اتحاد الصم يشكل منتخباً نسائياً    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    رياض العالم وعالم الرياض    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    التصعيد الروسي - الغربي.. لعبة خطرة ونتائج غير محسوبة    سمو ولي العهد: سنواصل تنويع وتوسيع اقتصاد المملكة وتعزيز مكانتها الرفيعة    الرياض الجميلة الصديقة    صافرة الكوري «تخفي» الهلال    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    الفيصلي يحتاج وقفة من أبناء حرمة    القوة الناعمة.. نجوم وأحداث !    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    الجموم بمكة المكرمة تسجّل أعلى كمية لهطول الأمطار ب (22.8) ملم    المملكة وتعزيز أمنها البحري    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    «إثراء» يُعيد وهج الحِرف اليدوية بمشاركات دولية    مبدعون.. مبتكرون    هؤلاء هم المرجفون    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    اكتمل العقد    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبر سرد مذكراته : المسماري يكشف فضائح القذافي وجرائمه الجنسية بحق سيدات مشهورات..!!
نشر في عاجل يوم 21 - 07 - 2012

لو قرأتُ هذا الكلام في رواية لما صدّقته ولاتهمتُ الكاتب بالمبالغة وجموح الخيال. لكن المتحدث هنا يروي ما شاهد وما سمع. وهو كان حاضراً قرب الخيمة وفيها وقرب باب العزيزية وفيه. وكان ايضاً في طائرة معمر القذافي ولقاءاته وأسفاره وعلى مقربة من فمه وأذنه. وفي مؤتمرات القمة كان يجلس خلف القائد، جاهزاً لتلقي التعليمات ومستنفراً لحل الإشكالات وهي كثيرة... وفظيعة.
من 1997 حتى 2010 عمل نوري المسماري أميناً لجهاز المراسم العامة برتبة وزير دولة، وكان عمل بين 1977 و1982 مديراً عاماً للمراسم. وفي الفترة الفاصلة بين التجربتين عمل في التجارة.
ترك المسماري سفينة النظام في 2010 وكان أول من جاهر بانشقاقه لدى اندلاع الثورة في السنة التالية. رصد القذافي 50 مليون دولار لإعادته، وجهّز له حوضاً من ماء النار لكنه نجا.
تكشف رواية المسماري علاقة عبدالله السنوسي عديل القذافي بجريمة إخفاء الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان أواخر آب (أغسطس) 1978، أو على الأقل مشاركته في إخفاء الجريمة، كما تشير الى متورطين محتملين. وتتضاعف قيمة الرواية لأن موريتانيا وعدت بتسليم السنوسي الى السلطات الليبية على رغم مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسلمه لمحاكمته.
تكشف الرواية أيضاً أسلوب القذافي الغريب في التعامل مع الدول وزعمائها، وتقدم صورة عن رجل سادي لا يتردد في اغتصاب الزائرات والتحرش بزوجات رؤساء وبوزيرات. ويتحدث المسماري عن حالتين صارختين تعرضت فيهما زائرتان لاغتصاب وحشي. ولأسباب قانونية أو إنسانية ستكتفي «الحياة» بنشر الأحرف الأولى أو إغفال الأسماء في محطات شخصية أو أمنية.
بعد روايات عبدالسلام جلود وعبدالمنعم الهوني وعبدالرحمن شلقم وعلي عبدالسلام التريكي، تفتح «الحياة» دفاتر ذاكرة نوري المسماري. وهنا نص الحلقة الأولى:
بأي كلمة تفتتح هذا اللقاء؟
- أترحم على شهداء الثورة الليبية الذين حملوا ارواحهم على اكفهم من اجل حرية الشعب الليبي وتخليصه من الطاغية. كما اشكر افراد اسرتي الذين تحملوا العذاب والسجن من احفاد الى ابناء الى زوجتي الى كل من له علاقة بي، وكل من لاقى ويلات العذاب من الطاغية بسبب انشقاقي عنه. وأتقدم بجزيل الشكر والعرفان الى الملك عبدالله الثاني وشعب الأردن وحكومته لما قدموه الى الشعب الليبي من مساعدات واعتراف بالمجلس الانتقالي، من دون اي اجندات خفية.
هل رأيت الإمام موسى الصدر يدخل مقر القذافي أواخر آب (اغسطس) 1978؟
- كلا، كنت حينها مدير المراسم بالوكالة وكانت إدارة تابعة للخارجية وليست جهازاً مستقلاً. كان مديرها أحمد أبو شاقور في مهمة خارج البلاد وحللتُ مكانه بالوكالة بصفتي رئيس التشريفات، وكانت حركتي محدودة في الرئاسة.
حدث شيء لم أقدّر في حينه أهميته. اتصل بي عبدالله السنوسي وكان يومها ضابطاً صغيراً في إدارة الاستخبارات الحربية، ومكتبها في شارع الشط وتعمل برئاسة النقيب عبدالله الحجازي. طبعاً، هذه رتبته آنذاك، وهو ممن كان معمر القذافي يسميهم «الضباط الأحرار». سألني السنوسي هل من الضروري ان تختم السلطات الإيطالية جواز سفر من يريد الدخول الى اراضيها؟ أجبت طبعاً لا بد من ختمه فهذه هي القواعد المعمول بها في أي دولة. أنهى المكالمة.
كلّمني السنوسي لاحقاً وقال لي: سأرسل لك جوازات سفر والمطلوب تأمين تأشيرات لأصحابها الى إيطاليا.
أعتقد أن الجوازات كانت ثلاثة، نتكلم عن واقعة حصلت قبل أكثر من ثلاثة عقود. أتاني جندي أرسله السنّوسي وأعطاني الجوازات. لم يكن لديّ ما يدفع الى الشكوك، لكنني فتحتُ الجوازات ووجدتُ في واحدٍ منها أنه للإمام موسى الصدر، رحمه الله. لم تعلَق الأسماء الأخرى بذاكرتي لكنني أتذكر اسم الإمام لأنه شخصية معروفة. اتصلتُ بالسفير الإيطالي وقلتُ اننا نريد تأشيرات لضيوف عندنا فأبدى ترحيبه. أرسلتُ الجوازات ولكن سرعان ما اتصل بي السنوسي مجدداً يسأل هل انتهت. قلتُ له إن الأمر يحتاج بعض الوقت وسأرسلها إليك فور إعادتها إليّ. أعاد لي السفير الإيطالي الجوازات مع التأشيرات فأرسلتها إلى عبدالله السنوسي. لاحقاً سمعتُ عن اختفاء الإمام الصدر فبقيت الواقعة في ذاكرتي، خصوصاً ان السنّوسي هو مَن أرسل الجوازات.
الصدر لم يدخل إيطاليا ولا علاقة لها بمصيره لا من قريب ولا من بعيد. المعروف ان شخصية مثل الصدر يمكن ان تحظى باستقبال خاص، بمعنى أن تُستقبل رسمياً في صالون في المطار ويتولى موظف إحضار الجوازات بعد ختمها، لكن الأكيد ان الصدر لم يتوجه إلى إيطاليا بل توجّه من ادعى انه الإمام موسى الصدر. ولا يزال عالقاً بذاكرتي أن ضابطاً في الاستخبارات اسمه موسى من منطقة صبراتة، ولا أتذكر عائلته، كانت له علاقة بعبدالله السنوسي، وكذلك بالشخص الذي ألبسوه ثياب الصدر وأرسلوه بسبب طول قامته وتشابه الملامح.
إذاً، أرسلوا ضابطاً في المهمة؟
- نعم، ضابط في الأمن الداخلي برتبة عقيد. كان الرجل قبل انقلاب القذافي في 1969 مدير مكتب وزير الداخلية أحمد عنسف في العهد الملكي. وقد حُوِّل بعد تولي القذافي الى ما يُسمى المباحث العامة التي تغيّرت وأصبحت جهازاً بمفردها هو الأمن الداخلي وكان الرجل عقيداً.
لماذا وقع الخيار على هذا الضابط؟
- لأنه طويل القامة وملامحه مشابهة. وهكذا دخل والأرجح ان الموظف الإيطالي الذي يختم الجوازات لا يرى عادة صاحب الجواز إذا كان استُقبل في صالون للضيوف، والأرجح ان يتولى ديبلوماسي من السفارة الليبية نقل الجواز من الموظف الى صاحبه. هنا حصل شيء لافت، لقد تُرِكَت الجوازات ومعها سجادة صلاة الإمام في الفندق. تُركت عمداً، فما الحكمة أساساً من ترك الجوازات إذا كانت حصلت عملية خطف بقصد الاغتيال؟ الحقيقة انها تُركت للقول إن الصدر غادر ليبيا ودخل إيطاليا واختفى هناك.
أكرر القول وللأمانة ان الإيطاليين أبرياء من هذا الموضوع ولا علاقة لهم بإخفاء الصدر. كل ما في الأمر انهم تعرّضوا لخديعة، إذ دخل ثلاثة أشخاص بجوازات سفر ثلاثة آخرين ثم عاد من دخلوا بجوازات ديبلوماسية ليبية. الضابط الذي شارك في العملية كان يحرص دائماً على أن يُسافر بجواز سفر خاص، خوفاً من أن يتعرض لشيء.
ما اسم هذا الضابط؟
- أعتقد ان اسمه م.أ.
ماذا كانت رتبة عبدالله السنّوسي؟
- لا أذكر بالضبط، ملازم أول أو ملازم ثانٍ.
هل تعتقد بأن الصدر قُتل فوراً؟
- لا أملك معلومة أكيدة من شخص كان حاضراً. تردد أنه قُتل، أي تعرّض لعملية تصفية.
ما هي الرواية التي شاعت؟
- أعتقد بأن لرجلين علاقة بالقتل، هما العقيد ف.أ.غ. والآخر ت.خ. الذي كان اخيراً رئيساً للأمن الداخلي وكان وقت الحادثة ضابطاً في الجيش. هذان لهما علاقة ويعرفون ما حصل وطبعاً عبدالله السنوسي بينهم.
تعتقد إذاً بأن للسنوسي علاقة بما جرى؟
- نعم لعبدالله السنوسي علاقة وإلا لماذا أرسل يطلب التأشيرات ويستعجلها.
هل تعرف أين دُفنوا؟
- كلا، لا أعرف. لقد فرم القذافي كثيرين وضاعت آثارهم.
مثل مَن؟
- لائحة طويلة. أنا شخصياً أُبلِغتُ انه كان يُجهِّز لي حوضاً من ماء النار ليغرقني فيه فور عودتي.
من أبلغك؟
- ابلغني علي ابو جازية وهو كان من المقربين جداً. كانت له علاقة باللجان الثورية وكان وزيراً للإعلام، وخلال الأحداث كان مقرباً جداً من القذافي، وانشق لاحقاً.
ماذا قال لك؟
- قال لي: كُتبَ لك عمر جديد. أنا أخفيتُ عنك شيئاً كي لا أزعجك والآن بعدما انتهى الرجل سأقوله لك. كان القذافي يجهز لك حوضاً من ماء النار لاستقبالك فيه فور عودتك، وكما يقال الحجة على الراوي. التقيت موسى كوسا في الدوحة وتكلمنا. قال لي انت مرحب بك في الدوحة، وبدا كمن ينقل عرضاً رسمياً لاستضافتي. أجبتُ انني موجود في الأردن بضيافة جلالة الملك عبدالله الثاني ولن أتحرك وشكراً لك. عندها قال لي: يا نوري انتبه لأن القذافي كان مستعداً لدفع 50 مليون دولار ليأتوا بك حياً. هذا قاله لي موسى كوسا وعلي ابو جازية، وليس غريباً على أسلوب القذافي.
لماذا توليت تسليم عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة الفحيمة المتهمين يومها بتفجير طائرة «لوكربي»؟
- حصلت موافقة ليبية على تسليمهما. شُكلت لجنة برئاسة عمر المنتصر وكان وزير الخارجية آنذاك، وموسى كوسا بصفته جهة أمنية وأنا بصفتي من الناحية المراسمية. وصلت طائرة عليها شعار الأمم المتحدة ونزل منها جنود مسلحون وكلاب بوليسية. قلت لهم هذا مرفوض، هذه أرض ليبية ولها سيادة، انا لا دخل لي بالقذافي ولكن هذه بلدي كونكم تنزلون بسلاحكم على المطار وبكلابكم البوليسية، فهذا ليس من الأمم المتحدة. انتم جيش، واتضح لي انهم قوات مسلحة من ايطاليا فرفضت، لا المقرحي ولا الفحيمة سيسلم اليكم قبل ان تصعدوا الى الطائرة. تدخّل عمر المنتصر وقال لي يا نوري سلمهم، فقلت له هذا غير مقبول على الاطلاق. سألتُ مندوب الامم المتحدة هؤلاء ماشيين طوعاً ام مقبوض عليهم؟ وجهت السؤال الى فحيمة والمقرحي فقالا نحن نذهب طوعاً. قلت يمكن اذاً ان نصعدهما الى طائرة مدنية لغاية وصولهما الى مطار نيويورك او لاهاي او امستردام. قلت اعتبروا هذه الطائرة مدنية ونحن الذين طلبنا طائرة الأمم المتحدة كضمان لهما وإلا يمكن ان يسافرا على متن طائرة مدنية بتذاكر سفر عادية وحين يصلان الى مطار امستردام يسلمان نفسيهما، ولماذا هذه الأغلال لشخص بادر الى تسليم نفسه، أنا أعترض، على الأرض الليبية من دون أغلال ومن دون حرس، في الطائرة افعلوا ما تشاؤون. فاتفقنا على هذا وطلبوا أن يفتشوهما فلم يكن لديّ مانع وفتشوا الحقائب وصعد المقرحي والفحيمة الى الطائرة.
