أكد الأمير مقرن بن عبدالعزيز وزير الاستخبارات السعودي على أهمية الإصلاح في ضوء ما يمر به العالم العربي من تغييرات، مشددا على أهمية إدارته من حيث التوقيت والمراحل التي يجب أن يجتازها، وهو ما يُلقي بالمسؤولية على الشعوب والحكومات على حد سواء، حتى لا تتحول دعاوى الإصلاح الى فوضى تضر بالشعوب قبل أن تضُّر بالحكومات، خاصة وأن هذه التغييرات لم تتخذ شكلها النهائي بعد ولم تستقر عند حالة واحدة. وأكد الأمير مقرن في كلمته أمام "منتدى الخليج والعالم" المنعقد في العاصمة السعودية الرياض أن سياسات التدخل والتهديد باستخدام القوة لا تخدم الأمن الإقليمي الخليجي، بل تؤدي إلى سباق التسلح وإلى عودة نظرية توازن الرعب مرة أخرى، وأنه من الضروري أن يشهد العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تأسيساً لقواعد دولية جديدة مُمكنة التطبيق من أجل ضمان أمن المنطقة السياسي والاقتصادي، والذي هو جزء حيوي من الأمن العالمي. وتناول الأمير في الكلمة تعريف مفهوم الأمن، مشيرا إلى أن الباحثين اتفقوا على تعريفه بأنه مجموعة السياسات المُنسقة والمُتكاملة لمجموعة دول في إقليم واحد، تتوفر فيها خصائص مشتركة للتعاون فيما بينها. وتناول وزير الاستخبارات السعودية في ورقة العمل التي قدمها أمام المؤتمر تحولات الأوضاع في المنطقة من منظور أمني، فبعد أن كان سائداً ولفترة طويلة مبدأ (توازن القوى)، وعدد من القواعد والسياسات التي استمرت لسنوات في المنطقة، إلا أن أول ملامح التغيير بدأت في الظهور بعد تحرير الكويت، إلا أن فترة ما بعد احتلال العراق قد كانت الفترة التي شهدت وبوضوح تغير المنظور الأمني في المنطقة بشكل كامل. التحولات السياسية والأمنية في المنطقة وحول مستلزمات الأمن الإقليمي أوضحت الورقة أنه لكي يتحقق الأمن الإقليمي ويكون فاعلاً ومؤثراً لابد له من مُستلزمات عديدة، منها ما هو على صعيد الإقليم بحيث تكون الدول ذات خصائص قومية وجُغرافية واجتماعية ودينية مُتشابهة، أو على الصعيد السياسي بأن يكون هناك توافق في النظم السياسية، مما يوفر قدراً مطلوباً من الإرادة والتصميم على إنشاء المنظومة التي تهدف الى تحقيق الأمن الإقليمي، وغيرها من الصُعّد الأخرى الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، بالإضافة للصعيد الدولي حيث ينبغي أن يوجد توافق ومصالح مشتركة بين الأمن الإقليمي والأمن الدولي، فمنظومة الأمن الإقليمي باتت مقبولة حالياً في نظام الأمن الدولي، الذي يدعم قيام منظومات لتحقيق الأمن الإقليمي في مناطق مختلفة من العالم، وهذا يتم بالطبع من خلال المنظمة الدولية (الأممالمتحدة) ومؤسساتها المتخصصة. وحول التحولات السياسية والأمنية في المنطقة، بينت ورقة العمل أنه من خلال رصد التحولات والتطورات التي طرأت على الوضع الأمني في منطقة الخليج العربي، وكذلك التطورات الأمنية في كل من: العراق، اليمن، أفغانستان، وباكستان، إضافة إلى تَعثُر العملية السلمية لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، فإنه لا بد من الاعتراف بأن تغييرات جذرية اجتاحت العالم خلال العقدين الأخيرين، فقد انهارت قواعد قديمة وبرزت حالات جديدة. وأوضحت ورقة العمل أن التطورات التي مرت بها منطقة الخليج العربي، أدت إلى خلخلة موازين القوى في المنطقة، وهذا يُفسر تحسُّب دول مجلس التعاون الخليجي واستعدادها لمواجهة إمكانية