المجاعة والموت من شدة الجوع والفقر مشهد في مخيلة الكثيرين، يرتبط عند ذكره بما كنا نراه في شاشات التلفزة من صور ولقطات مأسوية مؤلمة لعدد من المناطق الإفريقية والدول المعدمة، أطفال يتضورون من شدة الجوع والأمراض والألم، وأسر لا تجد ماءً ولا طعاماً يكفيها، بعض من تلك المشاهد لم تكن تخطر ببال أحد في يوم من الأيام أن تعبر وأن تجتاز حدودها حتى تصبح على مقربة منا، فها هي مظاهر المجاعة والجوع والفقر الشديد تطل على إخواننا وجيراننا في بلاد اليمن السعيد، الذي لم يعد يمناً سعيداً بل عاد يمناً منكوباً وجائعاًَ ومنعدم الأمن والاستقرار في ظل هذه الظروف التي يمر بها، وبات الفقر ينهش في أجسادهم حتى وصل إلى مرحلة لا تطاق، فبعد 30 عاماً من الخطايا الاقتصادية والفساد وسوء الاستغلال لمقدرات البلاد في ظل النظام القديم تحول أكثر من نصف سكان هذا البلد إلى فقراء وجوعى، وفقد المواطن اليمني كل حقوقه من تعليم وسكن وحياة كريمة، وقد وصف تقرير خطة الاستجابة الإنسانية لليمن 2012 الذي أعدته أكثر من 20 منظمة ولجنة بأن اليمن يعيش حال من الطوارئ المعقدة، حتى وصلت به الحال إلى أن يقع تحت وطأة أزمة إنسانية كبرى، قال عنها الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية في منظمة التعاون الإسلامي «إن الوضع الإنساني الحالي في اليمن أصبح أسوأ مما كان عليه في الصومال في يونيو (حزيران) من العام الماضي، حينما تم الإعلان عن أن الصومال يعاني من مجاعة، فعدد من كانوا يعانون في الصومال بلغوا ثلاثة ملايين نسمة، في حين أن من يعانون في اليمن حالياً أكثر من ذلك»، وتشير الأرقام والإحصاءات المخيفة الصادرة من المنظمات الدولية للأمم المتحدة إلى مدى حجم وفداحة هذه الكارثة الإنسانية، فهناك 60 في المئة من السكان البالغ عددهم 24 مليوناً يعانون من صعوبة في الحصول على مياه صالحة للشرب، وأسعار الغذاء شهدت ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة على مدى العام الماضي، وعشرة ملايين يعانون من نقص حاد في الأمن الغذائي، وقال ممثل منظمة اليونيسيف في اليمن «جيرت كابيليري»: «إن أكثر من مليون طفل من دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، وأن ربعهم يواجهون شبح الموت أو التعرض للإعاقات الجسدية والعقلية، حتى أصبحت اليمن، وفي ظل هذه الظروف تحتل المركز الثاني عالمياً من حيث نسبة الوفيات لمن هم دون الخامسة بعد أفغانستان»، وحذر كابيليري قائلاً: «إنه وبلا مبالغة، إذا لم تتم معالجة مشكلة سوء التغذية لدى الأطفال فإن مستقبل اليمن كله في خطر». وقد حذرت وكالة الإغاثة الدولية (اوكسفام) من أن ملايين الفقراء في اليمن باتوا على شفير الهاوية، فهناك من لا يأكل منهم الطعام إلا مرة واحدة طيلة ثلاثة أيام وآخرون يقتاتون على الخبز فقط، وأما النساء فلم تجد من سبيل سوى استجداء المارة على الطرقات، لذلك أطلقت المنظمات الدولية تحذيراتها من خطورة استمرار تدهور الوضع الإنساني في اليمن وضرورة التحرك الدولي العاجل لمساعدة اليمن ودعمه لمواجهة الوضع المتدهور في البلاد، باعتبارها حال طارئة جداً مشابهة إلى حد كبير بالوضع في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل، ولكنها لا تحصل على اهتمام مماثل بقدر ذلك، وقد أشارت تلك المنظمات الإنسانية إلى أنها بحاجة إلى مبلغ لا يقل عن 470 مليون دولار لعام 2012، وأنها لم تتلق بعد تلك النداءات إلا على 43 في المئة من المبلغ وبعجز لأكثر من نصف المبلغ المطلوب، وتواجه تلك المنظمات أيضاً في عملها إشكالات أخرى غير المتعلقة بالمال، تتمثل في صعوبة توصيل المساعدات إلى المناطق والقرى كافة بسبب ارتفاع ثمن توصيل تلك المساعدات الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها جهات غير حكومية، وانخفاض عدد الموظفين الدوليين، وقد تعهدت السعودية وبقية الدول والمنظمات المانحة المشاركة في مؤتمر أصدقاء اليمن بالتبرع بأربعة بلايين دولار خلال المرحلة المقبلة، وقد قال الكثير من الخبراء في الشأن اليمني إن اليمن يحتاج إلى دعم مالي فوري وأن التأخر في ذلك الدعم قد يؤدي إلى فشل عملية الانتقال السياسي وتداعيها. وبعيداً من الحديث عن المساعدات الدولية والخارجية يبرز في ظل هذه الأزمة الكارثية أيضاً أهمية الدور والدعم والمشاركة الشعبية في التخفيف من حدة المحنة التي يعيشها اليمنيون، فقد أطلق الإعلامي والمذيع بقناة الجزيرة علي الظفيري، إضافة إلى مجموعة من الإعلاميين والناشطين والمثقفين مبادرة على موقع «تويتر» العالمي تحت مسمى «من أجل اليمن» تهدف إلى تسليط الضوء إعلامياً على الأوضاع الإنسانية في اليمن وتشجيع وسائل الإعلام المختلفة لتغطية الأوضاع المأسوية في اليمن وتقديم شهادات عبر الزيارات الميدانية والتوثيق للواقع هناك، وأن المبادرة لا تُعنى بجمع التبرعات بشكل مباشر، بل تقوم بالتشجيع على التبرع الفردي والمؤسسي لصالح الجهات الرسمية الموثوقة، وأن الجهود كافة التي سيقوم بها المتطوعون في مبادرة «من أجل اليمن» ستكون بعلم وتحت الجهات الرسمية اليمنية، وقد قال الداعية الإسلامي سلمان العودة، وهو أحد أبرز الداعمين للحملة «أدعو نفسي وإخواني إلى دعم أحبتنا في اليمن بكل ما يمكن، فهم في مجاعة شديدة، وهذا أوان الوقوف الصادق معهم»، ولذلك يجب تسهيل السبل والقنوات كافة من دول الخليج خصوصاً من أجل دعم الشعب اليمني ورفع معاناته والإسهام في استقراره. * كاتب سعودي. [email protected] @hasansalm