كانت ميزانية هذا العام 1433ه للمملكة العربية السعودية,متميزة عما سبقها من ميزانيات,وهي كما يبدو لنا تفيض خيرا وبركة فنحمد الله عز وجل الذي أنعم علينا في هذا البلد الكريم بالآمن والرخاء والعطاء,وأكرمنا بمن يسمع شكوى المحتاجين والفقراء. وإننا لنعلم علم اليقين أن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله,يتمنى أن يقف على الحقائق,ويسعى جاهدا لمعرفتها,وما كانت زيارته لآحياء الرياض الفقيرة إلا دليلا قاطعا على اهتمامه بشعبه حق الاهتمام,وما كانت أوامره وتوصياته المستمرة, لوزرائه بخدمة المواطن وتلبية احتياجاته,إلا لحرصه الدائم الذي ليس له حدود! لذا فإن كل مسؤول شرّفه خادم الحرمين الشريفين, وحمّله مسؤولية مباشرة وغير مباشرة,وهو مخلص لله عز وجل ولمليكه ولوطنه فإنه لن يستنكف سماع أو رؤية ماسنتحدث عنه في هذه المقالة المختصرة,مما يفطر القلوب ويذهل العقول ويجعل الحليم حيران حين نجد في مجتمعنا السعودي ومن أبناء هذا الوطن الكريم من يبيت جوعانا,وينام عريانا,ولا يسأل الناس الحافا,عزةً وإباءاً!!!! فكم من فقيرٍ يعيش على الكفاف فلايجد قوت يومه أو ليلته,وإن وجد شيئا فقد لايُشبعه ولا يسد رمقه,وإذا أوْى إلى داره لايجد ما يجلس عليه,حتى وإن كان من الآبسطة البلاستيكية,ولايجد ما يلتحف به في هذا الشتاء القارس,سواءا هو أو اطفاله أو زوجه؟! كم من مُعدمٍ, حَرَم أبناءه وبناته النجباء من مواصلة الدراسة,نتيجة الفقر والجوع والعوز؟ولقد ألفيت منهم من عجز عن شراء الطلبات المدرسية, خصوصا طلبات بعض المعلمات التي تكاد أن تكون تعجيزية لمستوري الحال,كأنواع الدفاتر والاقلام الفاخرة والملابس والجزم الغالية, وغيرها مما يُفترض الاكتفاء بما يَقْدر عليه ولي أمر الطالبة, فما بال الفقراء الذين يعيشون فقرا مدقعا؟!! كم من مسكينٍ يعيش بين أظهرنا وهو لايقدر على شراء أهم الحاجات التي كنا نعدها من الكماليات فأصبحت من الضروريات كالثلاجات والافران والغسالات والمراوح والمكيفات؟!! كم من شابٍ مهموم ملتاع لايكفي راتبه لسداد الفواتير وأجار السكن بالاضافة لاقساط البنوك والشركات التي ترهق كاهله وتنغّص عيشه وتربك حياته الزوجية والعائلية مما يؤثر على حياته العملية؟ وكم من شاب عاطلٍ قد تخرج من جامعته أو معهده أوثانويته,ولم يجد له وظيفة يأكل منها ويستتر بين الناس من خيرها,ويَعولُ من استرعاه الله عليه من أبٍ أو أمٍ أو أخوةٍ أو زوجةٍ,أو هؤلاء جميعا؟ إن كل هؤلاء لمحرومون من نعمة العيش الهنيء والحياة الكريمة وأيم الله أن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين لم يغفلا عن هذه الاصناف المحرومة,غير أن المعنيين بالدراسة والبحث والمتابعة المباشرة وغير المباشرة,أوّلوا الاوامر والتعليمات, ثم فكّروا وقدّروا وأقبلوا وأدبروا واستفسروا,فقالوا نخشى من التضخم وهم لايخشون من تضخم ما في جيوبهم, بل ما في جيوب الفقراء المحتاجين,ولنا أن نقرأ أخر ما كتبه الاقتصادي عبدالله دحلان في صحيفة الوطن السعودية بتاريخ 31ديسمبر 20011م بعنوان (ماذا يريد المواطن السعودي من الميزانية)؟!,فقد أكد أن زيادة الرواتب مثلا ستنعكس على الوطن بتضخم وشجع للتجار مع عدم القدرة على مراقبة الاسعار,وهذا جزء مما قاله: (ونحن كاقتصاديين ومحللين اقتصاديين نُجمل الميزانية بعد صدورها بتحليلات إيجابية منطقية أحياناً، ومبالغ فيها في بعض الأحيان، نقدم تحليلاً اقتصادياً من وجهة نظرنا العلمية والاقتصادية، ولكن لا نذهب إلى العمق في التحليل والبحث عن أثر ومردود الميزانية على المجتمع بكل طبقاته. ويذهب البعض في التحليل لإظهار البعد الاقتصادي الكلي ويغفل البعد الاقتصادي الجزئي، ويؤيد البعض توجه الدولة نحو دعم المواطنين غير المباشر خوفاً من التضخم، وأميل أحياناً إلى هذا التوجه خوفاً من أن يأكل تضخم الأسعار وجشع التجار أي زيادة في دخل الموظف، وهو تخوف له بعد علمي ونظري تثبته الأمثلة الحقيقية على أرض الواقع في بعض الحالات التي لجأت فيها الدولة للدعم المباشر، وأقصد به زيادة رواتب الموظفين)!! إذن فالكاتب الاقتصادي الدحلان يرى عدم زيادة الرواتب لانها في نظره تشكل خطرا اقتصاديا اسمه(التضخم) معتبرا أن هذا افراط في اصدار النقد وضخه بين الناس,فترتفع الاسعار,وهذا مفهوم خاطيء لآن هناك شريحة كبيرة من المواطنين لايوجد لديهم أرصدة نقدية,بالاضافة إلى أن العرض والانتاج غير ثابت,فهما مستمران,وليس هناك ولله الحمد في بلادنا تضخم ناشيء عن حصار اقتصادي كما حدث للعراق وكوبا,فالبروالبحر والجو تغدق على الاسواق السعودية مالذ وطاب,فكيف يكون لدينا تضخم إذا كانت الاسواق ملآى والجيوب فارغة؟