تطرقنا من قبل إلى مبادئ القيادة الأربعة ل "جاك ويلش" التي تتلخص في السمات الأربع التالية: وهي أن القائد الفذ يجب أن يمتلك الطاقة، والقدرة على التحفيز، والقدرة على الحسم، والقدرة على التنفيذ. ونريد في هذا المقال أن نناقش المبدأ الثالث وهو (القدرة على الحسم) نعرض في البداية صفات القياديين الذين يتصفون بالحسم، ثم نعرض أبرز من أتقن هذا الفن في بعض منظمات الأعمال المحلية والدولية. القياديون الذين يتصفون بالحسم وهذا مبدأ يتصف به القادة الشجعان هم من النوع التنافسي يعرفون كيف يتخذون القرارات الصحيحة في الأوقات المناسبة، ولا يسمحون للمثبطات والشائعات والعادات الإدارية البالية أن تعترض سبيلهم أو تعوق تقدمهم. إنهم القادة الذين لا يعرفون التردد إذا اتضحت أمامهم الحقائق في اتخاذ القرارات المصيرية أو تلك التي سماها "بيتر دراكر" قرارات الحياة أو الموت. إن ممارسة مبدأ الحسم ليست بالأمر السهل، فقد يواجه القائد النقائض وقد يتعرض إلى ضغوط تجبره على تغيير قراره أو على الأقل تأجيله. إن ممارسة مبدأ الحسم تتطلب من القائد الهدم من أجل البناء، والتضحية من أجل البقاء، وتسريح كثير من العاملين من أجل الاحتفاظ بالمتميزين، والاعتراف بالحقيقية المرة من أجل التصحيح وترسيخ مبدأ العدالة. ومن التناقض أيضا أن يجد القائد وسيلة لقيادة منظمته في المدى البعيد في الوقت الذي تستمر فيه المنظمة في العمل بكفاءة في المدى القصير، فتتقلص كي تنمو، وتتخلص من بعض الأشياء كي تكسب أشياء أخرى أكثر أهمية. إن مبدأ الحسم يتلخص في البراعة في إدارة المتناقضات ومواجهة الضغوط والصراعات. ينصب اهتمام القادة الذين يتصفون بالحسم في الدرجة الأولى في مصلحة المنظمة، والأفراد يأتون في المرحلة الثانية، فالكيان عندهم أهم من الإنسان، لأنهم يرون أن الاهتمام المبالغ فيه بالعنصر البشرى على حساب المنظمة يؤدي إلى تكون بيئات تنشأ فيها القيادات البغيضة كالدكتاتورية والقيادات الشاذة، والعادات الإدارية المقيتة كالبيروقراطية وتصبح المنظمة رهينة لزمرة يعبثون ويسيئون استخدام السلطة. ومن أبرز من أتقن هذا الفن "رودولف جولياتي" الذي أطلق عليه في الآونة الأخيرة عمدة أمريكا، فقد امتلك هذا الرجل الحسم بوفرة، وقد أظهر هذا في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، اليوم الذي وقعت فيه الأحداث المفتعلة على مدينة "نيويورك". وحيث إنه كان سيتقاعد من منصبه كعمدة ل "نيويورك" في غضون بضعة أشهر وكان من الممكن أن يختبئ ويصدر أوامره من موقع سري، إلا أنه آثر الظهور وحسم الأمور، فكان الرجل الوحيد الذي تجده في كل مكان، وغالبا ما كان موجودا في موقع الهجمات يقدم المساعدات ويمارس التوجيه والقيادة حتى أن أشد منتقديه امتدحوا فعلته هذه. وحتى لا يساء فهم هذه النقطة فأنا لست من المؤيدين ل "جولياتي" وموقفه من الأحداث، وقد استشهدت بموقفه من أجل توضيح شخصيته القيادية فحسب وكيف تألق في تطبيق مبدأ الحسم، أما خلفية الرجل، وعقيدته، وموقفه من القضيتين العربية والإسلامية فهو موقف ثابت. وقد طبق "جاك ويلش" مبدأ الحسم بطريقة أخرى فقام بتسريح واحد من كل أربعة موظفين حتى أصبح إجمالي الموظفين الذين تم تسريحهم 118 ألف موظف. فعل هذا من أجل المحافظة على الموظفين الأكفاء وجعل الشركة الضخمة المترهلة تسير خفيفة كشركة صغيرة رشيقة. ف "ويلش" يرى أن الموظفين المعادين لقيم الشركة أشبه بالأمراض المعدية فإذا لم يؤمنوا فلن يأتوا بكل ما لديهم لذا يجب التخلص منهم فورا. كما طبق أيضا مبدأ الحسم في منظماتنا المحلية مدير جامعة الباحة السابق قبل عدة سنوات حينما علمت طالبات إحدى الكليات بتغيير أسئلة أحد المقررات الدراسية الأمر الذي أثار استياءهن ودفع بعضهن إلى مغادرة القاعة بإيعاز من أستاذة المادة. وبرر عميد الكلية سبب تغيير الأسئلة بالاشتباه في تسربها كما وصف تصرف أستاذة المادة بأنه أسلوب غير مسؤول يرجع إلى قلة خبرتها الأكاديمية. الأمر الذي أدى إلى تدخل مدير الجامعة بقيادة الحدث بنفسه، فاعترف بالواقعة وأن عميد الكلية كان على خطأ وأستاذة المادة كانت على صواب. وتصرف مدير الجامعة في موقف حساس كهذا يكشف عن عبقرية إدارية فذة فقد ابتعد عن الطرق التقليدية التي تمارس في مثل هذه الأمور مثل المجاملات، والدفاع الهش، وتغليف الحقيقة بالتصريحات الملفقة، فوقف صامدا صادقا ومارس مبدأ الحسم، ذكر الحقيقة المجردة عندها اختبأت الأكاذيب والشائعات. وبهذا أخرست الأصوات النشاز، وأخمدت الفتنة، وأعيدت الأمور إلى نصابها، ولم يبق مكان للشائعات فكل شيء فوق الطاولة. والمقدرة على الحسم ليست لها قيمة دون التنفيذ، والقياديون الذين ينفذون بفاعلية يدركون أن الحسم والإنتاجية ليسا وجهين لعملة واحدة. وأفضل القادة هم الذين يعرفون كيف يحولون الطاقة والحسم إلى عمل ونتائج. إنهم يعرفون كيف يجنون ثمار مبدأ الحسم بالتنفيذ، وهذا رأيناه في كل من طبق هذا المبدأ حيث تألقوا بالفعل في قضايا حساسة لن تجدي معها الليونة أو الكذب أو المجاملة بل الحسم وليس غير الحسم.