هل كان صعباً على القذافي تسليم الفحيمة والمقرحي؟
- قضية لوكربي شائكة ومعقدة، يخالطها شيء من الغموض. في موعد حدوثها كنت خارج الدولة. ليست لديّ رواية قاطعة وما اذا كانت العملية من صنع طرف واحد ام اكثر. تعرضت ليبيا بسبب حادث التفجير لضغوط هائلة.
هل تعتقد بأن القذافي ارتكب «لوكربي» رداً على الغارات الأميركية على ليبيا في 1986؟
- هناك غموض في منطقة ما، لا اريد ان أدّعي انني اعرف ملابسات هذا الموضوع.
لا أتخيل انك ستقول الشيء ذاته عن تفجير طائرة «يوتا» الفرنسية فوق النيجر، والتي صدرت فيها أحكام ضد مجموعة بين افرادها عبدالله السنوسي.
- هذه مختلفة، لسعيد راشد وعبدالله السنوسي علاقة بها وهذا لا يختلف عليه اثنان.
سعيد راشد الذي قُتل اثناء الثورة؟
- نعم، قتل هو وابنه في باب العزيزية برصاص جماعة خميس نجل القذافي.
لماذا فجّروا هذه الطائرة وهل صحيح انهم اعتقدوا بأن المعارض محمد المقريف بين ركابها؟
- لها علاقة بذلك، ولها علاقة بالحرب في تشاد. اعتقدوا بأن الطائرة تقل شخصيات تشادية بينها حسين حبري.
قمتَ لاحقاً بتسليم الممرضات البلغاريات اللواتي اتُّهِمن مع طبيب من اصل فلسطيني بحقن اطفال بالايدز...
- حين أتت سيسيليا ساركوزي (الزوجة السابقة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي) كنت ضمن فريق المحادثات مع سيسيليا والوفد المرافق لها. أتت كوساطة لإطلاق الممرضات، وأصبحت هناك مفاوضات بين سيسيليا والبغدادي المحمودي وطرف ليبي آخر. دخلنا في نقاش لا نهاية له، وكنا نستمر فيه حتى الثانية أو الثالثة فجراً. كانت سيسيليا حادة واصطدمتُ بها مرات، وفي النهاية جهّزنا أنفسنا في المطار وحضر مدير الإدارة القانونية ومدير الإدارة الأوروبية في وزارة الخارجية الليبية، وكانت طائرة الرئاسة موجودة وسيسيليا ساركوزي تريد تسلُّمهنّ، فما المبرر كي تتولى زوجة رئيس دولة استقبال سجناء أُفرج عنهم. حاول مسؤول فرنسي تهدئتي فرفضت. أثناء ذلك كان البغدادي ووزير الداخلية الليبي يشاركان في نقاش على أساس تسليم الممرضات وطلبا 450 مليون دولار فحصل تعهد من دولة قطر، أعتقد من طريق السيد حمد بن جاسم (بن جبر آل ثاني) رئيس الوزراء وزير الخارجية.
هل دفعت قطر؟
- أعتقد انها دفعت ولعبت دوراً في الدفع نيابة عن فرنسا. قلت لسيسيليا لا يمكن ان تستقبليهن تحت الطائرة، تماماً مثلما حصل مع الأمم المتحدة. أتى بهن ضابط من الأمن المركزي وطلب دخولهن فقلت لهن لا يمكن فكلّمني البغدادي وقال لي يا أخي أدخلهن فقلت له لا يمكن، كنتُ أريد كسب الوقت لأنه يمكن البني آدم الذي اسمه القذافي ان يغيِّر رأيه. فأتى سفير البرتغال الذي كانت بلاده ترأس الاتحاد الأوروبي وكانت مسؤولة الأمن في الاتحاد ومندوبة الاتحاد وسفير بلغاريا وسفير فلسطين الذي كان (موجوداً) بخصوص الطبيب الفلسطيني. قلت نحن سنسلم للاتحاد الأوروبي وهذا مسجل بالتلفزيون. وجّهتُ كلامي لسفير البرتغال وقلت له هل لديك علم بهذا الشيء، فقال: لديّ علم بذلك وأشهد بذلك. قلت للوزير البلغاري: ضمن الممرضات هناك طبيب فلسطيني لديه الجنسية البلغارية يطالب بالمغادرة معهن الى بلغاريا، فقال نعم، واتجهت الى الفلسطيني فوافق. بعد ذلك انقلب القذافي واتخذ اجراءات بينها حسم راتب شهر للبغدادي المحمودي وشهر سجن وقطع راتب لرجب المسماري وزير الداخلية الذي أُبعِد لاحقاً عن الوزارة.
لماذا؟
- هذه ألاعيب القذافي. احتجَّ وقال أنا لم أقل هذا وأنتم تسرعتم.
وأنت هل اتخذ في حقك إجراء ما؟
- لا.
كيف كانت علاقة القذافي بساركوزي؟
- جيدة.
هل صحيح انه دعم حملته الانتخابية؟
- للأمانة لم اشاهد ذلك، لكنني سمعت هذا الحديث.
ما المشكلات التي كنت تواجهها كمدير للمراسم مع زعيم بمزاجية القذافي؟
- كان يعطي مواعيد ومقابلات على مزاجه، وحين ينهض من النوم كان يقول هاتوا لي الرئيس الفلاني.
كان يتصرف وكأنه رئيس الرؤساء وأن من حقه استدعاءهم ساعة يشاء، وأن من واجبهم ان يلبوا. كنا نواجه صعوبات وإشكالات لا حد لها ونحاول معالجتها والتغلب عليها. استفزت الطريقة رئيساً افريقياً فقال لي: انا ايضاً رئيس دولة مثل رئيس دولتك.
كان القذافي يحب احتقار الرؤساء وإذلالهم. تصوّر أنه كان يقول لي هات العبد وقصده رئيس الدولة الأفريقية الذي يستعد لمقابلته. وحين يغادر الرئيس، يقول (القذافي) ذهب العبد اعطوه شيئاً.
هل كان يحتقر الأفارقة؟
- نعم كان يحتقرهم. حتى الذين كان يطرب في داخله لمجاملاتهم او تزلفهم كان يصفهم بالأغبياء. كان يعبّر عن اسلوبه الاستعلائي باختيار موقع الزائر وتمييز موقعه الشخصي وكرسيه وطريقة جلوسه. عقدة التميز عن الآخرين لازمته في استقبالاته وحتى في أسفاره، وكان عليَّ ان أتوقع دائماً هذا النوع من الإشكالات. أقنع نفسه بأنه ليس رئيس دولة اي أنه أكبر من رئيس دولة، ويجب التعامل معه على هذا الأساس. كان يقول أنا لستُ رئيس دولة وأريد ان اجلس على كرسي لوحدي. أتذكر في قمة في قطر، كان يريد الجلوس في زاوية لوحده وليس بين الرؤساء. طبعاً هذا الطلب مستحيل. القطريون لم يقبلوا.
كان يطلب ان يأتي إليه رئيس ما وحين كنا ندعو المعني ولا يستطيع بسبب انشغاله بشيء ما، كان القذافي يتهمنا بأننا لم نوصل الدعوة. وكان يقول لماذا لم يأتِ، أنا معمر القذافي. لا يستطيع أن يصدق انه عرض على رئيس ان يستقبله ولم يسارع الأخير الى إلغاء كل مواعيده لاغتنام الفرصة. وبسبب غروره، وربما لتفادي الإحراج امام المحيطين به كان يتهمنا بعدم ايصال الدعوة.
هل تذكر حادثة معينة؟
- حوادث كثيرة من هذا النوع. مرة مع رئيس مدغشقر عام 1980 كان هناك مؤتمر القمة الافريقي، وكان من المفترض ان يأتي رئيس سييراليون ليكتمل النصاب لكنه لم يفعل. تكلم مع رئيس مدغشقر على أساس أن يقف معنا وأنا كلّمته وحين لم يتحقق ذلك حمّلنا مسؤولية التقصير، فقلت له كلمناه فقال: لا، لا، انتم لم تكلّموه. مثلاً في مؤتمر القمة الافريقي كانت الدولة المضيفة تقيم عشاء رسمياً وفي الوقت ذاته كان القذافي يتعمد إقامة عشاء رسمي في الموعد ذاته، فكنا نضطر ان نطبع بطاقات ونبلّغهم وحين لا يأتي إلا عدد قليل كان يقول أنتم لم تبلغوهم. الحقيقة ان الذين كانوا يلبون دعوته سواء ثلاثة أو اربعة، إنما كانوا يفعلون بسبب حاجتهم الماسة الى مساعداته.
هذا في القمم الافريقية لا العربية...
- لم يجرؤ (القذافي) على فعل ذلك في القمم العربية. وصلنا الى مرحلة كنا نطبع فيها بطاقتين، واحدة يتسلمها مدير مراسم الرئيس وبطاقة نختم بها ختم السفارة، وعلى رغم هذا لم يقتنع بأن الرؤساء الأفارقة يرفضون المجيء... الإحراجات كانت كثيرة.
هل كانت قصة الخيمة تثير لكم مشاكل، وأين؟
- كثيراً، مثلاً في باريس كان يريد خيمة في حديقة الإليزيه وكان هناك فندق تابع للإليزيه خاص بالرؤساء والملوك، فأقمنا الخيمة في حديقته وهي كانت للاستخدام مرة واحدة للصورة وللمقابلة الصحافية.
أين أثارت الخيمة ايضاً مشاكل؟
- في موسكو. وكان القذافي مصرّاً الى درجة خفنا معها ان تتسبب الخيمة في إفشال الزيارة برمّتها. واجهنا مشكلة جدية وحصل جدل وتسرب الحديث عن إشكال. كان فلاديمير بوتين رئيساً للوزراء وعرف بالأمر، فذهبتُ إليه طالباً مساعدته. وقال لي هذه موسكو وهناك حماية البيئة فقلت له لن نأتي بجمل او ناقة، هي كناية عن خيمة فقط. في النهاية جاءت الموافقة ونُصِبت الخيمة في حديقة الكرملين.
وفي نيويورك لم يكن هناك سكن، وكان القذافي لا يريد درجاً او مصعداً. كان يريد أرضي، الدرج نتيجة صحته والمصعد كانت لديه فوبيا منه والأنفاق كذلك، وكان يخاف السفر الطويل، فتحتّم ان نمر بمطارات عدة. ذهبنا الى نيويورك وكان هناك رفض شديد وبحزم، فأتى ابنه معتصم متباهياً امام والده، استأجر فيللا خارج نيويورك ونصب فيها خيمة. طبعاً أتى البلاغ وانقلبت الدنيا وكانت الشرطة تريد القبض عليهم، ومن هليكوبتر صوّروا الخيمة المنصوبة.
هل كنت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حين ألقى الخطاب؟
- هذه مشكلة كذلك، حتى مراسمية. هناك مقصورة خلف المنصة يجلس فيها الرئيس الذي يلي المتحدث الاول. المتحدث الذي قبلنا كان اوباما، فرفض القذافي أن يجلس في المقصورة ليوحي بأنه ينتظره. وهذه ليس لها معنى. الرئيس الذي يخرج يهنئه على كلمته والثاني يقول له اتمنى لك التوفيق بكلمتك، فهذه ناحية بروتوكولية، انزعج منها القذافي وقال انا من مقعدي الى المنصة. وآنذاك كان رئيس الجمعية العمومية الدكتور علي التريكي، وجرَّب ان يشتكي لي فقلت له انت تعرفه اكثر مني، وقال لي مدير مراسم الأمم المتحدة: أنت اقدم واحد فينا وتفهم في أي مراسم في العالم.
ألم يره أوباما، ولا تصافح معه؟
- في إيطاليا نعم، أما في نيويورك فلا. انتظر القذافي نهاية كلمة أوباما امام الجمعية العامة ثم صعد من مقعده وجلس في مقعد الانتظار، وأصر على أن اصعد معه على البوديوم.
ما كان شعورك وهو يلقي الخطاب؟
- في بدايته جيد ولكن حين أراد تمزيق الميثاق ولم يستطع لأنه كان سميكاً رماه ففضحنا، وكان شيئاً مخجلاً، 95 دقيقة، ساعة ونصف (الخطاب) وهو قصد ان يكون حديثه اطول من حديث أوباما.
الجزء الثاني :
للمرة الأولى منذ إخفاء الإمام موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، ورفيقيه، خلال زيارة لليبيا أواخر آب (اغسطس) 1978، يظهر خيط يربط عبدالله السنوسي عديل معمر القذافي ورئيس الاستخبارات العسكرية بهذه الجريمة، أو على الأقل بمحاولة إخفائها.
