لايفتأ بعض كتاب صحافتنا الورقية,يتحينون الفرص وينتهزون المناسبات ويتصيدون المشاهد والاحداث والوقائع التاريخية القديمة والمعاصرة,فيأخذون منها مايتناسب مع أهوائهم لتكون حلا بديلا لمشكلاتهم المستعصية جدا والتي لم تنته بعد,وهي المتمثلة في الحكومة الاسلامية ذات المنهج الاسلامي والدستور المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم...والتي يرون أنها عقبة كأداء في طريق النمو والتقدم والازدهار ومسايرة الغرب! فقد كتب الكاتب بصحيفة الوطن السعودية فاضل احمد العماني مقالة بعنوان(تركيا النموذج الاسلامي العصري)بتاريخ6/7/2011 وقد أتى على مراحل التغيير التركية منذ ثورة مصطفى كمال اتاتورك على الخلافة العثمانية,ومرورا بسيطرة الجيش العلماني فنشأة الاحزاب الاسلامية كالحزب الوطني حتى حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على المشهد السياسي التركي حاليا دون انفكاكه الكامل عن هيمنة الجيش التركي حامي حمى العلمانية الاتاتوركية,حتى خلص الكاتب في نهاية هذا التحليل السياسي الى أن هذه التجربة التركية الحديثة هي الحل الناجح للدولة الاسلامية العصرية التي يؤيدها الغربي والعربي فقد قال(اليوم, تُعتبر تركيا هي النموذج الإسلامي العصري الذي يكسب شعبية متزايدة وقبولاً متنامياً في العالمين العربي والإسلامي, بل إنه أي النموذج الإسلامي التركي يحظى بإعجاب وإشادة ودعم غربي كبير, يدعو للاستفادة من التجربة الإسلامية التركية, بل ومحاكاتها واستنساخها باعتبارها النموذج المناسب والمقبول عالمياً.)! غير أن الكاتب العماني قد لايعلم أن رئيس الوزراء التركي أردوغان نفسه,ليس راضيا البتة عن الحكم العلماني المهيمن على مفاصل الدولة والمتغلغل في كل مناحي الحياة,برلمانيا ودستوريا تحت اشراف المؤسسة العسكرية العلمانية,التي أقرها أتاتورك دستوريا,فجعلها احدى بنوده الاساسية الهامة! وقد صرح اردوغان في عدة مناسبات أنه يسعى الى أن يتعامل مع كل هذه السيطرة العلمانية كتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة مع قبائل قريش,فليست الطريق مفروشة بالورود أمامه وأمام حزبه(العدالة والتنمية)حتى وإن كان على رأس هرمه! ولم يصل اردوغان بحزبه الى السلطة إلا بعد الهمة العالية والاخلاص المحفوف بالمشقة.. وبعد أن أوذي كثيرا من قبل العلمانيين,سيما بعد تصريحاته الجريئة التي قال فيها(لابد من الغاء العقيدة العلمانية التي يقوم النظام التركي عليها)وحين قال(العقيدة العلمانية والاسلامية نقيضان لايتفقان)وقوله ايضا(الاسلام والعلمنة لايمكن التعايش بينهما ابدا)! فبقاء حزبه(العدالة والتنمية) قائما, توفيق من الله عزوجل للشعب التركي والمسلمين,وإشارة مباركة لبداية الخطوة الاولى على أول درجة من درجات العودة بتركيا إلى الآسلمة الشاملة! وكان هذا الحزب قد خرج من تحت عباءة الآحزاب الإسلامية السابقة المنحلة التي أسسها نجم الدين اربكان رحمه الله كالحزب الوطني والفضيلة والرفاة,فطيب رجب اردوغان تلميذه النجيب ! أما أن تكون تركيا هي النموذج الاسلامي الذي يجب أن تكون عليه الدولة الاسلامية,كما يحبذ الكاتب وكما يريد اللبراليون والعلمانيون العرب وغيرهم, فاستنتاج فاسد وتحليل عقيم, لايقول به إلا جاهل جهلا مطبقا من رأسه حتى أخمص قدميه, أو غير مخلص لدينه وأمته الاسلامية ابدا! ولكن.. أن تكون نموذجا للتحول المحفوف بالمخاطر والعودةبالدولة للآسلمة فلا شك أن تركيا وأردوغان اليوم, نموذجا مناسبا لهذا! ولست أدري أين يجد الكاتب فاضل العماني المنهجية الدستورية الاسلامية في الدولة التركية,والتي يحث على استنساخها باعتبارها النموذج المناسب المقبول على حد زعمه! أهي في المدارس والجامعات المختلطة؟ أم هي في المحاكم الدستورية التي تحكم بالقوانين الوضعية؟أم هي في البرلمان التركي الذي أقر نفي المرأة البرلمانية المحجبة إلى خارج بلادها(مروة قاوقجي)؟والتي لم يستطع الرئيس عبدالله غول وأردوغان إعادتها للبلاد؟أم هي في العلاقات مع اسرائيل؟ أم أن العماني ومن يؤازره على صفحات الصحف,يريدون أن يثبتوا للناس أن التحول البدائي الطفيف الذي ينتهجه اردوغان نحو اسلمة الدستور التركي,هو الكمال والتمام لشرعة الاسلام في الارض؟ وأن هذا ما نريد أن نستنسخه في مهبط الوحي وأرض الحرمين؟ وأنه الحل السحري الذي يرتقي بنا في مصاف الآمم أمام العالمين؟ أما سمعوا اردوعان نفسه وهو يقول(لن يتحقق ما نصبو اليه إلا بعد حين)؟ّ!أي أنه يرى أنه لن يحقق أماله إلا الاجيال القادمة التي تسيرعلى سياسته بهدؤ وترو وكياسة حتى يتم لهم مايريدون! وهل يعتقد الكاتب العماني أن اشادة الغرب بالتجربة الاسلامية التركية هي ما يطمح له كل مسلم على هذه البسيطة؟وأنها تزكية لايأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؟وأنها هي الصراط المستقيم والطريق السوي الذي لاعوج فيه؟ أما علم هذا الكاتب أنها اشارة غير مباشرة لتركيا أولاً(أنْ قفي تركيا على ما أنت عليه ولا تزيدي شيئا من الآسلمة حتى تُحْمدي)وثانيا للعالم الاسلامي الذي يترقب الخطوات التركية القادمة(أنْ كونوا كتركيا فحسب لتُحْمدوا)! إن المسلمين المخلصين لدينهم وأمتهم يعلمون أن التجربة التركية على يد أردوغان تجربة رائدة يرجى لها النجاح,وليست إلا كتثائب عملاق أخذ يصحو من بعد نوم طويل بدأ منذ عام 1922م,بحقنة أتاتوركية منومة-وليست هذه التجربة كل ماتصبو اليه تركيا اردوغان والمخلصين لتركيا, بل هي البداية التي ينتظر المسلمون نتائجها,ولم تصل إلى الحد الذي يجعل العُماني يطالب بإستنساخها ولا التي جعلتْ زميله كاتب صحيفة الوطن يحيى الامير يعير بها الوعاظ والعلماء والمفتين في المملكة ويسخر منهم في مقالة بعنوان(يفرحون بإردوغان ويجزعون من جامعة كاوست) وذلك بتاريخ 7/7/2011م,والتي يؤازر فيها مقالة زميله العُماني الذي يجهل أو يتجاهل أن النظام في تركيالازال علماني وليس اسلامي! رافع علي الشهري [email protected]