تحولت المقاهي التي عادة ما تمثل متنفس العراقيين خلال شهر رمضان، إلى هدف جديد لأعمال العنف، ما جعل كثيرا من روادها يفضلون ملازمة منازلهم بعد الإفطار. ويقول عامر عصام لوكالة فرانس برس أنه اعتاد في الأعوام الماضية على الذهاب يوميا إلى مقهى في بغداد للاجتماع بأصدقائه في فترة ما بعد الفطور، لكنه عكف عن ذلك هذا العام بسبب الأوضاع الأمنية. ويوضح عصام "لا أريد أن أتحول إلى صورة على فيسبوك يتناقلها الاصدقاء ويترحمون علي"، في إشارة إلى صور شبان قتلوا مؤخرا إثناء تواجدهم في المقاهي ونشرت صورهم على مواقع التوصل الاجتماعي. وفي بلاد قضت أعمال العنف فيها على معظم أوجه الترفيه العادية، كالسينما والمسرح باتت المقاهي الشعبية تشكل ملتقى للعراقيين ومقصدا يوميا للشبان خصوصا بعد موعد الإفطار في رمضان. وغالبا ما يمارس رواد المقاهي في رمضان العابا شعبية، أبرزها لعبة "المحيبس" التي يتنافس فيها فريقان وتقضي بالعثور على خاتم يوضع في يد أحد أعضاء الفريقين ويغلق عليه. كما يقصد الشبان العراقيون المقاهي لمتابعة مباريات كرة القدم بسبب غياب الكهرباء معظم الأوقات عن منازلهم. لكن الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي استهدفت المقاهي على مدى الأسابيع الماضية وراح ضحيتها العشرات خففت من حماسة العراقيين تجاه المقاهي. ويقول انور محمد الذي يملك مقهى في بغداد إن "اعمالنا تراجعت بنسبة 50 الى 60 بالمئة مقارنة برمضان العام الماضي". ويضيف أن "الزبائن الذين كانوا يأتون للأكل والتدخين، يفضلون اليوم طلب الوجبات وأخذها معهم إلى المنزل، قائلين انهم يخافون الجلوس في المقهى، ويفضلون الأكل والشرب في بيوتهم". من جهته، يروي علي عدنان (30 عاما) وهو من سكان الدورة في حنوب العاصمة "ذهبت إلى مقهى في بغداد ووجدت أربعة اشخاص فقط جالسين على الكراسي، وانتظرت عدة دقائق حتى يصل أصدقائي". وتابع "في هذه الأثناء، ترك الأشخاص الأربعة المقهى فشعرت بالإحراج من الجلوس وحدي، مما اضطرني إلى المغادرة أيضا". وبين الهجمات التي استهدفت المقاهي، تفجير انتحاري لنفسه مساء الاربعاء في مقهى شعبي وسط الموصل (350 كلم شمال بغداد) ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص واصابة 21 بجروح. كما قتل تسعة أشخاص وأصيب نحو 25 بجروح في انفجار عبوة ناسفة قرب مقهى في الدورة يوم السبت الماضي. إلا أن أكبر الهجمات التي استهدفت المقاهي الشعبية العراقية مؤخرا، وقعت في مدينة كركوك (240 كلم شمال بغداد) المتنازع عليها حيث قتل مهاجم انتحاري في 12يوليو 41 شابا واصاب 35 بجروح بعدما فجر نفسه داخل مقهى "كلاسيكو". وقال حينها احمد البياتي الذي أصيب في ساقه أنه "اثناء تجمهر العشرات داخل المقهى دخل علينا شخص ولم نسمع إلا كلمة الله اكبر ودمر كل شيء"، مضيفا ان الشبان كانوا يمارسون لعبة الصينية الشبيهة بالمحيبس. ويرى جودت عبد الله البياتي الذي فقد اثنين من اشقائه في التفجير أن "المقهى استهدف (...) لانه يجمع كل مكونات كركوك، إذ أن المجرمين لا يريدون تقوية أي قاسم مشترك بين ابناء الارض الواحدة". وعقب هذا التفجير، أبلغت الشرطة جميع أصحاب المقاهي في المدينة بضرورة إغلاقها حتى إشعار آخر، تحسبا من وقوع استهدافات جديدة. وعادت بعض مقاهي كركوك خلال الأيام القليلة الماضية إلى فتح ابوابها أمام قلة من الزبائن، وسط إجراءات أمنية مشددة. ورغم ذلك، لا يزال عدد من الشبان يصرون على التواجد في المقاهي كونها ملاذهم الوحيد. ويقول جيلان علي (42 عاما) وهو مهندس مدني خلال تواجده مع أصدقاء له في مقهى في بغداد "لسنا سعداء مئة بالمئة لجلوسنا هنا". ويوضح "نحن قلقون، لكننا نقول في أنفسنا أنه مهما سيحدث، فإننا سنكون بين أيدي الله".