هذا ما كشفه ل «الحياة» نوري المسماري أمين جهاز المراسم العامة لدى القذافي، في حوار يُنشر على حلقات بدءاً من اليوم. (اضغط لقراءة الحلقة الأولى كاملة)
وقال المسماري إن السنوسي اتصل به في تلك الفترة سائلاً ما اذا كانت السلطات الإيطالية تختم بالضرورة جواز سفر من يدخل أراضيها. ثم عاود الاتصال طالباً تأشيرات الى إيطاليا لثلاثة من الضيوف، وحين فتح المسماري واحداً من الجوازات الثلاثة وجد أنه للإمام الصدر. وأضاف المسماري أن السنوسي كان ملحاً، وأنه أرسل إليه الجوازات مع التأشيرات التي طلبها من السفير الإيطالي في طرابلس.
وأكد المسماري أن الصدر لم يغادر الى روما، وأن ضابطاً ليبياً برتبة عقيد ارتدى ثياب الإمام وسافر بجوازه، ثم تعمّد ترك الجواز وسجادة الصلاة في فندق في روما. وأورد المسماري اسم العقيد وكذلك اسمَيْ ضابطين يعتقد بأن لهما علاقة بتصفية الإمام ورفيقيه.
وترتدي رواية المسماري أهمية استثنائية لأن موريتانيا وعدت ليبيا بتسليمها السنوسي، على رغم مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسلمه لمحاكمته.
ولا مبالغة في وصف المسماري بأنه منجم أسرار، فقد كان موجوداً قرب الخيمة وفيها وقرب باب العزيزية وفيه، وفي طائرة العقيد وأسفاره ومؤتمرات القمة ايضاً.
كشف المسماري أن ضابطاً في الاستخبارات الليبية أبلغه في 1990 وقبل الغزو العراقي للكويت، بوجود خطة لجهاز ليبي هدفها اغتيال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأن خيطاً يربط الاستخبارات العراقية بهذه الخطة. وقال إنه توجه الى جنيف ومنها الى ابو ظبي وأطلع الشيخ حمدان بن زايد على هذه المعلومات، فأوفد الأخير مبعوثاً الى جنيف التقى الضابط وحصل منه على معلومات إضافية.
وروى أمين المراسم ان القذافي كان يستمتع بإذلال الرؤساء ويتعمّد التأخّر عن المواعيد، ويورد أعذاراً كاذبة، وأنه تعمّد وضع حذائه قبالة طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني، أمام الكاميرات. وأشار الى أن كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة شعر بالرعب حين اقتادوه الى الصحراء لمقابلة القذافي الذي أمر بإطفاء الأنوار في المخيم باستثناء خيمته.
وقال المسماري إن القذافي سادي ومنحرف. وتحدّث عن عمليتي اغتصاب استهدفتا زائرة نيجيرية، وأخرى إيرانية زوجة رجل أعمال سويسري، وروى أنه شاهد السيدتين في «حالة يرثى لها»، وأن أخبار الاغتصابات كانت تعالج بتقديم تعويضات.
وذكر ان القذافي حاول التحرّش بشقيقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، فاستاءت. ولجأ المقربون من العقيد الى محاولة لاسترضائها وأرسلوا لها عقداً من الماس فرفضته. وقال ان مبروكة الشريف المرأة الأقرب الى القذافي والأوسع نفوذاً في عهده هي التي أخبرته، مشيراً الى ان مبروكة كانت صاحبة نفوذ غير عادي في الإليزيه. وكشف أن رئيس الغابون عمر بونغو أسمَعَ مبعوثاً ليبياً زائراً شريطاً يُظهر القذافي وهو يتحرش هاتفياً بزوجته.
وقال المسماري إن جريمة اغتيال استهدفت ضابطاً ليبياً خلال رحلة صيد قام بها القذافي في رومانيا، وأن الضابط واحد من ثلاثة اغتيلوا لاعتقادهم بوجود وثائق تثبت أن أم القذافي يهودية. وأضاف ان القذافي اصطاد خلال الرحلة غزالاً وغسل يديه بدمه متحدثاً عن فوائد الدم الساخن.
-----
الحاكم إنسان. يصيب ويخطئ. يُسامح ويَحقد. يبالغ ويرتكب. يخطئ في السياسة ويخطئ في السلوك الشخصي. يناور ويكذب. عاقب الأميركيون رئيسهم ريتشارد نيكسون على فضيحة «ووترغيت». اعتبروا انه انتهك القانون وكذب على مواطنيه وأخلّ بثقتهم. قبلها تسلّى الأميركيون بقراءة مغامرات الرئيس جون كينيدي وحديث المتسللات الى البيت الأبيض من باب سري، خلال غياب السيدة الأولى. انتسب الرئيس بيل كلينتون لاحقاً الى نادي مثيري الفضائح وحفظ العالم اسم صبية عادية أو أقل اسمها مونيكا لوينسكي. الرؤساء الفرنسيون لم يكونوا كلهم من قماشة شارل ديغول المهجوس بصناعة التاريخ ثم كتابته. تسلّى الفرنسيون بأخبار الرئيس فاليري جيسكار ديستان وقصة اصطدامه بسيارة بائع الحليب لدى عودته فجراً الى الإليزيه من زيارة ليلية غامضة. جاك شيراك لم تعوزه الجاذبية ولا الإشاعات. وفرنسوا ميتران كان جذاباً يجيد نصب الفخاخ، ومشت في جنازته زوجته وابنته من صديقته. هذه قصص حب وخيانات لم تغب عن سير قادة كثيرين بينهم ماوتسي تونغ الذي توهّم أنصاره ان وقته لا يتسع للمراهقات والمغامرات. لكن تلك القصص لم يخالطها العنف والقسر والسلوك السادي الفاحش.
القائد الليبي كان من قماشة أخرى. كان عنيفاً ومريضاً. هذا ما يُظهره حديث نوري المسماري أمين جهاز المراسم عن سلوك معمر القذافي. كانت المناسبات تُفتعل وتُلتقط صور الحاضرات. ثم يتم الاختيار وتُوكَل الى محترفات مهمة استدراج من وقع عليهنّ الخيار. لا ينقل المسماري عن آخرين. ينقل ما شاهد وهو فظيع.
قصة أخرى كان يستحيل تصديقها لو لم يكن المسماري شاهداً عليها. إنها قصة إقحام القذافي يديه في صدر الغزال الذي اصطاده في رومانيا، وحديثه عن فوائد الدم الساخن. لم أعتد تسجيل هذه الجوانب في سلسلة «يتذكر»، لكنني رأيتُ أن نشرها يعطي فكرة واضحة عن شخصية رجل أدمى بلاده والعالم، منتهكاً كل القواعد والأعراف. وهنا نص الحلقة الثالثة من شهادة كاتم أسرار العقيد:
من هم الرؤساء الذين كانت للقذافي علاقة جيدة معهم؟
- كانت علاقته بأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني جيدة آنذاك. الأمير كان الوسيط في إعادة العلاقات بين القذافي والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز. حصلت هذه الوساطة في بيت الشيخ حمد في الدوحة، خلال عقد القمة العربية هناك وكنت موجوداً.
هل قال السنوسي للملك عبدالله في اللقاء: «أنا خططت لاغتيالك ولكن من دون علم القائد؟».
- نعم، وفي الحقيقة كان اللقاء جيداً وفق ما شاهدت.
هل كنت موجوداً في شرم الشيخ؟
- طبعاً.
ما الذي حصل هناك؟
_ القذافي ليس شخصاً سهلاً. فهو يتكلم أحياناً عن أمر بينما يقصد أمراً آخر. وكلامه يمكن أن يكون له تفسيران. منذ زمن كان القذافي يشتم اهل الخليج وبعبارات بالغة القسوة. في مؤتمر القمة كان يتحدث عن العراق، وقال: «انتم فرضتم على الأميركيين أن يأتوا الى الكويت. صدام اجتاح الكويت، والكويتيون «كويسين» وبأموالهم اشتروا الاميركيين وأحضروهم ليدافعوا عنهم - كلامه هذا كان فيه نوع من الشتيمة - ووضعتمونا امام الأمر الواقع، مثلما حصل في خليج الخنازير»، يقصد خليج الخنازير عندما اتى الأميركيون أيام كينيدي الى كوبا من أجل الصواريخ السوفياتية. وهنا حصل الإشكال بينه وبين الملك عبدالله الذي حمل على القذافي. أنا كنت أجلس وراءه كما افعل دائماً. حاولت ان اتحدث الى عبدالسلام التريكي الذي كان وزيراً للخارجية وخرج ورُفِعت الجلسة. حاول الرئيس علي عبدالله صالح تهدئة القذافي وطلب منه الدخول الى القاعة للتفاهم، فدفع القذافي علي صالح وكاد أن يطرحه أرضاً. حصل الإشكال لكنهم أصروا على دخول القذافي الى القاعة، فدخل إلى صالون الاستقبال وحاولوا تهدئة الموقف لكن العداء كان قد وقع. حاول القذافي إيجاد تبريرات وأنه كان يقصد خليج كوبا. قال إن اللوم كان يجب أن يقع عليه من جانب العراقيين لا من غيرهم. في ذلك اليوم كان جالساً على يساره أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح، وكان آنذاك وزيراً للخارجية. التفت اليه القذافي لكن صباح الأحمد أخذها بهدوء.
حصل الحادث وقرر القذافي التآمر لاغتيال الملك عبدالله؟
- لم أكن جزءاً من الدائرة الأمنية لأقول إنني شاهدت او سمعت.
لكن متورطين اعتُقلوا في السعودية.
- طبعاً هناك أشخاص اعتُقلوا، أحدهم من مكتب سيف الإسلام القذافي وآخر من مكتب الساعدي القذافي.
في رأيك هل يمكن أن ينفذوا عملية قتل بهذا الحجم من دون العودة الى القذافي؟
- الإساءة نعم، لكن القتل لا. لا بد من أمر من القذافي.
هل سمعته مرة يتحدث عن السعودية؟
- نعم.
لماذا كان يكرهها؟
- القذافي تربّى في بيئة فقيرة جداً. وأبوه كان راعي غنم عند والي فزّان أيام بداية الاستقلال الليبي، وكانت ليبيا مقسمة ثلاث ولايات: طرابلس الغرب وولاية برقة وولاية فزّان. وكان ولداً مشاغباً، يكره أي شخص ميسور الحال. ووالد قريبه أحمد قذاف الدم كان برتبة مقدم في القوة المتحركة، وكانوا ميسوري الحال ويساعدون عائلة معمر. معمر القذافي كان يحمل في نفسه كراهية لميسوري الحال، بخاصة الأنظمة الملكية. ثم هناك ثقل السعودية السياسي والاقتصادي والإسلامي. والقذافي علاوة على ذلك نزق وعنيف ويحب الدم كثيراً.
اعطِنا دليلاً جديداً على دمويته.
- كنا في رحلة صيد في رومانيا، خلالها قُتل صالح بو فروة بالرصاص، وهو أحد الضباط الأحرار المقربين من القذافي، لكن هذه قصة طويلة.
هل كانت عملية قتل مقصودة، أي هل اغتنموا رحلة الصيد لقتله؟
- نعم.
مَنْ قتله، جماعة القذافي؟
- نعم. لعملية القتل هذه قصة تتعلق بموضوع أن والدة القذافي يهودية.
صالح بو فروة قال إن أم القذافي يهودية؟
- وصلته معلومة من ايطاليا مع اوراق ومستندات متصلة تفيد بأن أم القذافي يهودية.
وهل هي يهودية؟
- نعم.
أنت تجزم بالأمر، فما السبب؟
- عمار ضو الذي كان سفيراً في ايطاليا وصلت اليه المعلومة ذاتها مع مستندات وغيرها، وبعد مغادرته ليبيا الى ايطاليا اغتيل ولفّقت التهمة بأن وراء تصفيته مَنْ كان يسميهم القذافي «الكلاب الضالة»، أي المعارضة الليبية، وهذا غير صحيح. كذلك الملحق الإعلامي اغتيل، لأنه كان على علم بهذه القضية.
كل مَنْ كان على علم بأن والدة القذافي يهودية قُتِل؟
- نعم تمت تصفيتهم.
هذا كان في رحلة الصيد في رومانيا، لكن في أي عام؟
- في الثمانين كما اعتقد، ايام تشاوشيسكو.
هل كانت علاقة القذافي بتشاوشيسكو قوية؟
- نعم كانت قوية جداً، على رغم انه كانت هناك كراهية بين زوجة تشاوشيسكو والقذافي.
ولماذا كانت تكرهه؟
- لا اعرف.
قلتَ ان القذافي كان دموياً، كيف؟
- في تلك الرحلة أذكر انهم أتوا بالغزال الذي اصطاده القذافي. فلما فتحوا بطنه، أدخل القذافي يديه وراح يغسلهما بدم الغزال. كان المنظر رهيباً وغريباً. الصور لا تزال موجودة في ليبيا.
غسلَ يديه بدم الغزال؟
- وضع كلتا يديه داخل بطن الغزال، وراح يغسلهما بالدم. انا من دون قصد سألته: لماذا تغسل يديك بالدم الوسخ؟ فقال: انت لا تعرف فوائد غسل اليدين بالدم وهو ساخن.
