في موروثنا الشعبي بعض حكايات سمان، تجسد الحال بالكثير من الواقعية، بل وكأنها قيلت بالأمس القريب، لتحكي حال اليوم العصيب..!! (1) .. يحكى أن رجلاً كان متهمًا بالغواية من جيرانه، ومن تلك التهم أنه لا يصلي، ولأنه قد يكون كذلك فقد أراد أن يدفع الاتهام عنه بدليل مادي محسوس، فشرى ديكًا لكي يؤذن وقت الفجر، ووضعه تحت نافذة جاره الذي يناصحه على الدوام...!! (2) .. صاحبنا اكتشف أن ديكه (تلخبطت) عنده الساعة البيولوجية، وأصبح يؤذن في كل وقت، ليزيد من حدة الاتهام، فإما أن يكون الديك خرف! وإما أن يكون صاحبه لا يعرف مواقيت الصلاة، وأنه قد يصلي حتى في الأوقات المنهي عنها..!! (3) .. زوجة الجار التي أزعجها الديك بالصياح من تحت نافذة غرفة نومها سممت الديك فمات لتسجل الجريمة ضد مجهول.. غير أن صاحبه الذي أفرحه موته راح يولول: «قتلوا ديكي.. من يوقظني للصلاة؟».. لينجو من التهمة.. وبعض الموت ينقذ من حبل المشنقة..!! (4) .. وفي حكاية تراثية مشابهة كان أحد الولاة مستبدًا، ظالمًا، جائرًا.. والأسوأ أن حضرة الوالي يقلب الحقائق ويغير منطق الأشياء ولا أحد يستطيع أن يخالف: (قال الوالي)..!! (5) .. هذا الوالي قد استعمل أحد حاشيته مؤذنًا في جامع المدينة، ليكتشف الأهالي أن مؤذنهم لا يؤذن للصلوات، وحينما شكوه للوالي قال أنا أسمعه، فقال أهل السوق ونحن كذلك..!! (6) .. أخيرًا اكتشف الناس أن مؤذنهم أخرس وعندما ذهبوا للوالي يشتكون، نظر إليهم نظرة غضب وهو يسألهم: ماذا لديكم؟ قالوا جئنا نشكرك على حسن الاختيار، فمؤذنهم صاحب فصاحة وقوة صوت..!! (7) .. واقعنا يشابه تراثنا.. كم من ديكة صاحت وتصيح في أزقتنا العربية خلال كل الأوقات؟ أزعجتنا لكننا لا نملك معها إغلاق الشرفات؟ وكم من صاحب ديك يقنعنا رغمًا عن أنوفنا بأنه الأمين المؤتمن والناصر لقضايانا..؟!! (8) .. وكم من زعيم يفعل ما يفعله ذلك الوالي، يقلب كل الحقائق، وعلينا أن نقبل بأن سيادة الزعيم هو الصادق المصدوق..؟!! (9) .. وما هو أشد وطأ، فرؤساء الخارج الذين يتسابقون إلينا وعلينا وكأن ما فينا لا يكفينا لنكتشف أنهم حولوا المنطقة وقضايانا إلى حلبة لصراع الديكة، ونحن وحدنا من يدفع أثمان صراعات الديوك..!! (10) .. أما الشعوب العربية فمشكلة أكثرهم أنه يتحول إلى طابور سابع يتحزب لغواية الرئيس بحماقة ويتخلى عن ثوابت قضاياه بحماقة أكبر..!!.