تحول منطقة الخليج العربي إلى منطقة نووية، من خلال الدور الذي تسعى إيران للعبه في المنطقة مُستقبلاً، ومساعيها لامتلاك برنامج نووي غامض الطموحات والتوجهات. وأشارت ورقة العمل إلى انه، وبالنظر للنظام العربي اليوم، فإننا نرى بأنه لم يعد كما كان قبل عقدين من الزمن، فقد اجتاح (الربيع العربي) العديد من الدول العربية في ظاهرة تلفت الانتباه، مما يُشير إلى أهمية الإصلاحات وكيفية إدارتها، من حيث التوقيت والمراحل التي يجب أن تجتازها، وهو ما يُلقي بالمسؤولية على الشعوب والحكومات على حد سواء، حتى لا تتحول دعاوى الاصلاح الى فوضى تضر بالشعوب قبل أن تضُّر بالحكومات. خاصة وأن هذه التغييرات لم تتخذ شكلها النهائي بعد، ولم تستقر عند حالة واحدة. وخلال هذه الأحداث المُتسارعة يتخذ الأمن الوطني والإقليمي أهمية خاصة، في عالم تحول الى مشهد في شاشات التلفزيون، بينما تنسُج القوى المختلفة ما تراهُ مُناسباً في الخفاء، مُستفيدة من هذا الزٍحام السياسي. ولأننا جزء حيوي من خارطة العالم السياسية والاقتصادية والأمنية، فكان لا بد أن نتأثر بما جرى ويجري في العالم، وما ينعكس علينا جراء ذلك هو ما يهُمنا بالدرجة الأولى. مجلس التعاون والأمن الإقليمي وعن الأُسس التي يقوم عليها الأمن الإقليمي لأية منظومة أو ما يُسمى ب(السياسات الاستراتيجية)، قالت الورقة إنها تتمثل في: الالتزام وتوافق الأهداف، تشجيع التعاون والتكامل بين دول الإقليم في مختلف الأصعدة، توفير المناخ الملائم لتنمية العلاقات بينها في كافة المجالات، وذلك من خلال قيادة مؤهلة تُدير منظومة الأمن الإقليمي. وهذا قد ينطبق على مجلس التعاون الخليجي أكثر مما ينطبق على نُظم إقليمية قائمة بموازاته ك(الجامعة العربية)، (اتحاد المغرب العربي)، (الاتحاد الإفريقي) وغيرها من المنظمات في آسيا وإفريقيا، والتي قد يكون بعضها مؤثراً في علاقاته مع المنظومة الخليجية، مما يؤشر بوجود علاقة بين الأمن الإقليمي الخليجي وبين الأمن الإقليمي العربي، أو أمن اقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ذلك لأن العالم في العصر الحديث بات أكثر قرباً وتجاوزاً للتباعد الجغرافي. حيث يُعتبر مجلس التعاون الخليجي والذي تأسس في 25 مايو عام (1981)، الأكثر تماسكاً ورسوخاً ونشاطاً قياساً بتلك المنظومات الأمنية، فقد نجح إلى حد كبير في الحفاظ على كيانه الأمني الإقليمي، رغم عِظم التحديات والأحداث المؤثرة التي مرت بها منطقة الخليج العربي. أسباب قوة واستمرارية مجلس التعاون وعن أسباب قوة واستمرارية مجلس التعاون الخليجي، بينت ورقة العمل أن هناك العديد من العوامل التي ساعدت على قوة واستمرارية مجلس التعاون الخليجي، ويمكن تحديد أهم تلك العوامل في الآتي: أولاً: وجود قدر كاف من الالتزام والإرادة السياسية، لاستمرار منظومة الأمن الخليجي والتي واجهت عدة حروب في محيطها الإقليمي، والتي أحدثت تدخلاً دولياً، مما عزز دور مجلس التعاون على الصعيد الدولي، وجعل من دعم استمراريته (ضرورة) كأداة فاعلة للأمن الإقليمي. ثانياً: كون منطقة الخليج العربي منطقة استراتيجية سواء من ناحية المواصلات العالمية، أو لكونها من أهم مناطق الطاقة الاستراتيجية (النفط) في العالم، مما يجعل مصالحها مُرتبطة بالمصالح الحيوية للدول الكبرى، وبالتالي حظيت المنطقة بأهمية إقليمية ودولية. ثالثاً: سقوط (نظام صدام) وبروز إيران