هل تعتقد بأنه قتل أحداً بيده؟
- أعتقد.
مثل مَنْ؟
- لا أريد ان أجزم في أحداث لم أكن شاهداً عليها، لكنه كان بلا شفقة.
دليل آخر على غرابة القذافي...
- كان يعاني شذوذاً جنسياً رهيباً... غلمان وغيرهم.
بما انك كنت مدير المراسم لديه، هل كانوا يحضرون له غلماناً إلى الخيمة؟
- كان معه غلمانه. كثيرون ممن كانوا معه كانوا غلماناً ويسمونهم «مجموعة الخدمات». هؤلاء كلهم كانوا غلماناً وضابطات وحريماً.
كان يحب النساء كثيراً؟
- اعتقد بأنها كانت عملية سادية. أذكر مرة حين كنتُ في المكتب وردتني مكالمة من مسؤول امن الفندق يقول فيها ان ضيفة أفريقية مريضة وتريد أن تقابلني، فقلت للمتصل انني لست طبيباً ولا افهم بهذه الأمور. الفندق كان يتبع للمراسم. قلت له أن يتصل بطبيب ليراها. فقال: اعتقد يا سيد نوري ان من الأفضل أن تأتي. قلت له: ما قصتك أنت، هل تعطيني تعليمات؟ فقال: أنا لا أعطي تعليمات، أنصح بأن تراها أنت قبل أن يراها الطبيب.
عندها استقليت السيارة وتوجهت الى الفندق. ولما وصلت سألت الشخص الذي اتصل بي، ما حصل؟ فقال: اصعد الى الغرفة لترى بنفسك. دخلت على هذه السيدة وهي من نيجيريا وأذكر ان اسمها كان الدكتورة (...)، وكانت في حال يرثى لها. كانت في حال رهيبة، تعرضت للعض والنتش والدم يسيل، وآثار كدمات ظاهرة على جسدها، وكانت تبكي. سألتها ما بها، فقالت: هجم عليّ.
قلت لها: مَن هاجمك... في الفندق؟ فأجابت: لا. ذهبت لمقابلة القذافي وهجم عليَّ.
ماذا فعلت؟
- طلبت ان يأتوا إليها بطبيب. اتصلت بأحمد رمضان وهو كان مدير مكتب القذافي لكنه أقرب من بشير صالح، وطلبت منه أن يرسل طبيب القيادة. تململ اولاً، لكنني أعدت الطلب. فقال: حاضر. ثم سألني لماذا طلبت طبيب القيادة، إذا كان بإمكانك احضار أي طبيب. فشرحت له الموضوع. ثم قابلت معمر القذافي وأخبرته بما حصل، فقال: فضّك منها. وقال ان هذه السيدة تكذب وأن المسألة عملية ابتزاز.
قلتَ للقذافي ما حصل؟
- طبعاً. قلت ان المرأة موجودة وتدّعي كذا وكذا. فقال انها ربما فعلت ذلك بنفسها لتبتزّه. أجبتُ أن الموضوع يجب أن يُعالَج. فقال: حسناً اعطوها أي مبلغ... أذكر أن أحمد رمضان أرسل إليها مئة ألف دولار، فأقفل الموضوع.
وهي قابلته بأي صفة؟
- كانت تقول انها دكتورة. عدا ذلك لا اعرف شيئاً.
كانت طبيبة؟
- لا اعرف، لكنهم كانوا يسمونها الدكتورة. كان هناك شيء اسمه «الضيف الخاص» للقائد وهؤلاء لم تكن لي علاقة بهم باستثناء دفع تكاليف الفندق وغيره.
كان هناك فندق تابع للمراسم؟
- في البداية كان «المهاري» تابعاً للمراسم، ثم صرنا نتعامل مع كل الفنادق.
هل تذكر حوادث اخرى مماثلة؟
- حصلت اشياء كثيرة. الحادثة الثانية حصلت لزوجة رجل اعمال سويسري، وكادت أن تتحول كارثة كبرى، لكنها لاحقاً تلاشت وانتهت ذيولها.
ما موضوع هذه الحادثة؟
- هذه سيدة ايرانية زوجة رجل سويسري مشارك في وفد من شركة إيرانية لتوظيف الأموال، قابَلَتْ السيدة القذافي ليلاً واعتدى عليها بعنف. عرفتُ الأمر بينما كنا عائدين في طائرة الوفد ولاحظنا ان الأمن المرافق للوفد اعتقل سيدة على الطائرة. كان معنا ايضاً محمد الحويج الذي تولى لاحقاً حقيبة المال.
اين حصلت الحادثة؟
- في سرت، ولها تفاصيل ثانية. دخلت معهم في تفاوض على الطائرة، وعلى الطائرة عرفتُ ان زوجة السويسري هجم عليها القذافي وكانت في حال يرثى لها.
كانت معكم على الطائرة؟
- نعم. كانت في غرفة النوم في الطائرة. أدخلني إليها زوجها، ووجدتها في حال يرثى لها، الدم يسيل منها، فأخبرتني بما حصل. قالت ان سيدة جاءت إليها واستدعتها للمقابلة، وكانت برفقتها ضابطة اسمها سالمة. وذهبوا الى المقابلة، وكانوا في البداية اخبروها بأنها دعوة، ولكن لاحقاً دخل القذافي ودعاها الى المكتب و «هجم» عليها بعنف. عندما دخلتُ للتحدث مع زوجة السويسري، دخل رجال الأمن (الذين كانوا بصحبة الوفد) وقبضوا على السيدة التي كانت برفقتنا وهي الوسيطة التي أحضرت الوفد.
اعتقلوها في الجو؟
- نعم وكأنها عملية خطف. عندها قلت لهم: ما تفعلونه خطر، لأن الأمن والمخابرات يعرفون اننا غادرنا المطار بطائرتكم. وحصلت بيني وبين الزوج السويسري مشادّة. وقلت له ان ما تفعله خطأ، فقبل أن تخرج من الأجواء الليبية ستجد الطائرات الحربية تلاحقك.
كان هناك حراس مع السويسريين؟
- نعم. كان معهم عناصر من الأمن الخاص بهم.
هؤلاء العناصر هم من اعتقل المرأة الوسيطة؟
- نعم. المرأة التي كانت السبب في الاعتداء.
كيف عالجتم الأمر؟
- قلت للزوج أولاً نحن لن نقبل التفاهم معك، قبل ان تفكوا الأغلال من يدي السيدة.
هل كانت هذه السيدة ليبية؟
- عربية. قلت: ما ذنبها. هي عبد المأمور، ولا علاقة لها. وسألت زوجة السويسري، هل حاولت هذه السيدة إقناعك؟ فقالت لا. وسألتُ السيدة: هل قالوا لك انها دعوة، فقالت نعم. يعني ان لا علاقة لها بالأمر. ففكوا الأغلال. محمد الحويج كان خائفاً وجباناً وشبه ميت على الطائرة. حتى انه أشاد بي، وقال: بعمري لم أر بمثل شجاعة نوري في هذا الموقف. أقنعت الرجل بأن هذا خطأ، وبأن الطائرة ستلاحَق لأن شخصين ليبيين مهمَّين على متنها ولم تدخل أجواء طرابلس.
لمَنْ كانت الطائرة؟
- لهم. نحن كانت لدينا طائرة، لكنهم أصروا على أن نرافقهم على متن طائرتهم لغاية في نفس يعقوب.
الطائرة كانت سويسرية؟
- نعم. قلت له انت حر. اذا أردت ان تذهب فاذهب، لكن هذا سيسبب لك فضيحة في بلادك، وستتهم بعملية خطف ولن تستفيد. توصلنا الى حل. قال: أتعدني بأنكم لن تقبضوا عليّ في طرابلس. قلت: أعطيك كلمة شرف بألا يتم التعرض لك ولا لزوجتك ولا لأي شخص معك، وهذه الحادثة ستكون بيني وبينك. وقلت لحويج: إذا صدرت منك أي كلمة ستنتهي، فقال انه موافق على كل ما أقرره. نزلنا في مطار المعيتيقة ونزل الوفد وغادر السويسري وزوجته وكان خائفاً. وراح الوفد. كانوا احضروا لي هدية ساعة سويسرية، فقلت انني لا أتسلم الهدايا.
هل طلبوا أموالاً؟
- هو طلب 20 مليون دولار تعويضاً عما تعرضت له زوجته. قلت له انني لا أتدخل في هذه الأمور.
لم يقبض أموالاً؟
- لاحقاً، الحويج تابع العملية. والسيدة التي كانت معنا أخبرت القذافي بما حصل. وقالت: نوري تصرف وقام بكذا وكذا. وأعتقد بأن السيد عبدالحفيظ الزليطني الذي كان وزيراً للاقتصاد نظّم تعاوناً بين هذه المجموعة السويسرية وليبيا.
هذا عملياً يعني انهم حصلوا على تعويض؟
- كان تعويضاً على شكل استثمار، وكانت للقذافي مواقف كثيرة في هذا الإطار. هو كان يحب الانتقام من الشخصيات من طريق زوجاتهم. أنا أستغرب كيف ان بشير صالح لم ينشق عن القذافي، وحتى عزالدين الهنشيري الذي كان وزيراً للأمن العام وكان في المخابرات ورئيساً للحرس الثوري ثم رئيساً للحرس الخاص. أستغرب كيف أنهما لم ينشقّا عنه، لأنني عندما كنت أتخاصم مع القذافي وأُسجَن وأخرُج من السجن، كنت آتي الى مكتب بشير صالح وأكتب استقالتي وأقول انني سأغادر. كان بشير صالح والهنشيري يوصياني بالهدوء والتمهل ويقولان: عندما ستأتي اللحظة لهذا سنبلغك. كان هناك مخطط لدى الاثنين لكنهما لم يبلغاني به. وكانا يقولان انني مندفع ودائم الغضب، ويطلبان مني الهدوء، ويقولان ان الوقت لم يحِن بعد. لم أكن أعرف السبب. لكنني استغربتُ جداً عندما حصلت ثورة 17 فبراير المباركة ولم ينضما إليها.
هل حاول القذافي ان يتحرش بوزيرة او غيرها؟ هو التقى كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية؟
- دعاها الى العشاء، ولمّا دخلت الى الجناح الخاص رأت صورتها وبألوان زيتية في إطار، معلّقة في جناحه. لمّا رأت الصورة فُجِعت. سألت ما هذا، فقال هذه صورتك بألوان زيتية. لكنني لا أعرف ماذا حصل. هذه واحدة. حاول القذافي التحرش بوزيرة خارجية إسبانيا باراسيو.
وهل تسبب هذا الأمر في إشكال؟ هل حاول القذافي فعلاً التحرش بها؟
- العلاقة كانت متينة، لكن في الزيارات الخاصة أنا لا علاقة لي بها.
هل هناك حوادث أخرى مماثلة لحادثتي النيجيرية والسويسرية؟
- الحوادث الأخلاقية دائماً كانت موجودة.
وكان يدفع في النهاية؟
- نعم. مثلاً مرة استُدعِي بشير صالح الى الغابون من رئيسها عمر بونغو. كان صالح غير راضٍ، وحتى الهنشيري، عن تصرفات القذافي. قال لي بشير تعالَ أريد أن أراك في المكتب. فقلت له كيف تذهب الى الغابون وحدك، فأجاب انه لو لم يذهب لحصلت كارثة. وقال: حين دخلت على عمر بونغو أدار شريط تسجيل لمكالمة هاتفية بين القذافي المتصل وزوجته، وهي ابنة ساسو نغيسو رئيس كونغو- برازافيل. أصيبت المرأة لاحقاً بالجنون وانتقلت الى المغرب وماتت. وهي سيدة جميلة فعلاً. كان هناك كلام غزل بينها وبينه. فتُرت العلاقات بين البلدين وعادت لاحقاً بقدرة قادر. لم اسأل عن تفاصيل مكالمة الغزل. بشير صالح كان المسؤول. كان مسؤولاً اكثر من الآخرين في هذا الشأن، حتى لما حوّلوا الخارجية الليبية وقسموها الى الخارجية ووزارة الشؤون الأفريقية وكان التريكي وزير الخارجية للشؤون الأفريقية وعلاقته دائمة بالأفارقة، كان بشير متقدماً، وكان هناك دائماً صدام بين الرجلين في ما يتعلق بالعلاقات الأفريقية. كانت هناك أمور يقوم بها بشير صالح من دون علم التريكي، لأنه كان رئيس الديوان لدى القذافي، فيفعل ما يريد وعلاقته جيدة بالأفارقة ولونه أسمر مثلهم.
كان القذافي يحب النساء والرجال؟
- طبعاً.
عبدالمنعم الهوني قال سابقاً ان القذافي شاذ جنسياً؟
- هذا صحيح، وعبدالرحمن شلقم يقول إن القذافي سالب وموجب.
هل حصل معه إشكال في موضوع الغلمان. هل اشتكى عليه أحد من الشبان؟
- سمعتُ، لكنني لم أكن حاضراً، لأن هذا الموضوع في قسم الخدمات، وما يدور حوله لا أعرفه.
هل استقدموا له نساء من الخارج؟
- كانوا يأتون إليه بنساء أشكال ألوان، وهذه الأمور كانت مسؤولة عنها واحدة اسمها م.ا.
تردد اسمها بعد سقوط القذافي؟
- هي كانت مسؤولة عن هذه الأمور. وصلت الى مرحلة انها أصبحت بمثابة مبعوث شخصي. كانت لها علاقة بسيسيليا ساركوزي وكانت واصلة في الإليزيه أكثر مني ومن وزير الخارجية ورئيس الحكومة، والسبب أن القذافي كان يعتبرها بمثابة المبعوث الشخصي له. بالغ القذافي في هذا الجانب، كان ينتقم من الأشخاص بالتعرّض لزوجاتهم. السيدة نفسها روت لي ان القذافي تحرش بشقيقة ساركوزي فاستاءت، وأن المقربين من القذافي حاولوا استرضاءها بعقد من الماس فرفضته.
الجزء الثالث :
ماذا يريد معمر القذافي أكثر من ذلك؟ جاء رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني الى مؤتمر الشعب العام. ألقى خطاباً ثم تقدّم من قائد الثورة وقبّل يده. كان أمين المراسم نوري المسماري واقفاً قرب القائد وأثار المشهد استغرابه. لاحقاً سُئل المسماري في التلفزيون الإيطالي إن كان يشعر بالخجل لأنه عمل مع القذافي، فأجاب: «كنتُ أعمل مع ليبيا وليس مع القذافي، وكنتُ أعمل من اجل ليبيا. أنا لستُ خادماً عند القذافي لكن من يجب أن يخجل هو مَن مدَّ أمامه البساط الأحمر وطابور الشرف وعزف له الأناشيد وقبّل يده. أنا لم أفعلها».
كان القذافي يشعر في قرارة نفسه أن الغرب يبحث عن وسيلة لاسترضائه وعينه على «الذهب الأسود» الذي تنام عليه ليبيا. غفر الغرب للقذافي تاريخه الدموي في الداخل وابتهج بإعادة تأهيله وتحسين صورته. جاءت المفاجأة هذه المرة من «الربيع العربي».
كان القذافي يستمتع بإذلال الرؤساء، يتأخر عن المواعيد أو يُعدّل برنامجه فجأة ويُربك مستقبليه والقواعد المتعارف عليها. وكان يتعمّد إزعاج من يستقبلهم. يضرب لهم موعداً في الصحراء. ذات يوم وضع خطة لإذلال زائر اسمه كوفي أنان جاء للبحث في قضية لوكربي. استقبله ليلاً في الصحراء في مخيم موحش، فخاف الزائر وتوهّم وجود أُسود في الصحراء، التي غرقت في ليل دامس باستثناء خيمة العقيد.
ثمة رحلة أرضت غرورَ قائد الثورة. استقبله الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل سونغ بأمواج بشرية ولوحات فنية مذهلة. اعتبر المشهد نوعاً من الاعتراف بفرادة زعامته. ربما لهذا السبب كان يصرّ لاحقاً على استخدام تعبير «يا ابني» في مخاطبة عدد من القادة العرب الشبّان، وصولاً الى رجل اسمه باراك أوباما. وكان يتعمّد ذلك للتقليل من شأن من يخاطبه. وهنا نص الحلقة الرابعة:
هل زار القذافي ضريح لينين في موسكو؟
- نعم، وكان تعليقه أن الرجل مات، فلماذا ينفقون الأموال لصيانة تحنيط جثمانه.
بأي زعيم عالمي كان معجباً؟
- بمعمر القذافي!
ماذا كان يقرأ؟
- كان يقرأ كثيراً التاريخ العسكري والسياسي والمدني. قبل زيارته ايَّ دولة كان يأخذ تاريخها بالكامل وينشغل به طوال الرحلة، وحين يقابل رؤساء تلك الدول كان يختار شيئاً من تاريخهم يفاجئهم به، ومرات يكون الرئيس نفسه لا يعرفه.
مثل مَنْ؟
- مثلاً جنوب افريقيا. وهنا ذكّرتني بحادثة. أحرجني مرة مع نيلسون مانديلا. في منتصف الليل اتصل بي على خط القيادة الأحمر، وسألني اذا كنت مستيقظاً، فأجبته بنعم، فقال البس ثيابك وهات مانديلا، الذي كان يزور ليبيا بعد تركه الرئاسة. تحدثت الى مستشار مانديلا فقال: هل جننت؟ الرجل نائم ومريض وركبتاه تؤلمانه. قلت: هذه التعليمات. فقال: أي تعليمات هذه؟ وهل مانديلا موظف عندكم؟ لا يمكن ان أسمح بدخول أحد لإيقاظه. سكرتيرة مانديلا عرفت ورفضت رفضاً قاطعاً. اتصلت بالقذافي وأبلغته، فقال: أبلغهم أنه موضوع مهم وأقنعهم، أعرف أنك بارع. أقفلت الخط وأخبرتهم الذي حصل، لكنهم أصروا على الرفض.
هل صحيح أنه تعمَّد إهانة بان كي مون حين أتوا به إلى طرابلس وكان القذافي في الصحراء؟
- كان يأتي بهم كلهم الى الصحراء، مرةً أهان حسني مبارك، لكن الحادث الأبرز حصل مع كوفي انان حين أتى الى ليبيا ليتكلم في موضوع لوكربي. هذه كانت اهانة فعلاً، وصل انان في النهار الى ليبيا لكن القذافي قال لا تأتوا به إليَّ إلا في الليل. كانت خيمة القذافي منصوبة في اول الصحراء على بعد مئتي متر من الطريق الساحلي. لكن التعليمات كانت القيام بعملية التفاف طويلة قبل الوصول الى المخيم، الذي امر القذافي بإطفاء كل الأضواء فيه باستثناء خيمته. شعر أنان بالخوف، خصوصاً حين سمع صوت الجِمال، فسألني ان كان هذا صوتَ أُسُود، فطمأنته، ولاحظت ان وجهه صار أبيض من شدة القلق. قضت التعليمات ايضاً بإعادة انان عبر الطريق ذاتها.
حسني مبارك أخذوه الى الصحراء فانزعج، وقال إذا كانت هناك صحراء في المرة المقبلة فلن أذهب (إلى ليبيا). لهذا صار القذافي يأتي إليه في قاعة واغادوغو أو يستقبله في بيت الضيافة المجاور لها. مبارك قال صراحة: حكاية الصحراء لا تفكروا فيها، مرة ثانية لن أذهب. في أي حال، مبارك كان يستوعب القذافي ويحرص على زيارته في رمضان وتناول الإفطار معه.
وعلاقة القذافي مع الرئيس السوداني جعفر النميري؟
- في البداية كانت جيدة، لكنها ساءت لاحقاً. في آخر أيام النميري ذهب القذافي الى السودان في زيارة رسمية وحرص على رؤيته وهو كان مشلولاً. تظاهر القذافي بالتأثر وراح يسأله عما يريد، وطبعاً كان القصد إذلاله. لكنه إعلامياً يبرمجها في شكل آخر.
هل كان يحب الصادق المهدي؟
- كلا، لكنه سانده بقوة.
وعلاقته مع الرئيس عمر حسن البشير؟
- في الفترة الأخيرة كانت سيئة، بسبب دعم القذافي جنوب السودان.
وعلاقته مع الزعيم الجنوبي جون قرنق؟
- زاره قرنق كثيراً، وبعد وفاته كانت زوجته تأتي للحصول على مساعدات للجنوب، والتقاها في كمبالا.
هل كنت معه عندما التقى عيدي أمين؟
- حين تنحى عيدي أمين وأتى إلى ليبيا أنا كنت مرافقَه. شخصيته مرحة لكنه كان غبياً.
ما قصة ملك ملوك أفريقيا؟
- ملوك أفريقيا هم الملوك التقليديون. إنهم نوع من السلاطين المحليين وشيوخ القبائل. أحبَّ (القذافي) أن يتقرّب منهم. هناك من أوحوا له بإمكان تشكيل مجلس لهؤلاء. أدخلوا في دماغه ان هؤلاء «الملوك» يؤثرون في قبائلهم وشعوبهم، فدخلت الفكرة دماغه وراح يلتقي بهم. ولاحقاً كلّف بشير صالح رئيس ديوانه ان يتكلم مع الدكتور رافع المدني الذي كان يرأس مكتباً لشيوخ افريقيا وسلاطينها. خلال اجتماع قال له: نريد من اجتماعكم ان تعلنوا ان معمر القذافي ملك ملوك افريقيا. طبعاً الدكتور رافع أُحرج، وقال له نحن لا دخل لنا، نحن لسنا دولة. الملوك تجتمع والدول تجتمع ليعيِّنوا إمبراطوراً عليهم، فهذه توجب اتفاقات ومعاهدات. قال بشير صالح: طُلب مني ذلك، طبعاً رفضوا وأُحرجوا، وبقي المسكين يحاول، وطلب بشير صالح تاجاً فتبين ان احد الملوك لديه تاج من الذهب، أخذوا التاج وأعلنوه ملك ملوك افريقيا وألبسوه إياه. مسرحية طلبها القذافي وكان مصرّاً عليها. في القمة العربية في قطر أورد أميرُها بشيء من الاستهزاء لقب ملك ملوك افريقيا، وفي القمة عدّد القذافي ألقابه، وقال: أنا عميد الحكّام العرب وملك ملوك افريقيا... الى آخر المعزوفة. كان لا يريد ان يسمع لقب رئيس او ما شابه. كان يطالب رسمياً بمناداته بالقائد معمر القذافي ملك ملوك افريقيا. أرسلنا مذكرات للاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وفيها ان التسمية الرسمية للقذافي هي قائد الثورة معمر القذافي، ملك ملوك افريقيا.
كيف كانت علاقته بالمال؟
- ليست له أي علاقة بالمال، أولاده كانوا يهتمون بالمال.
ألم يكن صاحب القرار في اقرار المساعدات؟
- أكيد، لا يخرج مليم واحد الى رئيس دولة او حزب إلا بأمر منه.
كان يوقِّع أوراقاً؟
- تقدَّم إليه مقترحات في صورة نقاط ويضع شارة صح فقط قرب ما يعجبه، فيبدأ التنفيذ.
ما هي قصة ثيابه الغريبة؟
- هذه ثياب أفريقية، هو ملك ملوك افريقيا وينادي بالاتحاد الأفريقي ويلبس كل ما يتعلق بأفريقيا. كان لديه ميل الى الثياب المزركشة ويرتدي ايضاً ثياباً شبه نسائية.
هل لديه حسابات خارجية؟
- نعم، أعتقد بأن لديه حسابات سرية.
اولاده كان لديهم المال الكثير؟
- اول من أهلك معمر القذافي هم اولاده.
القذافي كان يحب الجلوس مع المثقفين. هل كان يسبب لكم إحراجات في هذا الموضوع، مثلاً حين يذهب الى القاهرة ويجمع المثقفين؟
- أجل، كان يجمعهم كي يهينهم، كان يُظهر لهم الكلام الذي فيه خطأ ويدلهم عليه ويقول لهم هذه لا تكتب هكذا... الخ. وهذا ما يسبّب لنا الإحراج.
كان ينفق على الإعلام؟
- فقط الذين يلمّعونه، وكان غير مقتنع بالإعلام الليبي.
هل صحيح أنه لبس ذات يوم قفازات بيضاء في القمة العربية حتى لا يصافح الملك الحسن الثاني؟
- كلا، حتى لا يصافح حسني مبارك، وكانت القمة في المغرب. حين سألناه لماذا القفازات البيضاء قال لا أريد ان أصافح مبارك بسبب إسطبل داود، وكان يقصد كامب ديفيد.
وقيل انه قبل ذلك تحسس مسدسه وهدد بقتل الملك حسين؟
- نعم، حصلت مشادة بينهما بعد أيلول الأسود؟ وكان يريد الاعتداء عليه، حينها صدر قرار بعدم السماح للرؤساء بدخول اجتماعات القمة بسلاحهم.
هل كان معجباً بجمال عبدالناصر؟
- في بداية الثورة كان معجباً به، ولكن لاحقاً حين أصدر القذافي ما سمّاه الكتاب الاخضر، كان يسخر من الميثاق الذي أصدره جمال عبدالناصر، ولو كان عبدالناصر حياً لاصطدم به.
هل كنت تعمل أثناء الغارة الأميركية؟
- كلا.
ماذا كان شعورك حين شاهدت مقتل القذافي على الشاشة؟
- للأمانة، كان يجب ألاّ يُقتل. كان يجب ان يحاكم كما حوكم صدام، كي نسمع ما لديه ليقوله، ولكن للأسف كان هناك غيظ وكراهية وهناك أناس تعذبوا كثيراً وتألموا كثيراً من أعماله، خصوصاً خلال أحداث ثورة 17 فبراير. كان الناس لديهم دافع للانتقام، ما جعلهم يتصرفون التصرف الذي حصل. كان تصرفاً لاشعورياً، لم يكن شيئاً مرتباً، وأعتقد ايضاً بأنه كانت هناك أجندة خارجية لا تريد ان يصل القذافي إلى المحكمة، لئلا يتحدث عن الأسرار التي كانت لديه.
مَنْ تقصد؟
- حكام من الغرب والشرق.
