قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شيء إذا فعلمتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم \" رواه مسلم إن ترسيخ الحب بين أفراد المجتمع المسلم هدف إسلامي عظيم رتب عليه الأجر وأكد على مايقويه من الأقوال والأفعال ،وحذر مما قد يضعفه بين أفراده أو يزيله بالكلية، فأكد على إفشاء السلام والهدية والزيارة للمريض وإجابة الدعوة ونحوها، وحذر من التجسس والتحسس والغيبة والنميمة والسخرية ونحوها ،وإذا عدنا إلى هديه صلى الله عليه وسلم وجدنا أن أعظم هدف له في دعوته وقبل نزوله في مهاجره هو تأليف المسلمين بعضهم مع بعض فعلم وربى وزكى النفوس وحث على مكارم الأخلاق وأدب بآداب الود والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة فضربوا في ذلك أروع الأمثلة، فوصل الحب مبلغاً جعل المسلم يتنازل عن إحدى زوجتيه-بتطليقها- لأخيه المسلم فمدحهم الرحمن بقوله: \"....يحبون من هاجر إليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ....\" إن هذا الحب أوجد لذلك المجتمع صلاحاً عجيباً وقوة لا تقهر مع قلة العدد والعدة بل إنه استعصى على اختراقات المنافقين المتكررة والتي لو وجدت في عصرنا هذا لأوجدت فيه شروخاً عظيمة تصعب معالجتها –بل إنها وُجِدت للأسف- !!ولذا كانٍ لزاماً علينا أن ننتقل الآن في مجتمعنا من حالة التحصين إلى حالة العلاج لهذا الوضع الخطير الذي يهدد المجتمع بأكمله بالتمزق والتفرق في وقت نحن في أشد الحاجة لالتئامه خصوصاً والمخاطر تحدق بمجتمعنا من كل جانب وأعداء الإسلام والحساد ممن حولنا يتحينون الفرص للانقضاض . لقد حرص الرسول- صلى الله عليه وسلم- على تجنيب مجتمعه أسباب الفرقة ونهى عن جملة من الأمور تؤدي لذلك سبق ذكر بعضها، بل ومن حرصه الشديد على الائتلاف ونبذ الفرقة أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف فوجد ذات مرة أحد المصلين خلفه بادياً صدره فضرب على صدره ليتراجع فيستوي الصف وقال وهو كذلك: \"عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم\"رواه مسلم- أي قلوبكم- ،فانظر-أخي الكريم- إلى دقة تحريه صلى الله عليه وسلم، بل وشدة حرصة على إبعاد المجتمع عن أي سبب من أسباب الفرقة وإن كان مجرد تقدم في الصف فقط ؛ لعلمه صلى الله عليه وسلم بعظيم أثره على من بجانبه من المسلمين، وغير خاف شدة زجره صلى الله عليه وسلم عن التفاخر بالأنساب ونسبته ذلك لأمور الجاهلية تنفيراً من ذلك . كل ذلك منه صلى الله عليه وسلم ليؤسس المجتمع المترابط المتماسك الذي وصفه بأنه:\" كالبنيان يشد بعضه بعضاً\"متفق عليه ،فتم له ذلك- صلى الله عليه وسلم- واستطاع أن يبني مجتمعاً جديداً بل أروع وأشرف مجتمع عرفه التاريخ ،وأن يضع لمشاكل هذا المجتمع حلاً تنفست له الإنسانية الصعداء ،بعد أن كانت تعبت في غياهب الزمان ودياجير الظلمات وبمثل هذه المعنويات الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه كل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها وحول مجرى التاريخ والأيام . وإذا نظرنا في واقعنا- وللأسف- فإننا نرى الفرقة والقطيعة بين الأخ وأخيه والجار وجاره والموظف وزميله ، بل ولا أبالغ إن قلت إنه حاصل حتى بين من يتطوع للأعمال الخيرية،بل وأدهى من ذلك أن يكون بين من ينسبون أنفسهم إلى العلم ممن يتتبع عثرة أخيه إن عثر وإلا أصبح يفتش ويقلب صفحات حياته حتى يجد بغيته ومراده فيطير بذلك فرحاً وكأني بالشاعر يقصد هذا وأمثاله بقوله : وإن يرو سيئاً طاروا به فرحا .............وما رأوا من صالح دفنوا ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن الشيطان - الذي:\" يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم \" رواه مسلم- قد أوجد الشرارة ثم أشعل النار وأججها فأوجد التباغض، تلك الكلمة التي يدخل تحتها –ما يسببها- من الغيبة والنميمة والسخرية وحب الذات \"الأنا\"وقلة الإنصاف وعدم القيام بواجب الاحترام وغيرها كثير، ولا أنسى التقصير في حقوق الأخوة بعضهم مع بعض والذي يخشى بسببها أن تؤدي بالمجتمع كله فيما بعد إلى الفشل وذهاب الريح الذي حذر منه تعالى بقوله: \" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ \" إننا إذا نشدنا مجتمعاً متآلفاً متحاباً متماسكاً ثم ناجحاً فإنه يجب علينا البحث عن أسباب ذلك والبعد عن موانعه وإن أعظم الأسباب هو أن يكون الحب هدفاً من الأهداف التي يحرص على تحقيقها كل فرد من أفراد المجتمع ثم يسعى في البحث عن وسائله وهي كثيرة- بحمد الله- والذي يمعن النظر في هديه صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب يجد بحراً زاخراً من الطرق والوسائل التي لو جربها المجتمع أو بعضها لنعم بالمحبة ولشعر جميع أفراده بأنهم إخوة . إن مفردة الحب ينبغي أن تكون هي الأس في التعامل بين الزوج وزوجته والأخ وأخيه والجار وجاره والموظف وزميله والمسلم عموما وأخيه . إن مما يرسخ الحب ويعمقه بين الأفراد هو الاحترام المتبادل والإنصاف والتعاون والتضحية وقبل هذا وذاك الشعور بأن الجميع جسد واحد . إن معلماً -على سبيل المثال -يبادر زملائه بالسلام عليهم-مصافحاً- بابتسامة عريضة سائلاً عن أحوالهم تعبدا وليس عادة، بل وحرصاً على معرفة أحوالهم ليقف معهم ثم يكون مضحياً لهم بوقته وجهده باذلاً ما يستطيع لخدمتهم في مقر العمل وغيره مقدماً إياهم على نفسه بماتحبه النفس،بل ومتحملاً بعض تقصيرهم في حقة، إن معلماً بهذه المثابة وهذا الخلق الرفيع ليرجى لمجتمع يعيش فيه التآلف والمحبة والتعاون والنجاح وإن هذا النجاح لينتظر الجار مع جاره والأخ مع أخيه والعاملين في كل مجال من المجالات- إن هم عملوا بمثل أسبابه السالفة -وإن زوجين ضرب الحب جذوره في قلبيهما ليجدان سعادة تثمر الثمار اليانعة في مستقبل أيامهما . نعم لينظر كل واحد منا في أسباب الغش والخداع والرشوة والظلم –عموماً- وكثرة الطلاق والخلافات –عموماً- في المجتمع فسيجد أن عدم الحب هو السبب المشترك فيها . أيها الفضلاء: نريد حباً يثمر القوة والعلو والرفعة للمجتمع ونريد أفراداً يتبادلون أسبابه كما تتبادل رئتا أحدهم الهواء شهيقاً وزفيراً. ...........وإلى اللقاء على خير وكتبه : خالد بن ناصر العلي [email protected]