كقوة عسكرية ذات طموحات نووية، زاد من المخاطر على دول المنطقة، مما عزز من تماسكها لمواجهة التحديات المُتجدّدة أمام دول الخليج العربية، ولهذا تعاملت دول الخليج العربية بسياسة اعتدال واضحة وهادئة، لكبح الجموح الإيراني الذي يبحث عن مُبررات لاختراق الأمن الإقليمي الخليجي، مما ضاعف الحاجة للتمسك بمنظومة مجلس التعاون الخليجي وتعزيز فاعليتها وقدراتها. رابعاً: بروز الطائفية والتطرف الديني والتيارات الإرهابية، شكل تحديات إضافية لنظام الأمن الخليجي، مما جعل الحاجة مُلحة لتعاون المنظومة الأمنية الخليجية في مواجهة تيارات الإرهاب والتطرف، الأمر الذي أدى إلى تحقيق نجاحات واضحة في السعودية، وتفعيل دور قوات درع الجزيرة في أحداث البحرين، حيث حال ذلك دون تنامي تلك التيارات وتحجيمها ومنع تفاعلها الاجتماعي والسياسي. خامساً: التنسيق والتكامل على مستوى دول الإقليم في مجالات عديدة سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية، مكنها لحد ما من مواجهة تحديات المتغيرات السريعة التي حدثت على محيط المنظومة الخليجية، والتي سُميت إعلامياً (بالربيع العربي)، حيث تمكنت دول المنظومة الخليجية من الثبات فوق (الهزة)، التي اجتاحت المنطقة بسياسات هادئة لا تخلو من إصلاحات، وهو نجاح سيتبعه المزيد من الإصلاح. وحول الرؤية المستقبلية ختمت الورقة بالتأكيد على أن أمن دول الخليج العربي كل لا يتجزأ، ولقد حققت دول مجلس التعاون تنسيقاً مُميزاً في هذا المضمار، وهي تُدرك جيداً معنى الأمن الجماعي لهذا الإقليم الحيوي، كما أنها جعلت الآخرين من قوى إقليمية ودولية يُدركون أيضاً أهمية وحيوية ذلك، كما إننا نرى ضرورة كبرى لتعزيز وتعميق هذا التنسيق والتعاون من أجل خدمة السلام في المنطقة كلها، وتجنيب شعوبها مخاطر الانزلاق في علاقات سلبية وغير جيدة، قد يكون لها تبعات لا تُحمد عُقباها. من جهة أخرى تُشير التقارير وأهمها تقارير وكالة الطاقة النووية إلى قُرب امتلاك إيران للقدرة النووية العسكرية وما تبع ذلك من اعتراضات دولية، ونحن لا نستطيع أن نُراقب وأن نستلم التقارير فقط، بل إن علينا البحث عن استراتيجيات جديدة تضمن الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي، عبر آليات تضمن عدم التدخل في شؤون الغير، واحترام سيادة الدول، والامتناع عن التلويح بالقوة في العلاقات الدولية والإقليمية. إن سياسات التدخل والتهديد باستخدام القوة لا تخدم الأمن الإقليمي الخليجي، بل تؤدي إلى سباق التسلح وإلى عودة نظرية توازن الرعب مرة أخرى، ومن الضروري أن يشهد العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تأسيساً لقواعد دولية جديدة مُمكنة التطبيق من أجل ضمان أمن المنطقة السياسي والاقتصادي، والذي هو جزء حيوي من الأمن العالمي . وشددت الورقة على أن المنطقة لا تحتاج إلى حرب أخرى لا تخدم أحداً بل تجُر الويل والثبور على دولها كافة دون استثناء، فمن واجب كل دولة أن تعي ذلك وأن تسعى لأن تكون عامل استقرار في منطقة الخليج العربي، وليس عامل زعزعة وتهديد وتأزم، وعلى الأسرة الدولية أن تبذل جهدها في هذا الاتجاه. ودعت الورقة الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية إلى بحث ذلك، وإيجاد الصيغ الكفيلة بالحفاظ على أمن منطقة الخليج العربي، وإذا لم تقم بهذا الدور فإن كل دولة معنية بشؤون أمنها وهو أمر يتعلق بالسيادة.