هل صحيح أنه قال لباراك اوباما في قمة الدول الثماني في ايطاليا يا ابني؟
- نعم، يستخدم هذه الطريقة عمداً، وهو يقصد التصغير. كنا نقول له نرجوك لا تردد كلمة يا ابني في مخاطبة الحكام. عبدالرحمن شلقم (وزير الخارجية السابق) قال له ايضاً، فكان يرد: لا، لا، هذا شغلي انا هؤلاء أولادي. كان يقولها لبشار الأسد وملك الأردن وملك المغرب وقالها لأوباما. نصحنا بشير صالح (مدير مكتبه) بعدم إثارة الموضوع مجدداً معه لأنه كان مصرّاً على استخدام هذا الأسلوب.
أتذكر شيئاً من رحلة موسكو التي التقى خلالها الرئيس ديمتري ميدفيديف؟
- دعانا ميدفيديف الى عشاء خاص، وكانت هناك أغان وأوركسترا. قيل يومها ان السيدة المسؤولة عن ترتيب المواعيد العاطفية للعقيد حاولت إقناع المغنية بأن تزور القائد، لكنها امتنعت. السيدة نفسها كانت هذه مهمتها الدائمة، وقد مارست هذا الدور حين ذهبنا الى أوكرانيا. خلال حفلة الاستقبال في الكرملين حضر ميدفيديف وبوتين والقذافي وكنتُ جالساً معهم.
لم يقدّموا خموراً؟
- قدموا ولكن ليس له.
تقصد انه لا يشرب خموراً؟
- بحسب معلوماتي، لا يشرب.
هل يدخن؟
- يدخن مزاجياً، وكان يفعل ذلك في مؤتمرات القمة حين ينزعج او بسبب عدم الاكتراث. مرة فعلها في مؤتمر في تونس. لم يرد الجلوس مع الرؤساء فجلس في صالون لوحده. أتى زين العابدين بن علي وقال له أرجوك، فرفض، وبعدها أتى عبدالعزيز بوتفليقة. اعتقد بأن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني جاء أيضاً وبعده الشيخ صباح الأحمد (أمير الكويت حالياً). كان (القذافي) يحب هذا النوع من المشاهد. وكان يدخن وإلى جانبه عبدالرحمن شلقم. سأله الشيخ صباح الأحمد عن السبب، فأجابه: والله من همكم وغلبكم أدخن.
هل حصلت إشكالات في القمة العربية في دمشق؟
- الإشكالات العادية. مدد إقامته حينها لأنه كان يريد الاجتماع بالرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر. زاراه في مقر إقامته وتكلما معه وكان معجباً بهما.
ماذا قال عن اللقاء؟
- كان يقول إنهم أناس يفهمون وأصحاب كاريزما. ويتابعون شؤون الاقتصاد ولديهم إلمام جيد. سمعته يقول ان الرئيس حافظ ترك أسوداً من بعده. كان راضياً عن لقائه معهما، فحين كان يرضى عن لقائك يمدحك. كنا على متن الطائرة في رحلة العودة، كان يتكلم هو وأحمد قذاف الدم ويوسف الدبري وعبدالرحمن شلقم وكنت أنا وبشير صالح قربهم. طبعاً كَلِمَتُه في القمة استوقفت كثيرين، حين قال للرؤساء العرب ان الدور سيصل إليكم، وكان يتحدث عن إعدام صدام حسين.
هل كانت له علاقة خاصة برئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني؟
- طبعاً.
هل صحيح ان بيرلوسكوني قبَّل يده؟
- لم تكن سرية.
أين قبَّل يده؟
- في مؤتمر الشعب العام الذي هو البرلمان، وكنت أقف إلى جانبه.
ألم تُفاجأ؟
- انا استغربتُ جداً، حضر الى مؤتمر الشعب العام وتكلم فيه وألقى خطاباً، بعده اقترب من القذافي وقبل يده.
هل كان القذافي يكره الإيطاليين؟
- ظاهرياً.
ويطالبهم بتعويضات دائماً؟
- هو طالبهم بتعويضات، وبالاتفاق مع بيرلوسكوني أخذ باليمين وأعطى بالشمال. يعني أعطاهم مشاريع وكل الحاجات التي يريدونها، وكنت معهم في السيارة أُترجم، قال القذافي: ستعطون باليمين وتأخذونها بالشمال، فضحك بيرلوسكوني.
ما الذي تذكره ايضاً؟
- سئلت في التلفزيون الإيطالي إذا كنت أخجل من العمل مع القذافي، فقلت لهم إنني كنت أعمل مع ليبيا وليس مع القذافي، وكنت أعمل من أجل ليبيا. أنا لست خادماً عند القذافي، لكن مَنْ يجب أن يخجل هو من مد أمامه البساط الأحمر وطابور الشرف، وعزف له الأناشيد وقبّل يده، أنا لم افعلها. هذا كان تعليقي على هذه الحادثة التي حصلت كما أعتقد في العام 2009.
ماذا كانا يتحدثان؟
- عن العلاقات الليبية – الإيطالية والاستثمار... الخ، وكان بيرلوسكوني يحاول إغراء القذافي، وعرض عليه الذهاب معه الى سردينيا لتمضية سهرة في منزله، لكن الوفد الليبي خاف من الفضيحة.
أحضروا له بنات إيطاليات وحاضر فيهن عن الإسلام؟
- هذه ذريعة، حكاية الإسلام. الموضوع فقط من أجل ان يجمعوا البنات، كانت تجمعهم مبروكة الشريف، ويأتي بهن ويتحدث إليهن وتؤخذ الصور وتُجلَب له كي يختار، اما الصور المرئية فكانت تعرض كمحاضرة على التلفزيون.
هذا كان يحصل في إيطاليا أم في ليبيا؟
- في إيطاليا وليبيا.
ليبيا مجتمع محافظ؟
- حتى عندما كان يذهب الى مراكز للتجمعات النسائية او الجامعات، يصورون ثم يجمع الزبانية لديه لإقناع هذه الفتاة او تلك التي يريدها. هذا ليس سراً، بل يعرفه الجميع.
لم يكن لديه احترام للقيم؟
- ابداً.
لكن هذا بلد القبائل والعشائر؟
- هل هو يفهم القبائل والعشائر؟ يدّعي البداوة والقبلية وأنه ابن قبيلة وعشيرة لكنه بعيد كل البعد عن أخلاقياتها.
هل كان يتناول حبوب فياغرا؟
- لا أعرف. بشير صالح أخبرني أنه كان يأخذ حقنة، ويقال إن بيرلوسكوني أسدى إليه نصائح في هذا المجال.
ألم تحزن لمصيره؟ أم كنت تتوقع له ذلك؟
- أنا قلت ان هذا الشخص لن يتنازل ولن يتنحى، ولا تتعبوا أنفسكم لأنه لن يغادر ليبيا، وسيستمر حتى آخر لحظة. قلتها لرؤساء، ولكن كان بودي ان يدخل المحكمة أولاً إذلالاً له أن يكون في قفص الاتهام ويحاكم، وفي ذلك رد اعتبار للمساجين الذين زج بهم في سجن أبو سليم، وللناس الذين كان يوجّه إليهم التهم الباطلة وينكّل بهم.
هو من أمر بمذبحة سجن ابو سليم؟
- طبعاً هو المسؤول، مجزرة مثل هذه أو قتل وذبح لا بد ان تكون بعلمه، هو مَن يوقّع ويعطي الإشارة.
هل رافقته في زيارة كيم ايل سونغ؟
- طبعاً ومنحني الزعيم الكوري وساماً، كنتُ ضمن مجموعة.
كيف كان اللقاء؟
- حميماً جداً وصداقة، وكان كيم ايل سونغ مهتماً بالقذافي في شكل رهيب. اقام له استقبالاً لا تراه إلا في افلام والت ديزني، استقبالاً باهراً، لا وصف له. البشر كانوا يرتدون ألواناً مختلفة، إذا نظرت إليهم من الجو ترى في الشوارع ألوان الطيف، وسيارة مكشوفة ركبها كيم ايل سونغ والقذافي، وحين نزل القذافي قال لي حين يأتي كيم ايل سونغ إلى ليبيا هل ستتمكن من تنظيم مثل هذا الاستقبال له؟ قلت له هذا إمكاناته رهيبة. ثم أقام له احتفالاً لا يوصف باللوحات الخلفية في الملعب، لكن مثل هذه موجود في ليبيا. في الملعب، أُقيمت لوحات من الأمواج وأرض قاحلة، وكل ذلك من البشر، وكيفية استصلاح الأرض وطوفان المياه، يعني شيء من الخيال.
هل كان معجباً بكيم ايل سونغ؟
- الى أبعد حدود.
على رغم أنه شيوعي؟
- على رغم ذلك، ورغم انه لم يكن يحب الشيوعية.
هل قابل ابنه كيم جونغ ايل؟
- لا.
ماذا عن رحلة الصين؟
- كان الاستقبال جيداً، ولكن ليس بحفاوة استقبال كوريا الشمالية، استقبال رسمي في المطار ورائع، وأُجريَت محادثات صعبة مع الصينيين. زرنا سور الصين العظيم، وكان برنامجاً جيداً واهتموا به.
هل كان يطلب أسلحة منهم؟
- كان يطلب تكنولوجيا. اشترطوا عليه موضوع تايوان، وألاّ تقام علاقات معها، وهذا ما حصل، ولكن قبل سنتين من أحداث 17 فبراير أقام سيف الإسلام علاقة مع جماعة تايوان وحضر وفد منها إلى ليبيا، واكتشفت الأمر مجموعة الصين، وكانوا يتجسسون عليهم. نزل وفد تايوان في قاعدة معيتيقة، وعلموا بذلك، وطلب السفير الصيني مقابلتي واحتج على استقبال ليبيا الوفد. قلت إننا لم نستقبل رسمياً احداً وليست لدينا علاقة مع تايوان، فأجاب: نعرف سيارات المراسم. قلت: سيارات المراسم ليست من نوع معين، تجدون سيارات مرسيدس كثيرة، وهم أخذوا سيارات من المراسم ووضعوا عليها لوحات مدنية كي لا تُعرف.
والعلاقات مع فيديل كاسترو؟
- كاسترو جاء الى ليبيا وكنت موجوداً، كان مخططاً زيارة كوبا ونيكاراغوا والبيرو عندما ذهبنا الى الأمم المتحدة، ولكن لم يكن الأمر آمناً، إذ أعطى الأمن الخاص تقريراً عن طريق المخابرات يفيد بأنه يُفضّل عدم الذهاب، فذهبنا الى فنزويلا.
هل كان القذافي يحب هوغو تشافيز؟
- تجمعهما صداقة حميمة جداً وعندي صور له معه.
كيف كانت زيارة كاسترو الى ليبيا، وهل ساعده مالياً؟
- ساعده كثيراً وكان معجباً به. الزيارة تزامنت مع وفاة والدة القذافي عايشة، كانت الوفاة يوم مغادرة كاسترو، فجاء الى مكتبه ليسلّم عليه وقلت له هل تريد تعزيته، إنه هنا. قال كاسترو للقذافي: أنا مُستغرب، والدتك توفيت وأنت تتعامل مع الأمر في شكل عادي، فرد القذافي: هذا قدر، وساعتها حانت.
هل كان القذافي متعلقاً بوالدته؟
- كثيراً.
ووالده؟
- يعني، وهو توفي بعد والدة القذافي، عن 84 سنة.
رافقته في رحلاته الى الاتحاد السوفياتي، بين عامي 1977 و1988، كيف كانت؟
- في كل الرحلات رافقته. كان متعجرفاً والسوفيات كانوا حسّاسين إزاء الأمر، وكانت الرحلات خلال عهد ليونيد بريجنيف.
ماذا حصل مثلاً؟
- كان يحدد موعداً ويتأخر عمداً، فيأتي بريجنيف أمام حجرته في مقر إقامته في الكرملين، ويبقى واقفاً في انتظار خروجه. كان الأمر محرجاً، وبريجنيف مسن وبالكاد يستطيع المشي، وكان القذافي يقول انه آتٍ وآت، فيطول انتظار بريجنيف.
ما الذي ازعج بريجنيف ايضاً؟
- الروس أزعجهم هذا التصرف بحق زعيم البلاد. كان القذافي يسبّب هذه الإحراجات ويقصد من ورائها الإهانة. حتى خلال العشاء الرسمي، حين ألقى خطاباً، تناول الإسلام وأفغانستان وغير ذلك، ما أزعج الروس، أما رئيس ألبانيا أنور خوجة ففرح بالكلمة لأنها شتمت كل الرؤساء، وإذاعة تيران شكرت القذافي.
ما الذي قاله لهم عن افغانستان؟
- يجب أن تهتموا بالمسلمين والإسلام... وبعض الوعظ.
أخبرني عبد السلام التريكي أنه أوقف المحادثات وأدى الصلاة في الكرملين.
- هذا الأمر يكرره دائماً، وليس فقط في الكرملين. فعل الشيء ذاته في ليبيا، خلال مقابلات مع ضيوف غير مسلمين.
