يشهد المجتمع السعودي حواراً فكريا حاداً على صفحات الصحف وفي المواقع الالكترونية، منه ما هو محمود ومنه غير ذلك، مما يطرح تساؤلا جوهريا حول مدى مساهمة ذلك الجدل في تقدم المجتمع ومسيرته الحضارية وحل مشكلاته. وبما أنه جدل أيديولوجي بالدرجة الأولى فيمكن طرح السؤال بالصيغة التالية: أيهما أهم وأولى الايدولوجيا أم التنمية؟ أو الايدولوجيا أم الحلول العملية؟ إن ما يدور في الساحة من مناقشات ومناوشات هو أقرب منه للايدولوجيا من ان يكون حوارا علميا الهدف منه الوصول إلى الحقيقة والمصلحة العامة بكل تجرد، بمعنى انه حوار متحيز ومتشنج، كل طرف يحاول فيه الحط من شأن الطرف الآخر، وتسفيهه، والإعلاء من شأن الذات أكانت فرداً أو جماعة، لتحقيق مصالح ضيقة، وبالتالي احتكار الحقيقة، بعكس العلم الذي يسعى للحقيقة بغض النظر عن مصدرها. إن المجتمع يعاني من مشكلات ملموسة كالفقر والبطالة والمخدرات والإرهاب وضعف الإنتاجية وأزمة في الإسكان، وتأخر تنفيذ المشاريع وغيرها.. فهل من الأولويات تناول هذه المشكلات بالدراسة والتحليل واقتراح الحلول أم الجدل العقيم حول مواضيع مثل العلمانية والليبرالية والسلفية والاسلاموية بقصد تحديد مسار المجتمع وكأن هناك اختلاف وتصادم كبير بين فئات وشرائح المجتمع حول الموجهات والمنطلقات الفكرية للمجتمع وما يجب أن تكون عليه. قد يرى البعض أن المجتمع في مفترق طرق وبحاجة إلى بوصلة لضبط الاتجاه أولا من خلال الاتفاق على المسار أو التوجه المناسب قبل البدء بخطوات عملية ولذلك يتجادلون في أمور نظرية غير ملموسة حول الهوية والخصوصية والغرب وهل نكون ليبراليين أم سلفيين أم إسلام مستنير وغيرها من الفلسفات. وكأن المجتمع أو الدولة لا تملك مسارا ثابتا معروفا يلقى إجماعا أو شبه إجماع لدى المواطنين. وهو بحث مضني وشاق وغالبا لا يوصل إلى شئ. في حين أن المجتمع ليس بحاجة لأن ينشغل بهذا الجدل البيزنطي العقيم حول أفكار وأيديولوجيات لا تغني ولا تسمن من جوع أمام مشكلات حقيقية تؤثر على حياة المواطن البسيط، ومشاريع تنموية تنعكس إيجابا على مسيرة الوطن الذي يحتاج الى العمل لا الجدل. على كل حال سيظل الجدل قائما، وسوف يوجد من يؤيده رغبة في فرض توجهه الأيديولوجي وبحجة أنه لا يمكن التوجه نحو التنمية وحل المشكلات قبل أن يرسم أو يحدد المسار الفكري أو الأيديولوجي، كما يوجد من يرى أن التوجه يجب أن يكون نحو معالجة قضايا محددة وملموسة قابلة للمعالجة الموضوعية سواء كانت مشكلات تحتاج إلى حل أم مشاريع تحتاج إلى تخطيط وتنفيذ.. بمعنى أن هناك من يؤيد البحث عن مسار، وهناك من يرى العمل من خلال المسار القائم. والسؤال هو هل الإطار الفكري الحالي يشكل عائقاً للتنمية وبالتالي البحث عن بديل أو مسار آخر، ثم البحث عن حلول عملية، أم أن الإطار الفكري مناسب وبالتالي لا داعي لإضاعة الوقت في مناوشات ومناقشات لاتسمن ولا تغني من جوع .. في رأيي الشخصي أنه لا داعي للاشتغال بشكل مبالغ فيه بالأفكار فليست مشاكلنا فكرية أو في الإطار النظري الذي يوجه فعاليات المجتمع وإنما مشكلاتنا عملية ونوع من القصور الإداري والأخلاقي بالمعنى العام للأخلاق وان حلها ورسم استراتيجيات للتنمية هو ما يخدم الوطن والمواطن وعلينا أن نتوجه نحوه مباشرة دون إضاعة الوقت في جدل لا طائل من ورائه عبد الله العرفج