
نمو دولي
كل هذه الأرقام المفزعة توضح حقيقة نمو هذه المشكلة محليا مع ازديادها عالميا فالمملكة هي جزء من العالم وتشكل رقما مهما فيه، فقد كشفت منظمة الصحة العالمية عن ارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب والمراهقين بين سكان العالم، وأكدت على ضرورة العمل للحد من ظاهرة الانتحار التي تودي بحياة نحو مليون شخص في العالم سنويا، ومن الممكن أن يرتفع العدد إلى مليون ونصف المليون سنة 2020م.
وقالت المنظمة الدولية إن هناك مليون شخص يلقون حتفهم سنويا جراء الانتحار، أي بمعدل منتحر كل 40 ثانية أو ثلاثة آلاف قتيل كل يوم، وأوضحت المنظمة أن كل محاولة ناجحة للانتحار تسبقها 20 محاولة فاشلة، وأكد تقرير المنظمة أن معدلات الانتحار زادت خلال السنوات ال45 الماضية بمعدل 60 في المائة، فيما يتوقع أن ترتفع تلك المعدلات بحلول 2020م بنسبة 50 في المائة ليصل أعداد المنتحرين إلى مليون ونصف المليون سنويا.
لكن تبقى المملكة لها خصوصية؛ كونها دولة إسلامية تحظى بوجود الحرمين الشريفين وتقوم على الشريعة في كل قوانينها ومناهجها، مما يعني وجود مشاكل اجتماعية واقتصادية بحاجة للالتفات لها وحلها؛ حتى لا تتفشى هذه الحالات وتتحول إلى ظاهرة.
«عكاظ» فتحت هذا الملف الشائك وتساءلت عن أسباب ارتفاع معدلات الانتحار في المملكة، والرؤية الشرعية المتكاملة للمسألة، وعرجت على مسألة شرعنة الانتحار لدى التنظيمات المتطرفة، واستقصت جهود الجهات ذات العلاقة كالشرعية، التربوية، البحثية، الاجتماعية، الإعلامية، مؤسسات المجتمع المدني، وغيرها، وخلصت إلى الحلول المقترحة لمواجهتها في سياق التحقيق التالي:
رسائل شخصية
بداية، اعترف المستشار الأسري في إمارة المنطقة الشرقية الدكتور غازي الشمري بتنامي المشكلة، مشيرا إلى أنه يصله العديد من الرسائل على جواله الشخصي من شباب وفتيات يهددون بالانتحار، وأوضح أنه يتدخل ويحل كثيرا من الإشكاليات التي يعاني منها هولاء الشباب، وأرجع الشمري رغبة هولاء الشباب بالانتحار إلى مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية يمرون بها وتصل بهم إلى طريق مسدود، ولفت إلى أنه من يريد الانتحار فإنه لا يخبر أحدا، مشددا على أن معظم من يرسل هذه الرسائل بدافع لفت النظر لمشكلته التي يعاني منها، مثل: عدم قبوله بالجامعة أو تزويجه من الفتاة التي يحبها وغيرها من المشاكل البسيطة التي يمكن حلها، وحمل الشمري الإعلام الفاسد والأفلام والمسلسلات التي تزين للشباب والفتيات عملية الانتحار أسباب تناميه في المجتمع، إضافة لضعف الحوار الأسري ورفقاء السوء.
بينما حمل أستاذ مكافحة الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم المستشار الأمني الدكتور يوسف الرميح، انتشار الأمراض النفسية بشكل كبير في أوساط المجتمع، تعاطي المخدرات، البطالة، الضغوط الحياتية، انفتاح المجتمع، وكثرة العمالة الوافدة الأسباب الرئيسة في تفشي حالات الانتحار في المجتمع وتضاعفها في السنوات العشر الماضية، إضافة لضعف الوزاع الديني.
