يوم تسمو فيه الأرواح وترتقي على منابر الشوق والرجاء، وتتطلع فيه العيون إلى جلال المضيف الكريم، وترتعش فيه القلوب الساكنة المنيبة ،تنتظر لحظات العتق ،وتسترسل في المناجاة الموصولة ،تبث رجاءها وشكواها للذي يدبر الأمر في السماوات والارض ،ومن بيده وحده جل شانه مصائر الخلق ،إن رضي فالمصير عيشة راضية وجنة عالية ،وإن سخط فالمصيرهو الهاوية ،وما أدراك ما هيه نار حامية ، وتضطرب الجوانح خوفا أن لاتؤجر الرحلة ،وأن لاتقبل الجهود ،أوأن تخيم أجواء الذنوب السالفات ،وتلقي بظلالها على هذا الموقف، فتكون سببا لإحباط العمل فيه ،فتتوزع النفس ما بين الخوف والرجاء ،وتعكف على الدعاء المشفوع بالدمع الصادق ،والندم العميق ،والتوبة النصوح ،وكلها رجاء ألا تعود خائبة كسيرة. وتتوارد كلمات الحبيب المصطفى على الخواطر المرهفة، فتحيي فيها الأمل برضى الله وغفرانه{مامن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوويتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء} ،وهو دنو الرحمة والعطاء والغفران ،وتجلّي الكرم والمنّ والرضى،{انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فجّ عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يريوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفه}ويطمعون بالفضل بعد المغفرة وقد أمّلهم بها نبيهم {لو علم اهل الجمع بمن حلّوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة . ويتولى الشيطان ذليلاو قد خاب أمله، وحبط مسعاه ،وارتفعت راية التوحيد رغم انفه ،وأقبل العباد الطائعين على ربهم، منيبين إليه ،وقد نبذوا الفرقة ،والرفث والفسوق ،والتقت قلوبهم على الطاعة والرجاء ،رافعين أكف الضراعة، ساكبين دموع الشوق والرجاء والتوبة، فيزداد ذلا وحسرة، وقد فاته أجر السجود ،وصدق اليقين، وتذلل المخبتين ،وطاعة الطائعين، وقد عصى وتجبر، وأبى واستكبر، فكان من المدحورين. ويتلهف اولئك الذين حال حائل بينهم وبين هذا الموقف الجليل الكريم ، وقد علموا أن إخوانهم الحجيج في عرفة، يضّرعون إلى ربهم ألّا يجعلهم في القوم الظالمين ، فيشاركونهم العبادة العظيمة عن بعد في الأماكن وتقارب في الأرواح ، فيصبحون صوّما ويبيتون قوّما ،يطلبون من العظيم ما يطلبه ضيوفه وحجيجه ،من الخير والنّوال ،ضارعين إلى الجبار القدير، ناصر المظلومين ،ورب المستضعفين، أن يلم شعث الامة الإسلامية ،وان ينصرها على عدوها، وأن يعلي رايتها ،وأن يغفر لأولها وآخرها. [اللهمّ إنّا نسألك في هذا اليوم العظيم أن تحقن دماء المسلمين وأن تعلي لواء الحق والدّين ،وأن تردّنا إلى دينك ردّا جميلا يارب العالمين ] {ربنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم}