كنا ونحن صبية نستقبل شهر رمضان المبارك بفرحة غامرة رغم ما نعانيه من التعب والجوع والضماء فلم نكن آنذاك ننعم بالسليب رست والسليب هاي والاغطية الوثيرة وريش النعام والقطنيات والكماليات التي تزاحمنا على الأسرة فكل ما هنالك احصرة أن توفرت واحجار تسند رؤوسنا ولم نكن ننعم بنوم الساعات بعد الفجر فقد كنا نتناول وجبة السحور ونصلي الفجر ثم ننطلق مع (البغاسيس) كلٍ حسب دوره في الرعي وتبشير وتنظيف المساطب (المزرعة) والاحتطاب وجلب الماء على ظهور الدواب وغير ذلك من الأعمال الفلاحية التي لابد من القيام بها يسبقنا من هو اكبر منا سناً من الآباء والأمهات حيث يتشارك الجميع في تأمين لقمة العيش والسعيد منا من يجد ظل شجرة يستعيد أنفاسه للحظات تحت ذاك الظل ثم يعاود الركض حتى ما قبل الإفطار حيث يتبارى الصبية في حمل بعض ما جادت به الموافي (التنور) من خبز البر أو الشعير أو الذرة إلى المسجد وتسمى في كثير من المناحي (فطرة) حيث يتحلق الجيران في صوح المسجد (فناء) حول هذه الفطرة ونبدأ بتناولها بعد أذان المغرب مباشرة وعادة ما يبدأ احد كبار السن بالبسملة والدعاء عند تناول الفطرة (فطور الصائم وعندما نفرغ من الإفطار وصلاة المغرب يعود كلٍ منا إلى بيته إلى أن يحين وقت العشاء والتراويح حيث يأمنا الإمام على ضوء الفانوس أو القازة التي لا تشعل فتائلها إلا وقت التراويح ثم نعود لبيوتنا وقد ننام دون أن نتناول اي وجبة فأمهاتنا رحمهن الله يدخرون الموجود لوجبة السحور وهكذا الحال في رمضان صوم وعبادة وعمل وفلاحة ولعلني اذكر فرحتنا بأول وجبة سحور في رمضان وهي الرضيفة حيث كن النساء يرضفن لنا بر وسمن اول سحور (وعهدك بها) يعني لا تفكر أنهن يرضفن لك حتى ينتهي رمضان لضيق المعيشة وعندما اقارن تلك الحقبة الزمنية وصعوبة الحياة فيها بالحاضر المزدهر نشكر الله الذي أنعم علينا بخيرات لا نحصيها عدداً وراحة واستقرار فالخيرات تأتينا من كل مكان ومستودعات البيوت تضيق بالارزاق وبكل صنف يخطر ببالك بل لا يخطر ببالك فله الحمد والمنة على ما أنعم به علينا اللهم ادم علينا نعمك الظاهر منها والباطن واحفظها من الزوال فوالله انه لايدرك ما نحن فيه الآن إلا من كابد العدم والفاقة وقلة الأمن فلله الحمد والفضل من قبل ومن بعد.