وشدد الرميح على أن الانتحار ظاهرة عالمية وقديمة، فهناك صحابة انتحروا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن مصيرهم، مبينا أن الانفتاح في وسائل الاتصال والعزلة التي يعيشها الشباب والفتيات والخواء الروحي تقود الشباب إلى سرعة الإصابة بالأمراض النفسية التي تجلعهم عرضة للإصابة بالكآبة ومن ثم الانتحار، لافتا إلى 65 في المائة من عدد سكان المملكة من الشباب، مما يعزز تضاعف النسبة ما لم يتم دراسة المشلكة بعناية وتداركها.
العمليات الانتحارية
وأشار الرميح إلى وجود دراسات علمية منذ القرن ال18 تتحدث عن الانتحار، مثل دراسات العالم الفرنسي دور كايم، لافتا إلى أن الانتحار يعتبر جزءا من حل المشاكل التي تعاني منها بعض المجتمعات غير المسلمة كالبوذيين.
وبين الرميح أن التنظيمات المتطرفة تعمل على اجتذاب الشباب الذين لديهم قابلية لتنفيذ العلميات الانتحارية، ويعملون ببرمجتهم للانتحار بوعدهم بالحور العين وزفة الشهيد وغيرها من الأمور التي تقودهم للانتحار باسم الدين.
كلام الرميح صادق عليه أستاذ علم الاجتماع والجريمة المساعد رئيس قسم العلوم الاجتماعية في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور عبدالله بن أحمد الشعلان، مؤكدا أن بعض منفذي العمليات الإرهابية يتم التأثير عليهم لقيادتهم وتهيئتهم للانتحار تحت مسمى «العمليات الاستشهادية».
وبالعودة لأسباب تنامي حالات الانتحار في المملكة فقد بين الدكتور عبدالله الشعلان إلى أنه لا يمكن أن نفسر الانتحار بعامل واحد، بل بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية المتفاعلة، وعد الشعلان الاكتئاب أحد العوامل الرئيسة المؤدية إلى الانتحار، مشيرا إلى أن هذا الاكتئاب قد يكون منشؤه اجتماعيا كأن يتعرض الفرد إلى أخبار اجتماعية مؤلمة كفقدان أحد الأقارب، وقد يكون منشؤه متعلقا بالتركيبة الجينية للفرد.
العوامل المساعدة
وأشار الشعلان إلى أن العوامل الاجتماعية المؤدية إلى الانتحار عديدة، منها ضعف الوازع الديني، ضعف العلاقات الاجتماعية، وسوء المعاملة من قبل الوالدين، مستندا على دراسة للدكتور يوسف الرميح عن الانتحار بين فيها أن نسبة الذين تعرضوا من المبحوثين لسوء المعاملة من قبل الوالدين بلغت 49 في المائة، وذكر الشعلان أن من الأسباب الدافعة للانتحار التعرض للسخرية من قبل الغير، وشدد الشعلان على أن البطالة لها تأثير كبير في قيادة الشخص للانتحار؛ لأنه يشعر بالنقص مما يؤدي به إلى العزلة الاجتماعية تدريجيا ومن ثم الانتحار، واستأنس الشعلان بدراسة الرميح والتي أشارت إلى أن نسبة العاطلين بين العينة المدروسة بلغت 79 في المائة، وذكر أن إدمان المخدرات والمسكرات من العوامل المساعدة أيضا على الانتحار.
وعدد الشعلان العلامات والأعراض التي تظهر لدى المقدمين على الانتحار، منها الحديث عن الموت أو الانتحار أو التهديد به أو الكتابة عنه، ظهور علامات الاكتئاب الشديدة، فقدان الأمل، الشعور بعدم الفائدة واليأس، فقدان الاهتمام بالأشياء التي كان يعتني بها، الانسحاب من الأسرة والأصدقاء، اللا مبالاة، وإطلاق عبارات مثل: إن الحياة بدونه أفضل، الميل إلى تعاطي المخدرات أو المسكرات بشكل زائد، سرعة الغضب والهيجان، البحث عن أسلحة أو عقاقير ليرتكب بها الانتحار، الميل لترتيب أوضاعه وكتابة الوصية، وتغير قوي وملحوظ في الشخصية.
