متجاهلاً كل ما أثير من جدل "ديني واقتصادي"، خلال الفترة الماضية، حول أزمة الاكتتاب عامةً؛ يدخل البنك الأهلي في تحدٍّ جديدٍ بالمملكة، يوم الأحد (19 أكتوبر 2014)، مع بدء اكتتاب 25% من أسهمه، أي بما يعادل 500 مليون سهم من أسهم البنك البالغة ملياري سهم. ويصل سعر السهم الذي يجرى الاكتتاب عليه "45 ريالاً" بقيمة إجمالية تبلغ 22.5 مليار ريال، ويستمر لمدة أسبوعين ينتهي الأحد (2 نوفمبر 2014)، وسيتم تخصيص 300 مليون سهم من أسهم الاكتتاب للمواطنين، تعادل نسبة 15% من رأسمال البنك، فيما سيتم تخصيص 200 مليون سهم من أسهم الاكتتاب، تعادل 10% من رأسمال البنك، للاكتتاب بها من قبل المؤسسة العامة للتقاعد. ويعد الاكتتاب في البنك ثاني أكبر اكتتاب في العالم للعام 2014، بعد مجموعة علي بابا الصينية التي جمعت قبل شهر نحو واحد 20 مليارًا و800 مليون دولار، بعد بيع 320 مليون سهم، ويتوقع أن يشهد إقبالاً كبيرًا من الجمهور؛ نظرًا إلى أهميته في السوق السعودية ودول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط. وخلال الأسابيع الماضية، أفتى عدد من العلماء ورجال الدين البارزين في المملكة، بعدم جواز الاكتتاب في أسهم الأهلي التجاري، وأرجعوا ذلك إلى وجود معاملات اعتبروها محرمة وفوائد ربوية في القوائم المالية للبنك. لكن اقتصاديين وخبراء هوَّنوا من تأثير وجهات النظر تلك على الإقبال على الاكتتاب الذي يتاح للمرة الأولى السعوديين فقط، دون مشاركة المؤسسات المالية فيما ينظر إليه على أنه أحد السبل لتوزيع الثروة النفطية الضخمة التي تتمتع بها المملكة. "تحفظات دينية" يترقب المستثمرون تدشين الطرح منذ أن أعلن وزير المالية إبراهيم العساف في فبراير عن خطط إدراج الأهلي التجاري. وتزداد أهمية الطرح بفضل توقيته؛ إذ يأتي قبل أن تفتح هيئة السوق المالية البورصة أمام الاستثمار المباشر من المؤسسات المالية الأجنبية في النصف الأول من العام المقبل. ومنذ الإعلان عن تلك الخطط، أصدر عدد من رجال الدين والعلماء البارزين فتاوى تحرم الاكتتاب في أسهم أقدم بنك في المملكة، وقالوا إن قوائمه المالية تنطوي على معاملات "ربوية ومحرمة"، وفقًا لما ذكرته "رويترز". وفي أحد برامج التلفزيون السعودي، هذا الأسبوع، قال الشيخ عبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء، ردًّا على سؤال حول جواز الاكتتاب في أسهم البنك التجاري: "الذي يظهر لي الآن أنه لا يجوز؛ لأنه لا يزال عند البنك معاملات محرمة كثيرة جدًّا". وأضاف: "هذا البنك عملاق، والدولة تملك فيه أجزاء كبيرة، ويعتبر من البنوك الرائدة في المملكة. والله يؤسفنا أننا نقول للناس: (لا يجوز)، لكن ديننا غالب.. نسأل الله تعالى أن يوفق المسؤولين في البنك وفي المؤسسات المصرفية أن يهيئوا الأجواء المناسبة لإخوانهم المستثمرين بالطرق المباحة شرعًا". وحرم الشيخ سعد الخثلان عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود أيضًا الاكتتاب في أسهم الأهلي التجاري، وقال إن نشرة الإصدار أوضحت "نسبة كبيرة من القروض والتمويلات المحرمة وسندات دين بفوائد ربوية". وفي يوليو، قال الشيخ محمد بن سعود العصيمي الذي يتابع عدد كبير من المتعاملين بالبورصة آراءه عن كثب للاستثمار في الشركات المتوافقة مع الشريعة؛ إنه "لا يجوز شرعًا" الاكتتاب في أسهم الأهلي التجاري؛ لأن البنك "يشغّل نحو 50% من الودائع في جوابٍ محرمة". لكن لا يحمل كل رجال الدين الرأي نفسه؛ إذ قال الشيخ عادل الكلباني إمام الحرم المكي سابقًا، في تغريدة له على موقع تويتر؛ إنه يرى أن البنك الأهلي التجاري مثله مثل مصرف الراجحي، مشبهًا المصرفين بشخص ملتحٍ وآخر بدون لحية، في إشارةٍ إلى الطابع الإسلامي لمصرف الراجحي. وقال: "مسكين هالمواطن... إن اكتتب قالوا ما فيك دين، وإن ما اكتتب قالوا ما عندك وطنية. الواقع أن الراجحي مثل الأهلي بس ذاك ملتحي وذا حليق". ولم يعلق مسؤولون في الأهلي التجاري على آراء رجال الدين، لكن البنك أصدر مساء الاثنين، بيانًا قال فيه إن البنوك المستلمة أتمت كافة الاستعدادات اللازمة لإنجاز الاكتتاب الذي سينطلق يوم الأحد وينتهي في الثاني من نوفمبر المقبل. "اقتصاديون يشجعون" على الجانب الآخر، أبدى عدد من الخبراء ورجال الاقتصاد تفاؤلهم بتغطية كبيرة للاكتتاب؛ نظرًا إلى قوة البنك ومتانة قوائمه المالية وما يوفره من فرصة استثمارية كبيرة. ويقول الاقتصادي البارز عبد الوهاب أبو داهش: "في المصرفية ليس هناك ما يسمى بنك إسلامي أو تقليدي. هناك منتجات متوافقة مع الشريعة قد تختلف من لجنة شرعية لأخرى في إجازتها". وتابع: "أعتقد أن الاكتتاب سيتغطى بأكثر من 50 مليار ريال. البنك مر بعملية تنظيف للقوائم المالية منذ عام 1990 وحتى الآن، وهو واحد من أفضل البنوك السعودية أداءً، ولديه قوائم مالية قوية جدًّا، وهذا يدعو للاطمئنان". من جانبه، قال مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال: "التصادم بين المشايخ والاقتصاد أمر سلبي من قديم الأزل، لكن ذلك لن يمنع المواطن العادي من المشاركة في الاكتتاب وتغطيته بأكثر من مرة". وقال: "الأهلي التجاري ليس منتجًا جديدًا ليقال: هو حلال أم حرام، بل هو أكبر بنك سعودي وحاضر في حياة المواطنين منذ 60 عامًا، ويسهم بنحو 16% من حجم الإقراض المصرفي بأكمله، ولديه أكبر قيمة للأصول بين البنوك السعودية". وأضاف السديري أن إجمالي ودائع البنك يتجاوز 345 مليار ريال، فيما تبلغ أصوله 435 مليارًا.