يمنُ السعادةِ أصبح وقد سكن الحزن فؤاده . يمنُ الجِنان أضحى وقد تبدلت حدائقه الغنّاء جفاءً وجفافا . يمنُ الخير والحكمة بات يئن تحت وطأة الأسى والعُسر والشتات . ذاك الجسد اليمني , الذي تجري في عروقه دماء الإسلام والعروبة المُراقة رخيصةً فلم تدفعنا قيم الأخوة والرحمة لنتحرك لحقنها , تلك الروح الإنسانية الغالية التي تقاسي مرارة القهر والفقر والخوف فما فزعنا لمصابها وتنادينا لنجدتها . نعم مواجعنا كثيرة وجراحنا اتسعت , ولكننا أمّة القوة والنصرة والتداعي لإعانة الملهوف . ولن يخذلنا الكريم ما لم نخذل بعضنا .. اليمن الذي تشير كل الدراسات وتقارير الخبراء أن أرضه الغنية الخصبة قادرة على انتاج مايكفي أهله من الغذاء , ويزيد ليسدّ حاجة البلاد العربية مجتمعة من كثير من المحاصيل والمنتجات الزراعية .اليمن الذي يملك من الموارد البشرية والطبيعية , النفط والغاز والثروة السمكية مايؤهله ليتصدر دول العالم الإسلامي مكانةً وثراء . هاهي التقارير المفجعة اليوم تتحدث عن أزمة إنسانية وكارثة مجاعة تتهدده !! فمن أفقر اليمن ومن جوّعه ؟! ومن غيب الصورة عنا كل هذا الوقت ؟! سبع منظمات إنسانية أعلنت أن عشرة ملايين يمني لايجدون ما يكفي من الطعام , فيما حذرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة «اليونيسيف» من أن هناك حوالي نصف مليون طفل يمني معرض للموت . كما أكدت تقارير أخرى أن اليمن معرضة لمجاعة قد تفتك بأكثر من ستة ملايين شخص مالم يتم تدارك الوضع فيها حيث يعيش %45 من سكان اليمن بأقل من دولارين يوميا . ويبلغ مجموع النازحين داخل اليمن أكثر من 450 ألف . وقد صرح الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية في منظمة التعاون الإسلامي أن الوضع الإنساني في اليمن أصبح أسوأ مما كان عليه في الصومال وقت المجاعة وأن عدد من كانوا يعانون في الصومال لم يكن يتجاوز 2.5 - 3 ملايين نسمة في حين أن من يعانون في اليمن حاليا وصل إلى ضعف هذا العدد . وفود وخبراء يتحدثون بعد زيارتهم لليمن عن أوضاع مأساوية يعيشها الأهالي مع نقص وغلاء أسعار المواد الغذائية والمحروقات , ونضوب المياة الجوفية , وانتشار الأمراض خاصة بين الأطفال كالحصبة والشلل وغيرهما بسبب سوء التغذية وافتقاد الرعاية الصحية . إن هذه المرحلة المعقدة الخطِرة التي وصل إليها اليمن كإرث متراكم ومنطقي لثلاثة عقود من الحكم الفاسد للنظام السابق والذي مارس نهب الثروات وتخريب وتبديد الموارد والمقدّرات , وإشعال البلاد بالفتن وإشغال أهلها بالخلافات والحروب . لتتطلب وقفة جادة من المخلصين الأحرار من أبناء اليمن وبمساعدة إخوتهم في دول الخليج خاصة دعما لاستقرار المنطقة والمجتمع الدولي عامة لإنقاذ اليمن عبر خطط حكومية وشعبية عاجلة ودائمة , لمحاولة حل الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد والتي تلقي بظلالها على الظروف الاقتصادية والإنسانية للمواطن اليمني . الذي يعاني إرهاصات الصراع الحكومي مع القاعدة جنوبا ومع الحوثيين شمالا وفوضى انتقال السلطة والتجاذب السياسي . ثم آثار الانفلات الأمني وعمليات النزاع والاغتيال والاختطاف , وضرب أنابيب النفط وأبراج الكهرباء , وتدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع البطالة وتوقف الدراسة في عدة مناطق . سياسيا سيكون من تفعيل نتائج وقرارات مؤتمر أصدقاء اليمن , وتسريع انضمامها لمجلس التعاون الخليجي خطوة إيجابية مؤثرة في احتواء الأزمة وإعادة بناء منظومة داخلية موحدة تُسهم في رأب الصدع وانطلاق الإصلاح على كافة المستويات . ويأتي مرافقا لذلك دور الإعلام والنخب وقادة العمل التطوعي والخيري ورجال المال والأعمال في تعبئة الجهود لإقامة برنامج إغاثي عاجل ومتكامل يقدم المساعدات الإنسانية ويوفر الغذاء والدواء للمتضررين . مع الأخذ في الاعتبار الحاجة لإقامة المشاريع التنموية والاستثمارات مستمرة النفع . أخيرا : وشائج الدين والعروبة والجوار تستنهض فينا كل قيم الإخاء ومد يد العون لإخوتنا في اليمن والتخفيف من مواجع الفقر والجوع والمرض التي يقاسونها . فلا بارك الله في مالٍ لايعرف البذل إليه سبيلا .