وشدد الشعلان على أن ظهور هذه العلامات لدى شخص معين مدعاة للاهتمام به من قبل المجتمع لعلاجه وذلك بعرضه على طبيب مختص، وأخذ الاحتياطات اللازمة لمنعه من الانتحار أو إيذاء نفسه.
نسبة الوافدين
وخالف مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية الدكتور علي شائع النفسية آراء سابقيه في أن معظم المنتحرين من الوافدين ونسبة السعوديين قليلة، وأرجع سبب ارتفاع الانتحار لدى العمالة الوافدة إلى ضعف الوزاع الديني والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا أن كثيرا منهم قد جمع كل حصيلة عمره ودفعها حتى يأتي ويعمل في السعودية وعندما يأتي ولا يجد ما يريد ويتعرض لضغوط نفسية واجتماعية فإنه يسارع بالانتحار.
وعد الانتحار معضلة كبيرة في المجتمع بحاجة لوقفة تدارك قبل التفشي والانتشار، وأكد على أن الانتحار أمر محرم شرعا وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنتحر بالعذاب الشديد والتخليد في نار جهنم، مشددا على أن الانتحار محرم بكل أنواعه.
وأوضح النفسية أن الداخلية ترصد حالات الانتحار وكافة الجرائم من خلال مراكز أبحاث مكافحة الجريمة ومن ضمنها الانتحار، وتصدر كافة الأرقام والإحصاءات في دليل سنوي ومن ضمنها الانتحار؛ لقياس حجم المشاكل ومحاصرتها قبل التفشي والانتشار، مشددا على أنه يحاول إيجاد الحلول بالتنسيق مع كافة الجهات المعنية.
واختلف المستشار النفسي الدكتور سلطان العنقري مع رأي سابقيه في أن المنتحرين يكونون على علم بأنفسهم، موضحا أن المنتحر لا يقدم على الانتحار إلا إذا دخل في حالة مرضية توصله لاكتئاب شديد يبدأ بالمرضى النفسي الذي يطلق عليه «العصاب» وينتهي بالذهان أي الجنون ومن ثم الموت وبالتالي فهو لا يدرك ما يفعل، وأشار إلى أن المريض يمكن أن يتدارك وضعه بعرضه على الطبيب وأخذ مضادات كآبة حتى تتحسن حالته ومن ثم يبدأ بالعلاج النفسي المساعد حتى يخرج من حالته.
ورفض وصف الانتحار بالظاهرة، مشيرا إلى أنها مجرد حالات بسيطة تضخم من قبل وسائل الإعلام ويسلط الضوء عليها، إلا أنها موجودة في المجتمع منذ أمد طويل. ولفت إلى أن المشكلة إذا لم تعالج فإنها ستكبر. وطالب العنقري كل شخص يهدد بالانتحار أن يؤخذ تهديده بجدية، مخالفا الآراء القائلة إن من يهدد لا ينفذ، وقلل العنقري من أهمية دراسة المشكلة بقدر ما هي مرض بحاجة لعلاج.
ولاحظ العنقري أن بعض من يقدم على الانتحار من العمالة الوافدة يعانون في الأصل من أمراض نفسية تزيدها بعض الضغوطات فتقودهم إلى الانتحار.
