في مواسم الخير يستنفر المسلمون وتهب رياح الخير في كل قطر ومصر من أقطار وأمصار الأرض وها نحن نستظل احد هذه المواسم الفياضة المغدقة بخيرها العميم ونسماتها الروحانية الإيمانية الربانية الغفرانية التي يتفضل بها المنعم – جل جلاله – في كل لحظة من لحظات هذا الشهر الكريم ... وأنت تعيش تلك اللحظات التي يغبطك عليها الموتى في قبورهم والمرضى في أسرتهم والأسرى في معتقلاتهم والفقراء في دورهم تقول الحمد لله المنعم المتفضل الكريم الذي متعني بإدراك هذا الشهر الكريم وأنا بأتم صحة وعافية ... ثم انك بتمعن وتمحيص تنظر بعين العطف والرحمة إلى الموتى في القبور فتقول اللهم اغفر لهم وارحمهم ... ليس هذا فحسب بل انك بفضل الله تتصدق عنهم بما تجود به يمينك أو ينطق به لسانك ... وتنظر بعين الرأفة والشفقة إلى أولئك المرضى فتقول لا بأس طهور إن شاء الله وتبذل الصدقة أيضا راجيا أن تكون دواء لأولئك المرضى مستهديا بالتوجيه النبوي الكريم ( داووا مرضاكم بالصدقة ) وتنظر ثانية وثالثة إلى المعتقلين والفقراء أما المعتقلون فلا تملك لهم غير الدعاء عند الإفطار ففيه العجب العجاب وأما الفقراء المعوزون المحتاجون فإني سائلك ماذا قدمنا لهم وهم في أمس الحاجة أكلا وشربا ولباسا ومأوى بل وتعليما وعملا ... حتما ستجيبني وماذا عن جمعياتنا الخيرية المنتشرة في طول المملكة وعرضها والتي تسابق فيها الدولة الزمن للإكثار منها من اجل سد حاجة محتاج أو إغاثة ملهوف أو قضاء دين أو تزويج وتكوين لأسرة مسلمة ... إننا وبكل فخر واعتزاز ننظر إلى تلك الجمعيات والمستودعات الخيرية على أنها مأوى لمن لا مأوى له بعد الله ... لكن وماذا بعد لكن ... ننظر إلى تسابق تلك الجمعيات المباركة المحموم نحو الحملات الإعلامية الكبيرة التي أصبحنا ننظر إلى كيفيتها وكميتها متغافلين عن النظر إلى الهدف منها وتحقيقه ... نعم تلك الحملات الإعلامية لهذه الجمعية ماذا نستفيد منها وما هو المغزى من كثرتها وانتشارها ونحن قد علمنا منذ زمن طويل بل وتشربنا – بحمد الله – أهمية الإنفاق الخيري وفضله علمنا مكان تلك الجمعيات ونطاقاتها وماذا يمكن أن تقدمه لأولئك المعوزين والمحتاجين ... نعم حملات إعلامية ضخمة يتسابق فيها أصحابها على أجمل تصميم وأقل عبارة وأحسن مكان ثم تقرأ وتتمعن في ذلك الإعلان فلا تجد ماذا عملت تلك الجمعية وماذا قدمت وكم هي الأسر التي ترعاها وكم هم الشباب الذي أغناهم الله بسبب جهود تلك الجمعية أو هذا المستودع فقط دعوات للتبرع وتقديم الدعم وهذا خير لكن لماذا كل هذا... دعوة للقائمين على هذه الجمعيات والمستودعات الخيرية إلى إعادة النظر والدراسة والتدقيق في مغزى تلك الحملات الإعلامية ... ماذا لو صرف ثلاثة أرباع نفقاتها فعلا على المستحقين واكتفي بربع فقط لإعلان يتضمن انجاز تلك الجمعية وليس توجيه الدعوة وطلب التبرع فاللبيب بالإشارة يفهم .. وقد يقال إن نفقات تلك الحملات الإعلامية هي تبرع مخصص لهذا الغرض الإعلامي فقط وتلك رزية كبرى لماذا لا تكون التوعية إذن للمتبرع الكريم أن يسهم في كفالة عشر أو عشرين أو ثلاثين أسرة بقيمة هذا الإعلان بحيث يكفي الجمعية مئونة تلك الأسر لمدة عام كامل ويرى بأم عينيه ثمرة إنفاقه خير من أن تكون في بنرات ترمى وأوراق تمزق وإضاءات تكسر يقال ذلك وقد تشرب المجتمع أماكن وأهداف تلك الجمعيات فليس هو بحاجة إلى حملة إعلامية ضخمة يصرف عليها عشرات الآلاف من الريالات خاصة بعد غلاء الأسعار وارتفاع قيمة المواد ... بإعلان يطغى عليه التصميم الرائع والإنارة الكاشحة والعبارة والأسلوب المختصر ... هي دعوة لإعادة النظر لا غير ... تقبل الله صيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم والشهر مبارك عليكم ... احمد بن سليمان العدل [email protected]