وربما أن الكاتب قاس هذا بحاله وحال غيره ممن كثرت ارصدتهم وقلت مصروفاتهم؟! وطالما أن الاسعار قد ارتفعت دوليا ومحليا كما قال الكاتب فالحل الوحيد هو في ثلاث نقاط لا أظن أنها تذهب عن هؤلاء المحللين الاقتصاديين وهي كما يلي: 1-زيادة رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين, في القطاعين العام والخاص وبنسبٍ متناسبة مع الرتب والمراتب ..والراتب,وليكن من الآسفل إلى الآعلى! 2-تخفيض رسوم الخدمات الحكومية كالمرور والجوازات والبلديات وغيرها كلما ارتفعت الاسعار, وبنسب مدروسة, فالدولة حفظها الله أقدر على تحمل تبعات الغلاء والتضخم من صاحب الدخل المحدود! 3-تكثيف مراقبة الاسعار ومتابعتها بعناية,وتشكيل لجان مؤهلة لهذه المهمات,وتعميم طرق التواصل بينهم وبين المستهلك,فحماية المستهلك وضبط الاسعار,وعدم ترك التاجر يزيد في سلعته كيف شاء يهيء الاستقرار الاقتصادي في البلد, واستقرار العملة النقدية. وأظن أن الاقتصاديين الذين يخشون علينا من التضخم,لو أن أحدهم رأى ما رأيت بأم عينّي لغير رأيه,ولقال لاتًضخُم بعد اليوم! أما أنا فقد هالني منظر ذلك الشيخ المتقاعد المسن الذي,تسوق بصحبة زوجه وبناته وأطفاله الصغار الذكور,والذي صاح بأعلى صوته,في وجه أسرته المحرومة المسكينة,التي تريد أن تتسوق مثل الناس وتشتري كسوة العيد الذي يقترب حينها من الابواب! قال في بحة حزن وغضب ومعاناة,حين رأى كلا من أفراد أسرته يهم بإختيار كسوته,بعد أن رأى الاسعار المرتفعة عليها(ذبحتوني-هلكتوني-حسبي الله عليكم-من يقدر يشتري هذه كلها-ياالله مشينا)! خرج بهم مسرعا يجرجرهم, تاركا خلفه عربة مليئة بملابس العيد التي, لبستها عيونهم ولم تلبسها أجسادهم, والناس مذهولين حيارى,وأسرته في خجل ولوعة وانكسار,ولما سألنا عن أحواله قيل لنا انه متقاعد براتب أربعة الاف ريال لاغير,وعائلته تتكون من ثمانية أفراد! وأما الرجل الذي له ابنان متخرجان من الجامعة ولم يجدا توظيفا, فقد هالني أن رأيته وأبنيه يذهبان للعلاج النفسي,وللرقية الشرعية لإصابتهم بإكتئاب حاد,نتيجة الفقر والبطالة(كان الله في عونهم)! إن أحلام المحرومين بالعيش الهنيء والكريم تترى وتتزايد مع كل ميزانية, فالعاطل يحلم بالوظيفة,والفقير المعدم يحلم أن يجد قوت يومه وليلته,وما يكفيه ويكفي أسرته من ضروريات الحياة اليومية سواءا كانت صحية أو تعليمية أو اجتماعية! وإن أمال المتقاعد الذي خدم الوطن وبنى بناء المخلصين الجادين تتنامى يوما بعد يوم,مع قطار العمر الذي يمر مر السحاب,ومع تساقط المأسي المالية تساقط الصواعق على الحِداب!! غير أن القلب الحاني الكبير قلب خادم الحرمين,لم يكن بعيدا بل هو قريب من كل مواطن في هذا البلد الكريم المملكة السعودية فقد نشرت صحيفة عكاظ قبل يومين,توجيهاته حفظة الله فقالت: (وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإستحداث جهاز في الديوان الملكي تكون مهمته التأكد من تنفيذ مقتضى الآوامر والقرارات الصادرة من مجلس الوزراء بكل دقة ورفع تقارير دورية في هذا الشأن,وذلك للإطمئنان على كل ما يهم الوطن والمواطن ويحقق متطلباته التنموية)!! ولربما ظن القاريء الكريم أنني حين كتبت مقالة سابقة بعنوان نرضى ولو بقرص تميس في ظل الحكم السعودي) أناقض قولي ) أو أنقلب عليه...كلا ولكني هناك أعني,حين تكون التضحيات والفداء في مواطن اللقاء, عن عقيدتنا وحكومتنا السعودية التي جعلت دستورها كتاب الله وسنة رسوله-فالتميس والتميس حينها كثير-أما هنا فإنني.. أعني حين نكون في الرخاء والآمن والعطاء! رافع علي الشهري [email protected]