الجزء الخامس :
كاد نوري المسماري يقع في الفخ الذي نُصب له. لم يُطق معمّر القذافي فكرة وجوده بعيداً في باريس ومعه سنوات من الأسرار والمشاهدات. تدخّل لدى العائلة لإقناعه بالعودة. أرسل فريقاً لاغتياله. ثم أرسل نجله المعتصم لاصطحابه وإعادته. صدّقت العائلة، أو بعض أفرادها، تطمينات القائد وسلك المسماري طريق المطار لارتكاب رحلة العودة. أنقذَتْهُ نصيحة جاءت في اللحظة الأخيرة وعاد إلى باريس.
لا يغفر القذافي لمن يقفز من السفينة ويبتعد. لهذا كان المسماري مرشحاً لمواجهة مصير مشابه لما حلّ بعمر المحيشي يوم نجح العقيد في استعادته من المغرب وقتله. كان إسكات المسماري مهماً للقائد، ذلك أن أمين المراسم القريب من باب الخيمة ومن باب العزيزية سمع الكثير وشاهد الكثير، فضلاً عن انه كان يرافق القذافي كظله في الأسفار والمؤتمرات.
لم يكن في ليبيا دستور ولم يكن فيها قانون. كانت البلاد تعيش على ساعة مزاج القائد. وحين يعتكر مزاجه يعاقب التقصير البسيط بالسجن في المخالفات التي لا يرى انها تستحق الشطب الكامل والإلغاء. كان المسماري في السجن حين انعقد مؤتمرٌ في ليبيا. لاحظ الوفد القطري التحضيري غيابه فسأل وعرف. بعدها تدخّل رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لدى العقيد فعاد المسماري الى عمله. خلال تنفيذه مهمة في مالي التي شهدت احتفالات حضرها الزعيم الليبي، شعر المسماري ان شيئاً يُدَبَّر له ونصحه ضابط ليبي بالفرار، وهذا ما حصل. وهنا نص الحلقة الخامسة:
?متى غادرت ليبيا ولماذا؟
- كانت لدي مشاكل خلال عملي مع القذافي وسجنتُ مرات عدة. كنت أحاول أن ألفته الى بعض المسائل لكن ذلك كان صعباً لأن المحيطين به كانوا من أقربائه، وكنا نسميهم «زبانية الخيمة». كان أعضاء جوقة المدّاحين هذه يهللون ويكبّرون اذا أطل عليهم بملابسه الأفريقية مثلاً وهو كان يحب المديح والمدّاحين.
أعطنا مثلاً عن عملية سجنك.
- سُجنتُ مرات عدة بعضها لأسبوع ومرات لشهر. في المرة الأخيرة كان هناك مؤتمر في طرابلس. وكالعادة هناك وفود تحضيرية تصل باكراً. لاحظ أعضاء من الوفد القطري غيابي. استفسروا فأبلغهم أعضاء في المراسم أنني في السجن. السجن كان عبارة عن اماكن محددة للإقامة لكنه سجن.
كان ذلك في العام 2010 في فندق «ريكسوس» في الغابة في طرابلس. اتصل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بالقذافي وطلب منه أن يعفو عني. ليلاً اتصل بي مدير السجن العقيد ع.س، وهو يعتبر من أكبر المجرمين في عهد القذافي وقام بتصفيات خارجية وكانت بأمرته مجموعة يُطلق عليها كتيبة الإرهاب. كان هذا الرجل يُطارد من أسموهم آنذاك «الكلاب الضالة». أبلغني بقرار إخراجي من السجن. طبعاً الدخول الى السجن والخروج منه مسألة عشوائية في عهد القذافي. أثناء وجودي في المعتقل التحق بي البغدادي المحمودي أمين اللجنة الشعبية العامة ورئيس الوزراء وكذلك وكيل وزارة المالية ومحافظ مصرف ليبيا المركزي وعلى ما أعتقد مدير مصرف الأمان لموضوع مالي يتعلق بابن القذافي المعتصم بالله. م اطلق سراحي وفي اليوم الثاني التحقوا بي لأن المؤتمر على الأبواب.
ذهبت الى المؤتمر وأشرفتُ عليه وحضر حمد بن جاسم وسلمت عليه. قال لي القذافي عليك ان تشكر هذا الرجل الذي اطلق سراحك فلولاه ما كنت لتخرج من السجن. طبعاً حمد بن جاسم تحدث الى القذافي وقال له: نوري رجل مخلص ومحترم وطيب ولا يستأهل السجن. انتهى المؤتمر وعند مغادرة القذافي قلت له هل أعود الى السجن ام أذهب الى البيت، قال الى البيت. وكان بعدها العيد 41 لما يسمى ثورة سبتمبر، وللأمانة هي في البداية كانت ثورة لأن من قام بها هم ضباط احرار ومخلصون لكن القذافي سرقها لغرض في نفسه والدليل انه انشق عليه الكثير من الضباط الأحرار وأعضاء مجلس قيادة الثورة.
كُلِّفتُ بمهمة في مالي وكنا في شهر رمضان وقمتُ بالمهمة بنجاح. وبعدها كانت الاحتفالات الكبرى التي حضرها القذافي، وأثناء الاحتفالات بأعياد الاستقلال والحرية لمالي تعرضتُ لحادثة وأحسست بأن القذافي يبيّت لي شيئاً لأنه كان مشمئزاً مني.
هل عبّر عن ذلك؟
- أذكر ان رئيس مالي امادو توماني توري الذي أطاحه لاحقاً انقلاب عسكري قال ان كل هذه الاحتفالات والاستعراض العسكري والقوات والإنزال المظلي الفضل فيها يرجع الى السيد نوري لما قام به، واستسمحكم بمنحه وساماً. رد عليه القذافي مستهزئاً وقال: «لو لم يفعل هذا لكنا قتلناه». أحسستُ بشيء من القلق. كان هناك ضابط اسمه العميد عبدالسلام الحاسين حضر إلى مالي على رأس مجموعة من القوات الخاصة الليبية لتأمين زيارة المقبور العقيد. جلستُ معه وسألني عن أسباب انزعاجي فأخبرته. والظاهر انه كانت لديه معلومة عما يدور. رده كان قطعياً اذ سألني هل بإمكاني ان اغادر ليبيا وأترك؟ الآن هو عميد يمسك العمليات للقوات الليبية. قلت له نعم. فقال هذه نصيحة أخ لك ان تغادر. ودعنا القذافي الذي طلب مني ان ارافقه كما يفعل دائماً. قلت لله انني مضطر للبقاء لأضمن ترحيل الجنود والآليات والطائرات. بعد مغادرة الطائرة قال لي الضابط الليبي: انا اهتم بالترحيل، وانت عليك المغادرة. سلمت عليه، وأخذت الطائرة الى تونس. مرضت ودخلت الى المستشفى. بقيت 3 أيام في تونس ثم توجهت بالباخرة الى مرسيليا في فرنسا، ونزلت في الفندق وكنت مريضا بالقلب وقال لي الطبيب انني احتاج الى علاج وقد يتطلب الامر اجراء قسطرة لتركيب دعامة. اخافني هذا الامر فسافرت الى ايطاليا وكان الكلام نفسه. اتيت الى الاردن واستُقبلت من جانب التشريفات الملكية وكانت المعاملة خاصة جداً. بقيت هناك، وبعد عشرة أيام تعبت وأخذوني الى المستشفى واضطروا الى إجراء قسطرة وركبوا دعامة، وتوقف قلبي لمدة عشر ثوانٍ عن النبض وتمت توعيتي بالصدمات الكهربائية وخرجتُ من المستشفى وتوجهتُ إلى فرنسا. آنذاك للأمانة لا أريد ان اتهم جميع الضباط وقيادات الأمن الخارجي بالعدوانية، لكن هناك من كان يوحي لهم من أقارب مجموعة القذافي لأن القذاذفة كانوا يخططون لإبعادي بأي شكل من الأشكال. فكانوا يحاولون الإساءة الى سمعتي دائماً. ذات مرة تمت تنحيتي وبعد أسبوع إعادتي من جديد بعد فشل مؤامرتهم. وكان سيف الاسلام القذافي يخطط لوضع شخص (في مكاني) من مجموعة تابعة له. أرسل مجموعة الى الأردن لدراسة شؤون البروتوكول ومراسمه، وكان بينهم واحد من القحصة (هم أقارب مباشرون للقذافي) واشترك في هذه المؤامرة لتنحيتي البغدادي المحمودي، وكان هناك صراع دائم بيني وبينه لأنه كان من مجموعة سيف الإسلام. لم تنجح المؤامرة وكان الصدام بيني وبينهم وقدمتُ استقالتي فرُفضت. وكان الصدام بيني وبين البغدادي المحمودي دائماً.
ما حدث أنني عدت الى فرنسا. هناك اتصلوا بالقذافي وأبلغوه بأنني هربت. القذافي خاف. وهو كان دائماً يخاف إذا سافرت حتى للعلاج. كان يتخوف ان أنشق خصوصاً انني تركت العمل معه في 1982 لمّا غادرت ليبيا. نُشرت مقالة ضدي في جريدة إيطالية وأعتقد أنها كُتبت بتعليمات لصحيفة إيطالية مأجورة، وفيها اتهام لي بالتخطيط للانقلاب على القذافي او للثورة في ليبيا.
لكن الثورة لم تكن بدأت بعد؟
- صحيح. اتصل بي المعتصم نجل القذافي فقلت له إنني مريض وأخضع للعلاج وسأعود بعده. قال لي يا عمي نوري (كانوا دائماً يخاطبونني عمي نوري) استمر في علاجك وحين ترجع نستقبلك. بعدها حدّثني سيف الإسلام، وعلاقتي به محدودة الى أبعد حد. كنت ألتقي به صدفة في بيت والده أو في الخيمة. سألني عن أحوالي وقال: هؤلاء كلاب ومخابرات. وصدرت بعض المقابلات الصحافية نقلاً عن مصدر موثوق به مقرب من سيف الإسلام تقول ان هذه مؤامرة من الأجهزة الأمنية ضد السيد نوري المسماري.
ماذا قال لك ايضاً؟
- سلّم عليّ. قلت له إنني متعب ومريض. فقال نأمل ان ترجع بالسلامة. وصدر هذا المقال. كانت المؤامرة تحاك بأن نوري سيهرب وينشقّ، فدبروا لي مؤامرة دنيئة مع النائب العام- تعرفون ان النائب العام يتبع وزير العدل لأن القضاء ليس مستقلاً- النيابات كلها تتبع وزير العدل وكان المستشار مصطفى عبدالجليل. وحاول عبدالله السنوسي وعبدالله منصور التنقيب في أوراق جهاز المراسم العام لتلفيق اي أي تهمة يمكن تلفيقها لكنهما لم يعثرا على شيء.
من هو عبد الله منصور؟
- كان عميداً في الجيش ومديراً للإذاعة الليبية ومن بعده أتى علي الكيلاني. وهو قريب لعبدالسلام الزادمة الذي كان من الأمن الخارجي ومات. كان أكبر مجرم ومشترك في التصفيات. كان مجرماً وشارك في تصفيات عدة لليبيين في الخارج. فمنصور والسنوسي حاولا تلفيق أي تهمة لي ولم ينجحا فطلبا من النائب العام في الاجتماع تلفيق تهمة لنوري المسماري بأي شكل من الأشكال، وكان هذا للأسف في ذاك الوقت بإشراف وزير العدل وبتعليمات من القذافي، ولُفّقت لي مؤامرة واتُّهمتُ بالمس بالمال العام. وكانت مؤامرة غبية لأن ميزانية جهاز المراسم كانت اسميّة للمراسم العامة وكانت تُدار من اللجنة الشعبية العامة التي هي رئاسة مجلس الوزراء.
لُفِّقت لك تهمة فاعتُقلتَ في فرنسا؟
- القذافي طلب من الفرنسيين ترحيلي الى ليبيا. رفض الفرنسيون. تم تدبير اتفاقية مالية (بين ليبيا وفرنسا) لشراء طائرات يشرف عليها محمد الحويج وزير الاقتصاد آنذاك، وتُقدَّر الاتفاقية بنحو مليار ونصف المليار يورو.
لشراء الأسلحة؟
- طائرات وتكنولوجيا وأمور متطورة. وهذه وضعت كوسيلة ضغط لترحيلي، لكن للأمانة (الرئيس الفرنسي السابق نيكولا) ساركوزي رفض، وقال ان الموضوع بيد القضاء. هدد القذافي بإلغاء الاتفاقية. أجابوه افعلوا ما تشاؤون ونحن لا نستطيع ان نرحل إلا بأمر من القضاء. أرسل القذافي مجموعة تحت إشراف ضابط من جهاز الأمن الخارجي، وهنا لا أريد ان أجزم ان جميع ضباط الأمن الخارجي من أعوان القذافي، هناك طبعاً أقرباء عبدالله السنوسي وعبدالله منصور وأقرباء القذافي وهم بالطبع مخلصون له، لكنْ هناك في جهاز الأمن الخارجي عدد من الوطنيين والثوريين والشرفاء قاموا بمساعدة ثورة 17 فبراير بكل ما لديهم. وهذا الضابط اسمه الأول سعد كان يعرفني جيداً، فطلب (القذافي) منهم الذهاب على رأس مجموعة لاغتيالي. الضابط المكلف كان قنصلاً في فرنسا ويعرفها. لم يحاول جدياً الإيقاع بي لأنه كان يعرفني جيداً ويعرف وطنيتي.
