مع عظم قدر الصلاة في الإسلام , فهي الركن الثاني بعد الشاهدتين , هي حق لله , و هي الصلة بين العبد وربه , لكنها مع هذا كله عمل محض وذاتي , وعبادة فرديه , صحيح أن الصلاة هي الطاقة الروحية التي قد تمدنا بالقوة لنتغلب على نكد الحياة وغصصها , لكن أيهما أهم في الإسلام , إيهما الزم لحياة المسلم في الدارين , أيهما تضرر منه المجتمع المسلم , عدم إقامة الصلاة أم عدم إقامة العدل . ماهي مرتبة الصلاة والعدل في الدين , إذا كان من اعدل العدل توحيد الله وعدم الشرك به , والشرك بالله ظلم عظيم , فتوحيد الله عدل عظيم , فالتوحيد فرع من العدل , واركان الإسلام الخمسة فرع من التوحيد , والصلاة فرع من اركان الإسلام الخمسة , فكيف صار فرع الفرع ( الصلاة ) اهم في نظر عموم الناس من العدل وهو اساس الدين . لماذا نحس بتأنيب الضمير, والاضطراب النفسي , والنكد المعنوي , والخوف من الله , ويتجلى فينا الوازع الديني , عندما نؤخر الصلاة , ولا نحس بمثل ذلك عندما نظلم غيرنا , ولو بالكلام , هل يأمر الاب اولاده بعدم الظلم يومياً - أي يأمرهم بالعدل - أم بالصلاة , لماذا قُدمت الصلاة على العدل في المواعظ والخطب والدروس والفتاوى . لماذا ابواب الفقه التعليمي , يغيب عنها باب العدل , ويحضر فيها باب الجنائز , وباب الصلاة , لماذا الصلاة حاضرة في اذهاننا دائماً , لكن ظلم الغير ( العدل ) لانحس به كما نحس بأهمية الصلاة , أليست الصلاة وكل العبادات حق من حقوق الله , وحقوق الله مبنية على المسامحة والمغفرة إلا الشرك بالله , اما حقوق العباد ومنها عدم ظلمهم ( العدل معهم ) مبنية على المشاحة والذاتية , إن التقصير في حق الله أيسر استدراكا من انتهاك حقوق العباد، والدليل على ذلك أن الذنب في حق الله يُغفر بمجرد التوبة الصادقة، بينما شروط التوبة عند انتهاك حقوق العباد، التي هي بذاتها حقوق الإنسان، تتضمن إعادة الحق إلى صاحبه والعفو منه، وجبر الضرر لمن انتهكت حقوقهم، وإرضاءهم بذلك , والعدل اهم من الصلاة في أداء حقوق العباد وعدم ظلمهم , فالعدل رأس الإيمان وأعلى مراتب التوحيد والتقوى ومجمع الفضائل وجنة الله في الارض . ماذا يستفيد الناس , من إنسان مسلم يواظب على الصلوات الخمس, ثم يأكل اموال الناس بالباطل , أو لايتقن عمله في الشأن العام ,أو لايهتم لأمر المسلمين ( اناني – ذاتي ) أو يغش الناس, أو يظلم زوجته واولاده , أو ينتهك حرمات الوطن , ماذا يستفيد غيره من صيامه وقيامه وصلاته الدائمه , تقواه وصلاحه له , أما حسن تعامله وعدله فاللناس . من شواهد التاريخ والواقع أن إقامة العدل هو إقامة للصلاة , والعكس قد لايتأتى غالباً , إنّ توفر الحقوق واداء الواجبات ( العدل ) يعني قرة عين المسلم بالصلاة , وكلما كان فقه العدل حاضراً في العقل الجمعي , صار المسلم بدل أن ينشغل عن الصلاة ينشغل بها ( يطمئن ويخشع فيها ) إن قانون العدل الاغلب : اعط الذي عليك يأتيك الذي لك , بحسب أن المجتمع ينمذج بعضه بعضا , لأن العدل يشمل كل شيء ابتداء من عدل الإنسان مع نفسه في توازن المادة والروح ،والجد واللعب والنوم والعمل , أما حينما يتجافى الناس عن العدل ويقعون في حمأة الظلم فيما بينهم , ينبت فيهم الحقد والقطيعة والفرقة وذهاب الريح . فالواجب شرعاً تحقيق معنى العدل وتجلية مصطلحاته باعتباره الميزان الذي قامت عليه السماوات والأرض ، وبه انتظم الكون وانتظمت الحياة فلا تصلح أمور الناس إلا به ، فلا مصلحة فوق العدل ولا مفسدة دون الظلم ، ومن هنا كان عماد الشريعة ومسوغها . كيف تضخّم فقه الصلاة والاستغراق في تفاصيلها حتى ظننا أن الدين هو الصلاة فقط , وتضائل فقه العدل والوعظ به وتعلّمه وتدريسه , حتى اوشكنا على الظن أن الإسلام يُبيح المظالم الاجتماعية , هل يحتاج هذا الخلل إلى تصحيح أم أنه لايوجد خلل , هل نحتاج إلى إعادة صياغة فقه الصلاة وفقه العدل وتقديم الاصلح للناس كافه , أليس العدل من ثوابت الدين ومقاصده العظام . إذا تحولت الصلاة من عبادة إلى عادة , وغاب العدل بين الناس , تحول المجتمع المسلم إلى غابة يأكل القوي الضعيف , حتى لو امتلآت المساجد بالمصلين , و حتى لو أُنشئ كل يوم جامع ومسجد , مالم يهتم الناس بالعدل فقهاً ووعظاً وإيماناً وتذكيراً , ستضيع الصلاة وتكثر المظالم بينهم , إن خلق ثقافة وطنية يعي فيها المواطن حقوقه وواجباته، هو فقه تشريعي يُنادى به للإيمان العميق بأهميته في تعميق المواطنة الصالحة , ويزكي التدين الصادق ويوثق الإنتماء الوطني , إن المبالغة في الحديث عن الصلاة , ربما اورث لدى العامة التساهل في اجتراح المظالم اليومية , دون ادنى احساس بعظمة الذنب الذي لاتكفّره الصلاة , قبل بذل الحقوق إلى اهلها , بحسب أن الصلاة عمود الدين , لكنها لاتكفي عن العدل ابداً ,وليتنا نهتم بالعدل عُشر اهتمامنا بالصلاة . عبد العزيز السويد