طرق الانتحار
رؤية العنقري حول الأمراض النفسية التي تعاني منها العمالة الوافدة وتأثيرها في زيادة نسب الانتحار، أكد عليها المشرف على مركز الطب الشرعي في الرياض الدكتور سعيد غرم الله الغامدي، مشددا على أن أغلب حالات الانتحار التي يعاينها المركز هي للوافدين من فئة الذكور والإناث، موضحا أن نسبة السعوديين قليلة لأن غالبيتهم يفضلون عدم عرض أبنائهم وبناتهم المنتحرين على الطب الشرعي خوفا من نظرة المجتمع، مفيدا أن الشرطة تكتب في سبب الوفاة إما عرضي أو جنائي أو انتحار. وأرجع الغامدي سبب انتحار السعوديين إلى المشاكل الاقتصادية، محملا إنهيار سوق الأسهم دورا كبيرا في زيادة أعداد المنتحرين في السنوات الماضية، وشدد على أن أعداد الإناث قليل جدا قياسا بالذكور، مبينا أن لكل فئة طريقة معينة في الانتحار؛ فالرجال ينتحرون بالمسدس أو الشنق أو السقوط من العلو، بينما تفضل البنات الانتحار عبر شرب بعض المواد كالكلوركس والحبوب. وأوضح الغامدي أنهم يعرفون ما يعانيه المنتحر من خلال الأسلوب الذي يستخدمه في الانتحار، فمن يعاني من كآبة حادة فإنه ينتحر عبر ذبح نفسه بالسكين أو رمي نفسه من علو. ودعا الغامدي الجهات ذات العلاقة لتضافر جهودها للحد من حالات الانتحار التي باتت تزداد يوما بعد يوم.
الدور الديني
بدورها، انبرت كل جهة للدفاع عن دورها في محاصرة ازدياد حالات الانتحار في المجتمع؛ فمجلس الشورى على لسان رئيس اللجنة الاجتماعية والأسرة في مجلس الشورى الدكتور طلال بكري اعترف بعدم مناقشة المجلس للقضية مضيفا «المجلس لم يتطرق لمسألة الانتحار، لكن إذا تمت إحالة الموضوع لنا سنناقشه». ولفت بكري إلى أن تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية لم يورد لنا هذه الحالات ولم يحل أحد للجنة هذه المسألة، مؤكدا أن القضية بحاجة لتشخيص ودراسة للحالات التي تحدث لوضع حد لها قبل التفشي، محملا الانفتاح الاجتماعي غير المنضبط وتداخل الثقافات والظروف المعيشية الصعبة، سبب ازدياد هذه الحالات.
وبرأت وزارة الشؤون الإسلامية نفسها من هذا الازدياد المطرد من خلال قيامها بدورها في التوعية والتوجيه عبر منابر المساجد والدعاة والخطباء.
وقال رئيس لجنة تقييم الأئمة والخطباء في فرع وزارة الشؤون الإسلامية الدكتور عزام الشويعر «ضمن منهج كل خطيب كل عام التحدث عن قضية الحفاظ على الضرورات الخمس، ومنها النفس ببيان حرمة الانتحار، وأهمية الصبر على المصائب التي يصاب بها الإنسان، وعدم التجزع والتضجر».
وشدد الشويعر على أن الوزارة توعز للخطباء والدعاة بالحديث عن أهمية الحوار الأسري وحسن التعامل مع الأبناء والغير، والتنبيه على طريقة اتقاء الأمراض النفسية باللجوء إلى الله عند المصائب. وأكد أنهم يسعون لتوضيح مصير المنتحر وأن الإنسان بإقدامه على هذه الخطوة يخسر دنياه وآخرته في وقت واحد.
ولفت الشويعر إلى أن الوزارة تركز على تحريم العمليات الانتحارية التي تقوم بها التنظيمات المتطرفة ضد المسلمين، وأنها تدخل في دائرة الانتحار المحرم شرعا، مبينا أن الوزارة تنبه على الخطباء في الدورات التي تعطى لهم بضرورة الحديث عن خطورة الانتحار، وأهمية الحفاظ على النفس لأنها ليست ملكا لصاحبها.