أُرسل الفريق الى فرنسا؟
- نعم. معظم القناصل كانوا ضباطاً في جهاز الأمن الخارجي وكانوا يمسكون مناصب قناصل عامة لهذه الغاية. السلطات الفرنسية عرفت ان هناك مجموعة وصلت لتصفيتي فتم اعتقالي وأُدخلتُ السجن وكانت المعاملة جيدة. هناك أمور أمنية وسياسية. كان المطلوب ان أبقى متحفّظاً عليها قدر الإمكان لأنه كان هناك تخطيط لقتلي بأي شكل من الأشكال. بدأت الاتصالات بي (من ليبيين) محاولين إقناعي بالعودة ورفضت. وتم تكليف محامٍ لي وبعدها اطمأنّ الفرنسيون حين اضطرت مجموعة الاغتيال الى المغادرة.
اتبع القذافي اسلوباً رخيصاً آخر بعدما أفرجَت المحكمة عني من دون كفالة مع حفظ حرية التنقل الى حين صدور الحكم، فأرسل إلي عبدالله منصور، وأذكر انني اجتمعت به في فندق «فوكيت» وصافحني وكان اللقاء جيداً وأبلغني تحيات «أخوك»- لا يقولون القائد بل يقولون اخوك. مثلاً طلب منك أخوك. اذا كان الحديث عن تعليمات او سواها. لهذه الكلمة معنى مختلف عن ذاك الذي يظنّه الناس انه يُستخدم للتقرُّب، بل هي بالعكس، تُستخدم كي لا تعود الكنية معروفة- قلتُ له انتم لفّقتم لي تهمة رهيبة هي المس بالمال العام، فقال انت تعرف ونحن لفّقناها تلفيقاً. فأجبته وتعترف بذلك. وكان هذا الحوار بشهادة ابنتي امال وثريا وشخص اسمه مالك بعيّو. قال انت تعرف أخاك. فقلت من اين هذه التعليمات؟ فأجاب: من أخيك، لكن ما ان تعود سنلغيها. فأجبته بأنني لن اتحرك من هنا إلا بعد ان تتنازلوا وتسحبوا هذا الاتهام شئتم أم أبيتم. ولم تنجح المحاولات. فقال: انت الآن علاجك على حساب الدولة الليبية وتعال اسكن في هذا الفندق «فوكيت» وإقامتك ستكون على حسابنا. المهم قَبِلت. لأنني كنت أريد ان أرى الى أين سنصل. مُنِعت عائلتي من مغادرة ليبيا. وأقاربي وأبنائي وأحفادي مُنعت عليهم المغادرة. وكانت هناك دائماً اتصالات بالهاتف من السنوسي وقال إنه يعطيني الأمان. لكن أنا كنت أقول: الثقة في محمد ومحمد مات. وحاولتُ ان أجد مبرراً وقلت إنني لا استطيع مغادرة فرنسا إلا بأمر من المحكمة، لكن هذا غير صحيح. حضر السفير الليبي آنذاك الدكتور صلاح الزارم وهو صديقي لكنه من مجموعة موسى كوسا، وحاول ايضاً إقناعي. ومن ضمنها كانت جلسة محكمة حضرها الزالم ومعه عضو من السفارة وأبلغنا القاضي بأن السفير ومجموعة موجودون، فأمر بتأجيل القضية. ورجعنا وحضر عبدالله منصور من جديد واجتمعت به وسألتُه كيف تقول لي «اخوك يطلبك ومنعتم أسرتي من السفر. حضرت ابنتي ثريا وآمال محاولتين إقناعي. وأثناء القضية حضرت ابنتاي ست الكل ومنال الى فرنسا للوقوف الى جانبي، وست الكل كانت مقيمة في الأردن لأن زوجها سكرتير أول في السفارة وامال وثريا كانتا في طرابلس ومنال حضرت من اميركا حيث تقيم ووقفن الى جانبي لأنني كنت مريضاً ايضاً. وأثناء ذلك اتصل ابني ايهاب المسماري الذي كان مستشاراً في سفارتنا في كندا وانشق. واتصل بابنتي آمال أكبر بناتي وقال لها ان كل مصاريف المحامي على حسابي ولا تقبضوا شيئاً من الحكومة الليبية وتحمّل كل التكاليف.
وكرر القذافي محاولاته؟
- حضر عبدالله منصور وحاول إقناعي ولم أقتنع وكنت متخوفاً. ابنتي ثريا طلبها معمر القذافي للحضور وذهبَتْ لمقابلته وقال لها نوري مثل ابني وأخي وأحبه وليقل أي منصب يريده. بالطبع بناتي لا يعرفن خفايا هذا الرجل. فأتين مبتسمات. كانت ثريا في جهاز المراسم وفي الوقت نفسه انتدبت سكرتيراً اولاً في سفارتنا في السيشيل وابنتي غادة ايضاً في السيشيل وهي أيضاً انشقّت. لم أقتنع. ثم حضر ابنه المعتصم بالله وطلب مقابلتي، هنا بدأت أشعر بالخطورة.
جاء المعتصم الى باريس؟
- نعم. وأقام في فندق «بريستول». وطلب مقابلتي وكان هناك تخوف من عملية خطف. فأبلغتُ السلطات الفرنسية، فطلبوا مني الذهاب وبصحبتي عناصر من الأمن الفرنسي.
اين اجتمعت به؟
- اجتمعت به ليلاً في فندق «بريستول» وكانت معي آمال وثريا. اجتمعنا به وكان لقاء جيداً، ولا أنكر ذلك. قال المعتصم: أهلاً عمّي نوري كيف حالك وماذا حصل؟ أخبرتُه. وكيف تسجن. كانت في تلك الفترة احداث ثورة يناير(كانون الثاني) بدأت في مصر. وكانوا ينقلونها عبر شاشات التلفزيون. التفتُّ الى المعتصم وقلتُ له: انظر ما الذي يحصل. عندها رد المعتصم للأمانة رداً غريباً، وقال: «هذه نهاية كل الديكتاتوريات».
التفتُّ صوبَ ابنتي ثريا وآمال، وكان المعتصم ذاهباً لإحضار شيء من غرفته لاحظت وجود نحو 15 زوج حذاء اعتقد انها لجماعته الذين كانوا معه. قالت ابنتي: ما هذا الرد؟ كان الرد عدائياً على والده. عاد. لم نستمر في الموضوع. كان معترضاً على كل ما يقوم به والده من تدخلات في شؤون الدولة والأمن. وقال لي بالحرف الواحد: أنا مستشار الأمن القومي صورة فقط، لا حول لي ولا قوة.
المعتصم الذي قتل لاحقاً؟
- نعم. قتله الثوار. قال لي المعتصم: طائرتي معي وغداً سأغادر فرنسا وأريدك ان تعود معي. قلت ان شاء الله سنرى وعدت الى البيت.
بناتي كن مهتمّات ورجونني ان أعود، وحاولن لكنني رفضت. اتصل بي مدير مكتبه وقالوا: نحن أجّلنا السفر وسنسافر غداً، فعمّي نوري جهز نفسك ومستشار المعتصم يُسلّم عليك ويطلب منك ان تجهز نفسك لأننا سنغادر. فقلت انه لا يمكنني المغادرة لأن لدي موعداً لكشف طبي. حصل صدام بيني وبين بناتي لأنهن كن مقتنعات بالكلام الذي سمعنه. سواء ما سمعته ثريا من القذافي في طرابلس وسواء ما قاله المعتصم او ما قاله عبدالله منصور ان عملية الاتهام تلفيق وبأمر من القذافي ستتم ازاحتها. لكنني أصريت. غادر المعتصم وأتى السفير ومعه محام ليبي مقيم في فرنسا محاولين اقناعي لكنني رفضت. طلبوا مني ان اقول للقضاء الفرنسي يوم المحاكمة انني قررت العودة الى ليبيا فيسمحون لي بذلك. مغادرتي فرنسا من عدمها قرار لي لأن المحكمة لم تضعه شرطاً ولا حتى كفالة. بالنهاية إرضاءً لآمال وثريا قررتُ المغادرة والعودة الى ليبيا، وخلال وجودي في المطار حضر احد أعضاء مكتب المحامي الفرنسي. قال إنه يفضّل ألا أعود الى ليبيا. وأضاف: العودة ليست في مصلحتك وقد تكون هناك أخطار. عندها ألغيتُ السفر واسترجعتُ التذكرة وعدتُّ الى الفندق وبدأت بوادر الثورة. وظهرتْ دعوات لجعل يوم 17 فبراير يوم غضب وبدأتْ التحركات على فايسبوك وكنت أُتابعها وكان يتصل بي بعض الأصدقاء. وكان يوم 17 يوم الغضب. حصلت الانتفاضة يوم 14 في البيضا حيث قبيلتي قبيلة المسامير والبراعصة وقبائل أخرى. منطقة الجبل الأخضر كلها قبائل قوية منها العبيدات... المهم بدأت الاحداث وحصل ضرب. يوم 17 مصادمات، 18 مصائب، 19 بدأ الضرب. انا انزعجت. يوم 20 كان القتل ساحقاً. في اليوم التالي ظهرتُ على «الجزيرة» وأعلنتُ انشقاقي.
كنتَ أول المنشقين؟
- نعم أنا الأول. وبعدي مباشرة احد اعضاء المراسم كان منتدباً في الصين حسين المصراتي وبعدها انشق السفير في االهند... ثم السيد مصطفى عبد الجليل وبدأت الثورة.
عملتَ مع القذافي مديراً أميناً لجهاز المراسم العامة من العام 1997 حتى العام 2010، هذا يعني أنك كنت الرجل القريب من القذافي؟
- وقبلها أيضاً عملت معه من العام 1977 حتى العام 1982، ثم غادرت.
إذا أردنا ان نصف شخصية القذافي، كيف نصفها؟
- القذافي شخص مغرور يعتقد انه الوحيد الذي يعرف والوحيد الذي يفهم، وأنه شخص ضليع في القانون والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والسياسية. الكلمة الأولى والأخيرة له ولا يقبل ان يعارضه احد. يحب التباهي ويميل إلى من يشيد به ويقول عنه انه كبير وأنه أعظم شخص. ثم ان أي شخص ينصاع له يحصل منه علىا مكاسب وهذا ينطبق ايضاً على رؤساء الدول.
على سبيل المثال، من هم رؤساء الدول الذين عنيتهم بكلامك؟
- بعض الرؤساء الأفارقة.
لم تعد ثمة حاجة للتكتُّم؟
- لا أريد أن أتعرّض لتلك الأسماء. انا سأكتب كتاباً محاولاً عدم التجريح بأولئك الرؤساء.
لكن تلك الحقبة ستتكشّف في النهاية؟
- إن شاء الله في فترات مستقبلية سأتحدث عنهم. كان هناك رؤساء أفارقة يؤثر عليهم القذافي، مثل رئيس الكونغو برازافيل ساسو نغيسو، ورئيس مالي امادو توماني توري، وكان رئيس نيجيريا اباسانجو متقلباً، مرة كان مع القذافي ومرة أخرى ضده. وكان من ضمن الرؤساء المؤثَّر عليهم من جانب القذافي ويمتصهم بأمواله رئيس ليبيريا الديكتاتور السابق المسجون تشارلز تايلور. وكان القذافي على علاقة وطيدة برئيس بوركينا فاسو بلايز كامباوري، لكن هذه الصداقة حصل فيها انشطار نتيجة زيارة كامباوري اسرائيل. وكان أيضاً مؤثراً على الرئيس الغاني جيري رولينغز، وكان له تأثير كبير على رئيس سيراليون كما كان للقذافي تأثير نسبي على رئيس ساحل العاج، وتأثير على رئيس افريقيا الوسطى بوزيزي، وهذا ايضاً كان مدعوماً من رئيس تشاد ادريس ديبي ووصل الى السلطة في ظله وانضم الى جناح القذافي. لكن بين القذافي وبين ادريس ديبي كان يحصل تقارب في بعض الأحيان وابتعاد في أحيان اخرى، وفي الفترة الأخيرة كان هناك تقارب بينهما.
هؤلاء الرؤساء كانوا يتقاضون اموالاً من القذافي؟
- من دون شك، مساعدات واستثمارات في بلادهم. والاستثمارات والهدايا كانت من مسؤولية مدير مكتب القذافي السيد بشير صالح الذي كان يتصرف بتعليمات وأوامر، وكان يمسك المحفظة الافريقية.
وعلى أيّ من الرؤساء العرب كان القذافي مؤثراً في السنوات العشر الاخيرة؟
- كان تأثير القذافي على الرئيس التونسي زين العابدين بن علي مؤكداً. وبين القذافي والرئيس عبد العزيز بوتفليقه كان هناك نوع من البرود، لكن في بعض الأحيان كان يتم التقارب بينهما. في بداية الأمور كان هناك انشقاق بين بن علي والقذافي لكن عاد التقارب من طريق أنسباء زوجة بن علي وعائلة صهر بن علي، وخلال زيارات القذافي لتونس كانت تقام له حفلات كبيرة. كان القذافي في السنوات الأخيرة يدعم صاحبي القرار في تونس ومصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.