كانت سوريا بالنسبة لي في الثمانينات هي قصص غرام ومغامرات من شباب أكبر منا سنا , يتغنون في حي التجارة بدمشق, ويتحدثون عن ملذات أقرب للخيال ... ويحملون في جيوبهم أرقام الهاتف الثابت, و صور لبنات لم نرى أجمل من تلك الوجوه , و أسماء لا نعرفها في حارتنا , بل نغمة هذه الأسماء تثير لوحدها وتبهرنا , وأصبحت سوريا منذ ذلك التاريخ هي حي التجارة و كذلك بلد البنات بأشكال وألوان فقط , فاختزلنا كل هذا البلد في هذا الحي, ولم نسمع عن أحزاب أو حروب لبنان أو أحداث حماة في تلك الفترة فالعالم مختصر لنا بنشرة أخبار لا نعرف فيها إلا ياسر عرفات وين راح وين جاء وقضية فلسطين, وأهم من الأخبار عندنا المصارعة الحرة تعليق إبراهيم الراشد .... كان الشباب السعودي في الثمانينات مخيف مرة يتكلم لك عن نفسه كأكبر عربيد وزير نساء في حي التجارة بدمشق , وبعد فترة تلقاه ملتحي ويمشي بسرعة والمسواك ما يفارقه ,ويسلم عليك وهو مستعجل ويختفي شهور وننشد عنه يقولون ما شاء الله راح للجهاد بأفغانستان و يتدرب في معسكر الفاروق في بيشاور ... ونقول والله مبسوط ويا حظه يسافر مره لسوريا ومره لأفغانستان مع أن الفرق بينهن كبير حتى لو كان المسافر واحد. هكذا كنا في الثمانينات ولي مع هذه الفترة وما قبلها الكثير من الوقفات وكتاب قريب , نرجع لسوريا اليوم , هل يعقل أن يترك الشام كل هذه السنين لحزب يحارب الإسلام و يضع ذلك في دستوره , ودمر كل ما هو جميل في الشام من قتل لأهلها وسيطر على اقتصادها و أسواقها واحتقر علمائها و نهب خيراتها وحتى تراثها , وحول عاصمة الأمويين والشرف والكرامة وريفها الذي خرج منه عز الدين القسام , إلى عاصمة الطائفيين والشبيحة والقتلة والانتهازيين و المراقص وبنات الهوى وعراة الفكر الشيوعي والبعثي ومدعي الفكر الليبرالي و المفكرين العرب أو المخرفين العرب في زمن حافظ ومن تخاريفهم : أن من يضع اسم الله أو آية من القرآن أو الحديث يضعف لديه النص الأدبي نثرا أو شعرا أو مقالا . إن ثورة سوريا هي عودة لأهل الشام وإن دمر المباني وقتل وتجبر , ولكن وبحق عادة لنا الشام وعرفنا رجالها ونسائها وبطولاتهم وصبرهم, أجل هذه الشام التي قرأنا عنها في مجدها وفتوحات صحابة رسول الله لها , و تاريخها الأموي وابن تيمية وعلمائها ومفكريها ومكتباتها ومخطوطاتها , ومساجدها وكنائسها وتعايش أهلها وصمودها وثوراتها العربية ضد الفرنسيين ,وليست سوريا شقة حي التجارة وتلفونات بالجيب وملاهي حتى الصباح , إنها ثورة كرامة ومعرفة رجال البطولة والصبر والمواقف... لن أكتب إلا لك يا سوريا الصالحية ويا حمص الأبية ورائحة مبانيك وتاريخك المجيد وحلب الشهباء ودمشق الصابرة ورجال الحرية والمجد العروبي القادم من وسط أحياءك وشوارعك لينقض على قصر الطاغية ومن معه, أحببتك يا شام حتى لو لم أتشرف بزيارة ترابك طول حياتي السابقة ولكن وبإذن الله لن أفارقك بعد اليوم , ولن أكتب إلا لك حتى تنتصري وتعودي سوريا العرب ومنارة الإسلام, وعندها سنكون هناك في محراب أبو الدرداء وجامع الأمويين و أهل الحديث وحراسه.... ختاما يا شام لك قلبي ومحرابي ودعائي في ليل فارقه المنام . د . سلطان بن فيصل السيحاني المدرب والمستشار التربوي والأسري