الدور التربوي
واعترف رئيس قسم التربية الإسلامية في تعليم جدة الدكتور نامي الشريف أنه أنقذ أكثر من شاب من الانتحار، وأقنع شابا حاول الانتحار بالمدسدس لكن محاولته لم تنجح بالعدول عن الفكرة، مرجعا سبب إقدام هؤلاء الشباب على محاولة الانتحار للتفكك الأسري واليأس والإحباط الذي يصيب الشباب والفتيات أو الظلم الذي يمارس من الإخوة على الأخوات، أو ما يجري من المشاكل والمشاجرات، وربما كان لطريقة التخلص من النفس نوع من أنواع الموضة لدى المنتحر فترسخ في ذهن من يريد الخلاص من النفس، مشددا على أن مرحلة المراهقة تعتبر من أخطر مراحل حياة الشخص وهي بحاجة لمتابعة وإرشاد وتوجيه، مشيرا إلى أن وزارة التربية والتعليم لها دور كبير في احتضان الشاب وتوعيته من خلال المناهج القائمة على الكتاب والسنة، لافتا إلى أن من موضوعات الكتب الدراسية موضوع عن الانتحار يخاطب طلاب المرحلة الثانوية الذين هم في مرحلة المراهقة، وهي المرحلة التي يكثر فيها الانتحار بين الشباب والفتيات. وركز الشريف على دور المعلم والمعلمة في الحد من ذلك بعرض الآيات والأحاديث التي تتكلم عن خطورة الانتحار وسرد بعض القصص الواردة في السنة حول نهاية وعاقبة المنتحر. وأكد على دور المرشد الطلابي والمعلمين في القرب من الطالب والإصغاء إليه جيدا وتفهمه، ومحاولة تذليل العقبات التي يواجهها الشاب أو الفتاة بين المدرسة والمنزل.
البحث العلمي والإعلام
بدوره، نفى وكيل وزارة التعليم العالي الدكتور محمد العوهلي تهمة القصور عن الجهات الأكاديمية والبحثية في مناقشة قضية الانتحار، مبينا أن الطلاب والأكاديميين في كليات العلوم الاجتماعية في الجامعات السعودية يقدمون بحوثا حول الظواهر الاجتماعية ومن ضمنها الانتحار، مشيرا إلى أنها بحوث موجودة في مكتبات الجامعات، مرجعا عدم رواجها لتجاهل الإعلام لها وعدم تسليط الضوء عليها. وبين العوهلي أن الجامعات تتعاون مع الجهات الرسمية مثل الشؤون الاجتماعية وغيرها في إعداد الدراسات والأبحاث التي تناقش القضايا الاجتماعية كالانتحار والعنف وغيرها.
كلام العوهلي أكده وكيل جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عبد الرحمن اليوبي، بأن جامعته أسست مركز البحوث للدراسات الاجتماعية والإنسانية في كلية الآداب بهدف عمل البحوث والدراسات حول أبرز القضايا الاجتماعية المحلية، وأنها تتعاون مع الجهات الرسمية مثل الإمارة ووزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية ومحافظة جدة وغيرها لعمل الدراسات الاجتماعية، مرحبا بإجراء دراسات حول الانتحار من أية جهة للمشاركة في حل هذه المشكلة. أما المتحدث الرسمي باسم وزارة الثقافة والإعلام عبد الرحمن الهزاع فبين أن الوزارة تعمل لمحاربة تنامي الانتحار من خلال رصد مثل هذه المشكلات ومعالجتها عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، مفيدا أن التنبه لتنامي هذه المسألة سيجعل الوزارة تضعها نصب عينيها للتوجيه والتوعية بخطورة الانتحار والتنبه للمشاكل النفسية، معتبرا الرقم عاليا وبحاجة للتنبه له. ولفت الهزاع إلى أن الوزارة تواجه تنامي مسألة الانتحار من خلال الندوات والمسرحيات في الأندية والمنابر الثقافية. وأوضح الهزاع أن الوزارة تمنع كل القصص والروايات التي تشجع على الانتحار، وكذلك ألعاب الاطفال والأقراص المدمجة التي تحمل أفلاما تشيع ثقافة الموت والانتحار، مؤكدا أن الوزارة بدأت تحرص على رقابة جميع المطبوعات والأقراص المدمجة، فالمحذورات لم تعد دينية وسياسية فقط بل تعدتها إلى محظورات اجتماعية. وشدد على أن الوزارة ستتصدى لهذه الكتب والمصنفات بشكل حازم مع أداء رسالتها التوجيهية والتوعوية عبر وسائل الإعلام.
