نشرت صحيفة الحياة السعودية خلال أيام الماضية حوارا مطولا ومفصلا من عدة حلقات مع الرئد عبد السلام جلود الرجل الثاني على مستوى ليبيا إبان حكم الراحل معمر القذافي وقال جلود مع بداية الحلقة الأولى أن الرجل الذي قتل معمر القذافي ارتكب جريمتين صارختين. الأولى انتهاكه المعاهدات الدولية والأعراف بشأن التعامل مع الأسرى. والثانية انه اغتال رواية مذهلة كان يمكن ان تشكلها اعترافات القذافي امام المحكمة. رواية تكشف قصة مغامرات باهظة وتهورات قاتلة ارتُكبت في عدد من القارات. كنا صغاراً حين وقعت ليبيا في قبضة حفنة من العسكريين الشبان في «الفاتح من سبتمبر» 1969. وسمعنا منذ تلك الأيام ان اسم القائد معمر القذافي واسم «الرجل الثاني» الرائد عبدالسلام جلّود. وبهذه الصفة جال جلّود حول العالم والتقى شو إن لاي وليونيد بريجنيف وجمال عبدالناصر وصدام حسين وحافظ الأسد وآخرين. قبل عقد من «الثورة» كان الطالب عبدالسلام جلّود معتقلاً لمشاركته في تظاهرة. وذات يوم أدخلوا معتقلاً آخر اسمه معمر القذافي. وبسبب نقص البطانيات في السجن تشاركا في واحدة منها وتعارفا وبدأت رحلة طويلة. بعد السجن التقى الرجلان في غابة نخيل قرب سبها وولد التنظيم المدني الذي راهن على إسقاط النظام عبر التظاهرات والاحتجاجات. وفي 1963 عسكر القذافي حلم التغيير وكتب بخط يده طلب انتساب جلّود الى الكلية الحربية. لا أحد يعرف القذافي كما يعرفه جلود. عرفه طالباً متقد الحماسة القومية واستضافه مرات كثيرة في منزل والديه. وعرفه مهندساً للمؤامرة بالثياب العسكرية ثم شاركه وخبره في مقاعد السلطة. لكن العلاقة بين الرجلين تراجعت حين راح «القائد التاريخي» يدير البلاد على هواه ويتفرّد بالقرار ما عرّض جلّود ل «إقامة جبرية» طويلة. وحصل الطلاق الواضح حين انكفأ القذافي إلى قبيلته و «جوقة العبيد والمزمرين والمطبلين». وهكذا أيد جلّود الثورة وغادر في آب (أغسطس) الماضي ليبيا بمساعدة من الثوار. وساهمت مغادرته في تعزيز الانطباع أن نظام القذافي يندفع نحو نهايته. بحثتُ عن عبدالسلام جلّود لاعتقادي ان روايته يمكن ان تسلط الضوء على قصة الرجل الذي أدمى بلاده والعالم معاً. كانت معركة سرت محتدمة. أمضيتُ معه يومي الثلثاء والأربعاء 18 و19 من الشهر الجاري. غادرتُ روما الغارقة في المطر الخميس ولدى هبوط الطائرة في لندن تلقيتُ خبر مقتل القذافي. في اليوم التالي، اتصلتُ بجلّود أسأله تعليقه على مقتل رفيقه القديم. وخشيت في الواقع أن يصرف النظر عن النشر. لكنه فاجأني بعبارة قاطعة: «هذه نهاية كل طاغية وعلى باقي المستبدين أن يتعلموا». نشرتُ هذا الكلام السبت الماضي وأرجأتُ نشر الحلقات إلى اليوم بسبب تدافع الأحداث. وهنا نص الحلقة الأولى: هل صحيح أنك ذهبت في بداية السبعينات إلى الصين بهدف شراء قنبلة نووية؟ - اعتقد أن محمد حسنين هيكل هو من كتب هذه القصة وهي غير صحيحة. ذهبت إلى الصين مقترحاً أن يكون هناك تعاون يمكننا من إنتاج سلاح نووي. الحقيقة أننا كنا شباناً وتحركنا الحماسة وغضبنا من امتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً.