استبعد خبراء فيروسات عالميون أن تنجح الحكومة السعودية بالتعاون مع شركات طبية في إنتاج لقاح جديد يقي من متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا)، وذلك بسبب قلة المصابين بالمرض مع ارتفاع تكلفته. ويقول خبراء الفيروسات إن المعرفة المتاحة في مجال الكيمياء الحيوية تتيح إنتاج لقاح ضد الفيروس، ولكنهم يتساءلون: لماذا تريد السلطات السعودية إنفاق الملايين في تطعيم مواطنيها ضد مرض لم يصب به إلا بضع مئات؟! وهم يرون أن من الأفضل كثيرًا تحديد مصدر العدوى الذي هو على الأرجح بين حيوانات- ربما تكون الإبل أو الخفافيش- ثم وضع استراتيجية للقضاء على الفيروس من المنبع، بحسب تقرير لوكالة "رويترز". وقال إيان جونز، خبير الفيروسات بجامعة ريدينج في بريطانيا، وهو يتابع انتشار المرض منذ بدايته "فكرة إنتاج لقاح ضد فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية محفوفة بالمشاكل." وأضاف: "المسألة قد تشيع نوعًا من الرضا في نفوس الناس. بالإمكان قطعا تحقيق ذلك من منظور الكيمياء الحيوية ولكن لا طائل منه من الناحية العملية"، متسائلا: "من الذي ستقومون بتطعيمه؟.. هل ستقومون بتطعيم كل السكان في حين أن عدد المعرضين للإصابة يبدو ضئيلا جدا؟." وظهر الفيروس لأول مرة في ابريل 2012 وأصاب 250 شخصا توفي منهم 93 في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وشمال إفريقيا. ويمكن أن يتسبب المرض في السعال وارتفاع درجة الحرارة والالتهاب الرئوي وقد يفضي إلى الوفاة. وحتى الآن تبلغ نسبة الوفيات نحو 30 بالمائة. زيادة حادة في إصابات المملكة ارتفع عدد المصابين بشدة في المملكة، خلال الأسابيع الأخيرة، ما زاد الضغوط على الحكومة لتبين أنها تعمل على حماية المواطنين. ومن بين 91 حالة جديدة أعلنت المملكة ظهورها منذ بداية أبريل ظهرت 73 حالة في جدة، وكثير من المصابين يعملون في مجال الرعاية الصحية. ولم يتسن الاتصال بمتحدث بوزارة الصحة للتعليق، لكن ارتفاع عدد الإصابات يؤجج الشائعات ويزيد من انعدام الثقة ويشيع القلق بين الناس. وزادت مبيعات الأقنعة الواقية ومنتجات تطهير الأيدي ويبدي البعض قلقا من الذهاب للمستشفيات أو حضور الجنازات تجنبًا للاختلاط بمصابين بالفيروس. وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية في جنيف، أمس الجمعة، إن المنظمة تشعر "بقلق" من زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا في السعودية. وأضاف أن "هذا يبرز ضرورة معرفة المزيد عن الفيروس وعن كيفية انتقاله وعن مسار العدوى." ووسط القلق المتصاعد، تقول الحكومة إنها دعت خمس شركات بارزة لصناعة اللقاحات للتعاون معها من أجل تطوير لقاح للفيروس. ولم تذكر أسماء الشركات أو تفاصيل أخرى واكتفت بإيضاح أن الشركات من أمريكا الشمالية وأوروبا وأن بعضها سيزور المملكة قريبا لمناقشة كيفية إنتاج لقاح بتكلفة معقولة. ونظرًا لعدم تجاوز حالات الإصابة على مستوى العالم بضع مئات في حين أن حالات الوفيات تقل عن مائة، يعتقد العلماء أن أسباب تركيز مسؤولي المملكة على اللقاح سياسية في الأساس. وقال بارت هاجمانز خبير الفيروسات في مركز إراسموس الطبي في روتردام بهولندا: "أشك أن تهتم شركات إنتاج اللقاحات بتطوير لقاح للبشر في هذه المرحلة." وأضاف: "هذا ما عرفناه بالفعل من خلال الكثير من حالات العدوى الفيروسية التي تصيب عددًا محدودًا من الناس وهذا ما يتفق مع المنطق السليم والمعلومات العامة." الإبل في الصورة يعكف الباحثون في أنحاء العالم على فحص ملابسات الإصابة بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية منذ ظهوره لأول مرة في 2012. وينتمي الفيروس لعائلة متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) الفتاك الذي تفشى في عام 2003. وفي البداية ربط العلماء الفيروس بالخفافيش وكشفت الأبحاث أن حالات العدوى بالفيروس أو الدلائل على وجوده منتشرة بين الجمال العربية في الشرق الأوسط. وقال هاجمانز "إن جميع الأدلة تشير حاليا إلى الجمال" كمصدر محتمل لانتقال العدوى للإنسان. وهو يتفق مع إيان ليبكين مدير مركز العدوى والمناعة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة على أن تطوير لقاح للحيوانات ربما يكون أكثر فعالية على المدى الطويل في احتواء الإصابات بين البشر. وذكر أن محاولة احتواء انتقاله من الحيوانات- التي ربما كانت الإبل في هذه الحالة- إجراء منطقي من جهة الصحة العامة، فمعايير الاختبار والتجارب في حالة إنتاج لقاح محتمل للحيوانات أيسر كثيرا منها في حالة البشر التي تتطلب تجارب معملية كاملة تستغرق عدة أعوام قبل الإقرار بسلامة المنتج وفعاليته والتصريح بطرحه في الأسواق. لذا يتساءل البعض عن سبب تفادي سلطات المملكة الحديث عن احتواء المرض بين الإبل في حين يبدو أن علاج المرض من منبعه أو حتى حماية الحيوانات نفسها قد يكون هو الحل الأنجح. ويخشى ليبكين أن يكون القرار السعودي متأثرًا بوضع الإبل في المملكة، حيث لها قيمة ثقافية ومالية كبيرة، فضلا عن الإعجاب بجمالها وتقدير دورها في الرياضة وتناول حليبها ولحومها. ويقول إن صورة الإبل كحيوانات جميلة ذات قيمة قد تهتز إذا تبين وجود رابطة وثيقة بينها وبين فيروس خطير وفتاك. وأضاف: "تذكروا الضجة التي حدثت (بين محبي الكلاب في الغرب) حين بدأ أناس يقتلون الكلاب خوفا من انتشار داء الكَلِب. أبناء المملكة يكنون نفس المشاعر تجاه الجمال".