علاج الدوافع
وحصر مدير فرع وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة دور الوزارة في تقديم الضمان الاجتماعي للشخص الذي يحاول الانتحار ويثبت أنه مريض نفسيا أو مصاب أو معوق فإنه يلحق بالضمان الاجتماعي، مبينا أن الوزارة لديها باحثون اجتماعيون يدرسون هذه الحالات ويضعون حلولا لها، مبينا أن الدور الأكبر على وزارة الصحة كونها تتعامل مع هذه الفئة من خلال المستشفيات النفسية ومستشفيات الأمل في المملكة.
بدوره، رد مسؤول في وزارة الصحة في تصريح سابق مدافعا عن دور الوزارة في أنها بصدد إجراء دراسة مستفيضة عن الانتحار في المملكة، بالاشتراك مع الداخلية، والشؤون الاجتماعية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وكشفت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عن تدخلها عدة مرات لثني حالات عن الانتحار، وذكرت عضوة الجمعية سهيلة زين العابدين أن منها حالات لجأت إلى دار الإيواء ولكن لم تجد الاستجابة المطلوبة فأرادت الانتحار، موضحة أن ملف الانتحار من الملفات التي تعكف الجمعية على دراستها وأن الدراسات الأولية أظهرت أن الحالات التي تفكر في الانتحار تعاني من العنف الأسري والتحرش من الأقارب، مبينة أن الجمعية تبحث مع وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات المعنية أن تكون دار الإيواء مكانا للتأهيل المهني والنفسي والاجتماعي لمن تجعله ظروفه يفكر في الانتحار.
من جانبه، بين مدير فرع الجمعية في جدة الدكتور حسين الشريف أن دور الجمعية هو التدخل ورفع الظلم سواء كان بعنف أسري أو غيره، مؤكدا على أن الجمعية تحاول أن تساهم في حل المشكلة عبر القضاء على الأسباب التي تقود الشخص إلى الانتحار .
توصيات التحقيق
وبحثا عن الحلول، دعا المشاركون في التحقيق إلى ضرورة إجراء دراسات بحثية على الحالات من قبل الجهات المختصة لمعرفة الأسباب ومعالجة الدوافع، وتعزيز دور المسجد والدعاة والعلماء بالتنبيه على خطورة الانتحار وحرمته، والمطالبة بوجود خطوط هاتفية ساخنة لعلاج حالات العنف والاضطهاد والأمراض النفسية، وعمل حملة توعوية تشارك فيها كل الجهات لبيان خطورة الأمراض النفسية وطرح أهمية الوقاية منها مبكرا، وإيجاد مراكز للعلاج النفسي والعنف الأسري.
وشددوا على أهمية تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في التكافل الاجتماعي واحتضان من تراه يعيش في ضغوط نفسية أو تحت وطأة الفقر والمشاكل، إضافة للتنبه للمشاكل النفسية التي يعاني منها الوافدون والتأكد من سلامتهم نفسيا عند التعاقد معهم ومتابعتهم، والعمل بشكل جاد على الحد من العوامل التي تؤدي إلى الانتحار كالإدمان والفقر والبطالة، ودعوا إلى تعزيز دور وسائل الإعلام في التوعية وبيان خطورة المشكلة، والحد من دخول الكتب أو الألعاب أو الأقراص التي تساهم وتعلم الانتحار وطرقه.
وشددوا على دور المؤسسات التربوية في تفهم حاجيات الطالب وحل إشكالياته وتوعيته عبر المدرس والمنهج والنشاط، والعمل على مسرحيات وأفلام ومسلسلات تساهم في التوعية وإشراك نجوم الفن والرياضة والمجتمع في هذه الحملات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.