الحمدلله أما بعد : فإن المتأمل إلى تبادل الشتائم عبر مجالسنا وفي أثير تواصلنا العصري الجديد بين الجنسين خاصة في دول الخليج وأخص أيضا منها في السعودية يجد أنَّها مشحونة بوابلٍ من الغيظ والحنق مملوءة بحب الانتقام والاحتدام يود أحدهم لو يملك نكتة أو طرفة تهشم رأس صاحبه وتحيل قيمته إلى وبال وأمره إلى تباب فتراهم يتخذون من هذه الرسائل طريقا لتخفيف الضغوطات التي تواجههم في أزمات الحياة وكل واحد من الجنسين يزعم أنه الكامل المكمَّل وهو الحلم المؤمَّل حتى إذا جاء أحدهم من الرسائل ما يوافق هواه ويكشف كنه بلواه ترى الابتسامة تعلو محياه وربما سمعت القهقهة تسابق الريح وتنفذ الأحشاء . عبارات ملؤها الضحك والسخرية وطرائف تحمل بين جنباتها الكيد والمكر بكلام منثور في رق منشور بنقد موصول ومبتور على الشتيمة تدور وإليها تحور ، فذاك يتغزل بليلى الشام وهذه تتغزل بقيس الترك وكل واحد منهما يرى أنَّ صاحبه قد تربى على سيء الكلام وسقيم التعبير ولا يعرف طريقا للرومانسية ولا لأبجديات الأسلوب الرقيق المرهف ويرمي بعضهم بعضا بالتخلف والرجعية والقدم . ولو رجعنا لميزان الحق لوجدنا أن جميع الجنسين يحتاج لتأهيل في جامعة لغة المشاعر والحب أو ما يسمى بالرومانسية المفقودة عند كثير من الخليجيين والخليجيات ، وما أحوجنا اليوم إلى مراجعة للحسابات في اختيار الكلمات بدل اللكمات . لقد فضحت المسلسلات التركية الخيانيَّة قلوبا أنثوية كانت صامتة طول الدهر وسرعان ما راحت تبوح بما خالج قلبها من شعور ،وعاطفة تفور ،وهي تبحث جاهدة عن روعة الأسلوب وجمال المنطق فجمال الأسلوب وروعته والعيش في أكنافه جنة من جنان الدنيا ويجعل النفوس الناعمة ترسم خلف قضبان أفكارها كثيرا من العبارات وخلفها العبرات . ليس من القبيح أن نعترف بالخطأ في اختيار العبارات لكن أعظم الخطأ أن نقتل أنفسنا بهذه المناوشات التي في ظاهرها إدخال السرور وفي باطنها حقيقة الظهور و قد قال الأول إن الاعتراف بالخطأ هو بداية الصواب . فاللسان العذب والعبارات الجميلة هي سحر حلال تتحرك به القلوب وتهيم لأجله النفوس فحين يستعمل اللسان لغة الذل للوالدين يكون ذلك أعظم بر , وحين يستعمل اللسان لغة الرحمة والحب مع القريب من ذكر وأنثى سيكون بلا شك هو شمعة الود التي تتقد في أسرته وأهله وأقاربه , وحين تراه كثير الاستعمال للغة الاعتذار وحسن الحوار ولطافة المعشر مع الناس فحتما ستجده بعد ذلك أحب الناس وأقربهم إلى القلوب فقد جبلت النفوس على حب من يتعامل بالحسنى ويستعمل أسلوب اللطف والرقة إلا أصحاب القلوب الشاذة وقليل ماهم. والناظر اليوم إلى ألسنتنا جميعا يجد تمسكنا بطريقة آبائنا الأولين ممن اعتادوا حياة الشقاء والتعب والنصب وهي لا تليق أن تكون اليوم لغةً في عالم مفتون يعشق الأسلوب ويؤمن بالمشاعر فهو يراها ويطرب لها ويريدها حية واقعة في حياته وفي مجتمعه . يجب أن لا ننكر حاجة الأنثى من أم وزوجة وبنت وأخت وقريبة إلى كلمات الحب والتودد والتلطف التي هي أعز عليها من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة . كما أن الرجل بحاجة للكلمات التي تحسسه بمكانته وقيمته فهو بفطرته يحب التميز والظهور والقوامة . فهل من الصعب أن نرسم طريقة (حُبٍ خليجية ) يتحدث بها القاصي والداني ؟ وهل من الصعب أن نحرص أن نتعلم لغة الود والتراحم والحب كحرصنا على تعلم العلوم الأخرى ؟ إنَّ المتأمل إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم ليجده ذلك الإنسان الذي يأسر القلوب بروعة حديثه وحسن اختياره لطيب الكلام لم يكن فاحشا ولا متفحشا تجد لسانه يقطر درا وياقوتا ويفيض عسلا مصفى تحس بلذته الأفواه لله لفظك هذا سال من عسلٍ *** أم هل صببت على أفواهنا العسل لسانه أجمل وأروع لسان فهو ينادي بأحب الأسماء بل ويستعمل أساليب التدليل في ذلك فيقول يا عائش وينادي بحب ابنته على الملأ (إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ) ويعلن حبه لصديقه أبي بكر رضي الله تعالى عنه ويقول (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أباب بكر خليلا ) وحين يوصي أحدا أو يناصحة كثيرا ما ترى مقدمة حديثه توحي للسامع بالرضا والحب فها هو يأخذ بيد معاذ رضي الله تعالى عنه ويقول : يامعاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ : لا تدعن في دبر كل صلاة تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ويقول للأنصار : (اللهم أنتم من أحب الناس إلي... ) لا اشك أن المجتمع بدأ يحاول أن يصلح من طبعه وطبيعته وتحسين لسانه ولا نزال في مراحل الدراسة الأولى ولكن يجب أن نفكر بالتفوق قبل أن نفكر بالنجاح . نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأن نتخرج منها ونحن نحمل أعلى وسام للحب بيننا ونرسم فيها ألطف العبارات وأحسنها د . ناصر بن عبدالرحمن بن ناصر الحمد إمام وخطيب جامع الإمام بن ماجه رحمه الله تعالى بالرياض