في الوقت الذي تتم فيه بالتزامن تقريبا أكثر من انتخابات في السعودية، أكبرها في المجالس البلدية، وأخرى لا تقل أهمية عنها هي انتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية، وإن كانت أكثر نخبوية، يستمر تصاعد الجدل حول الأخيرة، بعدما استمر مسلسل التشكيك والانتقاد لها مع مضيها من محطة ناد إلى آخر. وتأتي أبرز الانتقادات من أن آلية انتخابات الأندية الأدبية تفتقد ل "الشفافية"، حيث ركزت على آلية الكترونية لا يستطيع معها الناخب التأكد حتى من وصول صوته لمرشحه، كما لا يمكن لأي مرشح خاسر معرفة عدد الأصوات التي صوتت له، وهو ما جعل الأصوات تتعالى مرة أخرى مطالبة أن تحذو الانتخابات الثقافية حذو انتخابات المجالس البلدية التي تعتمد آلية "ورقية"، وينظر لها على أنها أكثر مصداقية وبعدا عن التزوير وأكثر واقعية ودقة. انتقادات متوالية ولعل أقرب محطة وصلها قطار الانتخابات الثقافية كان في نادي جازان الأدبي الواقع بجنوب غرب السعودية، حيث انتقد عدد من المرشحين الذين خرجوا من القائمة النهائية الوضع، معتبرين أن آلية هذه الانتخابات تفتقد للشفافية، خصوصا في ظل تقدم أكثر من نصف الجمعية العمومية بطلب للوزارة لتحويل الآلية إلى ورقية، ولكن طلبهم قوبل بالرفض بحكم أن الآلية ستكون الكترونية، وأنها بذلك ستكون أكثر شفافية. ولم تقنع ردود الممثل القانوني للجنة الانتخاب المكلفة من وزارة الثقافة والإعلام مبارك الدوسري أعضاء الجمعية العمومية، ومن ذلك ما قاله الدكتور والشاعر محمد حبيبي ردا عليه "هل اللائحة موجودة على موقع الوزارة؟ وهل آلية المجالس البلدية أرقى من وزارة الثقافة؟"، فيما رد الممثل القانوني "أن الآلية معتمدة، واللائحة واضحة"، مؤكدا أن "اللائحة نشرت في وسائل الإعلام المختلفة، ولا علاقة لنا ببرامج المرشحين، فلهم الحرية في إعلانها أو عدم إعلانها". الحل سهل ومن جهته، علق الكاتب السعودي الدكتور عبد الرحمن الحبيب قائلاً: "من بين كل الانتقادات التي وجهت للانتخابات لم نشهد تشكيكا في نزاهة الانتخابات أو اتهامات بالتزوير مثلما نراه الآن في انتخابات الأندية الأدبية التي أطلقتها أسماء عديدة ذات وزن مهم في المشهد الثقافي". وأضاف الحبيب: "لا نريد تطبيعا مع هذه الثقافة التزويرية، الحل سهل جدا، بيد وكالة الوزارة للشؤون الثقافية التي يمكن لها أن تغلق باب التشكيك بالموافقة على المطالبة بالتصويت الورقي، مع تمكين المرشحين من الاطلاع على النتائج مباشرة، خاصة أنه لا يوجد مانع قانوني من ذلك". وقال مصدر مطلع ل"العربية.نت" طلب عدم ذكر اسمه إن توجه الوزارة بدأ بعد وصول ما وصف بالمد الإسلامي، وسيطرته في أول انتخابات تمت بنادي مكة الأدبي، حينها شرعت الوزارة بطريقة ما، تسعى من خلالها لوجود توازن، بحيث يكون هناك ضمان لحصول المرأة على مقعدين كحد أدنى، وحضور للمحافظين، ولكن بدرجة أقل لا تزيد عن ربع مقاعد المجلس المكون من 10 مقاعد، مفسرا ذلك بأنه وراء كل الإشكاليات التي حصلت في أكثر من ناد أدبي بعد إجراء انتخاباته، حيث إن لجنة الوزارة هي التي تنفذ الاقتراع ويمكنها التحكم في الآلية الالكترونية. مؤكدا أن "التزوير حاصل لامحالة". وبيَّن الشاعر والكاتب بصحيفة "الوطن" السعودية أحمد السيد أن "جهاز التحكم الذي يعطي للناخب التصويت، هو الجهاز الذي لا يحمل اسم أي شركة مصنعة، ولا أي بلد تصنيع، أي بلا ذمة نهائيا، وأن أدوات التصويت موجودة على يسار الجهاز (yes , no, abs)، لكن طلب منا فقط الضغط على رقم 1، أخشى أننا كلنا من جنبها". وأضاف: "وما يزيد الريبة، هو عدم معرفة الناخب بأن صوته ذهب لمن يستحق، أم عُدل مساره أم أنه لم يخرج من "الريموت" نهائيا، كما أنه لا يظهر عدد المصوتين لكل مرشح، يقولون لنا الريموت مجهز تلقائيا لقبول الضغط على أي زر فيه لتتم عملية التصويت، أي زر وليس الرقم 1 فقط، فكيف تمت إعادة برمجة الجهاز بطريقة كهذه؟" النفي الرسمي وردا على ذلك، ظهر مدير عام الأندية الأدبية بوزارة الثقافة والإعلام عبدالله الكناني ليرد عبر تصريح لصحيفة على السؤال الأهم عن عدم تضمين آلية الاقتراع الإلكتروني كشف قائمة المصوتين لكافة المرشحين لمجلس الإدارة، بدلاً من الاقتصار على إعلان النتائج للعشرة الفائزين. وقال الكناني: "الأمر أبسط من أن يذهب به البعض- وهم قلة- إلى مساحة التهويل، فالمقاعد العشرة هي مقصد كل الناخبين، فعدم إعلان الأصوات التي حصلوا عليها محكوم بهذه النظرة، وليس غيرها، لأن الجميع في النهاية فائزون". وأردف الكناني: "نحن نعمل تحت الضوء، ولا نشغل أنفسنا بمثل هذه التعميمات، فمن كانت لديه قضية عادلة موثقة فليتقدم بها إلى رئيس لجنة الإشراف على الانتخابات، وهذا ما نصَّت علية اللائحة التي نحتكم إليها". وعاد الكناني إلى القول عقب نهاية الانتخابات في أدبي الإحساء: "كانت لدينا المقدرة على إظهار الأصوات بعد نهاية التصويت لكل مرشح، ولكننا حجبناها خوفاً من الضغط على نفسيات المرشحين". تهديدات وأفاد الناقد والشاعر محمد الحرز تعقيبا على ما حصل من إشكاليات في انتخابات أدبي الإحساء: "هناك مؤامرة كبرى تم إعدادها لتزوير انتخابات نادي الإحساء الأدبي بهذا الشكل المؤسف، والذي ولد أزمة ثقة في انتخابات الأندية الأدبية بشكل عام" . وأوضح الحرز بأنه تم تهديده بأنه سيحرم من دعوته لأي رحلات ثقافية خارج المملكة، وبعدم دعوته لأي محفل ثقافي تقيمه الوزارة مستقبلاً إن هو اتخذ موقفاً معاكساً لتوجه وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية. تدخل صريح وفي نادي الرياض الأدبي، أعلن رئيس النادي الدكتور عبد الله الوشمي انسحابه من ترشيحات مجلس إدارة النادي بعدما قامت وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة بمطالبة النادي بتمديد فترة التقدم للترشيح، وتسربت بعض الأسماء التي قيل إنها طلبت ترشيحها للوزارة. ومن جهتها، علقت الناقدة والكاتبة سهام القحطاني على ذلك بقولها: "انسحاب الوشمي.. فضيحة جديدة ل"وكالة الثقافة"، لماذا سقط الوشمي من حسابات وكالة الشؤون الثقافية، والذي دفع فاتورته بقرار انسحابه من الترشح، لأن الوشمي هو المسؤول الثقافي الوحيد الذي "فضح تدخل" وكالة الشؤون الثقافية في الانتخابات، بعدما أعلن ربط شرط التخصص لقبول عضوية الجمعية العمومية برغبة الوزارة وما نتج عنه من تداعيات". وأضافت القحطاني: "الوشمي رفع الغطاء عما يدور في كواليس وكالة الشؤون الثقافية من تحكم في لعبة انتخابات الأندية، مما يعرض استقلالية تلك الانتخابات إلى تدخل القرار الرسمي في تحركاتها". وأشارت إلى أن الوقفة الثانية للوشمي جاءت من خلال مطالبته بالاقتراع الورقي بدلاً من الإلكتروني الذي يُتيح "شبهة التجاوز" التي قد تسعى إليه الوكالة لحصول أنصارها أو من تريدهم على الفوز". ووصفت الناقدة ذلك بأنه سبب أيضاً "قلقاً" للوكالة فيما يتعلق بتهديد سيطرتها على التحكم في الأصوات والنتائج، ووصول مثقفين من الدرجة الثانية أو الموالين للوزارة لإضعاف قدرة الأندية فيما بعد على إحداث أي تغيير ثقافي، أو هكذا أعتقد". مشاكل تقنية ونقلت صحيفة الوطن في عدد سابق عمن وصفتهم بالمشككين في نتائج الانتخابات الأدبية في أدبي الإحساء قولهم: "الاقتراع الإلكتروني أبعدنا من قائمة الفائزين، والعملية الانتخابية افتقدت عنصري الشفافية والنزاهة"، وأوضح أحدهم- طلب عدم نشر اسمه- أن مجموعة كبيرة من زملائه أعلنوا دعمهم لأحد المرشحين ودخلوا القاعة للتصويت له فقط، ومع إعلان النتيجة لم يفز مرشحهم بالرغم أن عددهم يفوق عدد أصوات من صوتوا لبعض الفائزين. أما رئيس النادي السابق الدكتور يوسف الجبر، فعبر عن اعتقاده بوجود مشكلة تقنية أثناء العد وإعلان أسماء المرشحين، ما تسبب في ترحيل أصوات مرشحين إلى مرشحين آخرين، موضحاً أنه لا يستبعد حدوث مشكلة في أجهزة التصويت لرداءة التصنيع. فيما قال الدكتور خالد الحليبي: "أحذر بقية الأندية من أن تقع في المطب نفسه، عيب الاستخفاف بعقول الناخبين في الأحساء، ويبدو لي أن قائمة الفائزين "معدة" مسبقا، وإلا فكيف يكون مجموع من صوتوا للعشرة الفائزين يفوق عدد الحاضرين، حيث إن الحاضرين 456 عضواً، والأصوات بلغ مجموعها "للفائزين فقط" 505 أصوات". وكتب في تقرير سابق لصحيفة "شمس" الالكترونية السعودية تحت عنوان: تعليم "حلاقة" في رؤوس الأندية الأدبية: "تراجع الحماس للعملية الانتخابية صار السمة الأبرز للمثقفين في مختلف المناطق، مشكلة ورقي أو إلكتروني هي الأبرز في دورة الانتخابات الأولى، الأزمة التي تأججت بعد النتائج التي أعلنت عقب انتخابات نادي الأحساء والتي زاد عدد الأصوات فيها على عدد المصوتين". وأضاف التقرير أن لجنة الانتخابات رفضت قبول الطلب بالتحول للورقي عندما طالبتها أغلب الجمعيات العمومية بذلك، رغم أن وكالة الثقافة أقرت ذلك مسبقا". ومن جهتها، علقت الناقدة الدكتورة لمياء باعشن على هذا الموضوع بقولها: "هناك مساحة كبيرة للشك، لماذا يرفضون مطالبات الورقي؟ يفترض من المثقفين ألا ينتخبوا، ويقاطعون الموقف المعلن للوزارة، والأجهزة أثبتت فشلها من خلال بروفات الانتخاب التي أجريت في الرياض، العالم كله على مستوى الرؤساء ينتخب بالورقي، حتى لو كانت الأجهزة دقيقة نريد الورقي".