لم يُغرق الله سبحانه وتعالى فرعون لأنه ادّعى الربوبيه أولأنه قال ( انا ربكم الاعلى ) فليست القضيه منافسة على الربوبية والالوهية , وليس لأن فرعون معارض لحكم الله , فالله سبحانه وتعالى اكبر من أن يضع فرعون في منافسة أو معارضه , الله اغرق فرعون وعذبه لأنه استخف بالناس, وظلمهم , وصادر حقوقهم , إنّ صرف قارئ القرآن في قصة فرعون مثلاً إلى اهمية توحيد الله عن ظلم الناس والاستخفاف بحقوقهم هو تفسير سياسي . فالله سبحانه وتعالى ليس مثل اباطرة البشر يخشى من المعارضه , ويسجن ويقتل ويعذب ويغرق من يدّعي الربوبية أو يدعي النبوه , فالمهم ألا تُتخذ الإدعاءات مهما كانت وسيلتها وكيفيتها ونوعها , لاتُتخذ سبباً لسلب حقوق الناس وظلمهم , فيجب أن ننزّه الله سبحانه وتعالى عن أن يكون ينتقم لنفسه أو ينافح عن ملوكته ضد المدّعين , فالله اكبر من هذا الفهم المنتقِص لكمال الله , فالدين كله منذ نوح وحتى محمد صلى الله عليهم وسلم , جاء من اجل الإنسان وليس من اجل الله سبحانه وتعالى , فهو غني عن عبادات وتدين العباد , بل جاء الدين من اجل إقامة العدل بين الناس , فالله سبحانه وتعالى غني عن التوحيد , وغني عن العباده والعباد , لاتضره المعصيه ولاتنفعه الطاعه , ولاينقص من ملوكته كفر البشر ولايزيد في عظمته إيمان البشر , فلو شاء لهدى الناس جميعاً , اما من يستدل بقوله تعالى ( وماخلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ) نعم يعبدون الله بإقامة شعائر العدل : المساوة , الانصاف , تكافؤ الفرص , وكل وسائلها الممكنه بين الناس جميعاً ( الديموقراطية والانتخاب والاقتراع , والتداول السلمي للسلطة ) ثم ليصلّوا ويصوموا ويحجوا ويزكوا اموالهم , إقامة اركان العدل اولاً ثم إقامة اركان الدين , حقوق العباد قبل حقوق رب العباد . فالله خلق الإنسان وسخر له ملكوت السموات والارض لكي يقيم العدل , ويتفيأ جنة الله في الارض , ميزان الحقوق والواجبات , لذلك فكُفر الدول مع عدلها بين الناس اوثق اسباب النصر المادي والمعنوي , وظلمها للناس مع إيمانها وتوحيدها لله , لايقيها شر الهزائم الحضاريه وآفات التخلف ,كما هو مؤدى كلام بن تيمية رحمه الله , لأن الله سبحانه وتعالى إنما شرع الشرائع وانزل الكتب وبعث الرسل , من اجل حماية الإنسان وكرامته وصيانته ضد الظلم والبغي والاستخاف بحقوقه . فإنما كان تحطيم الاصنام وتحريم عبادة الاوثان , بسبب النظام الاجتماعي الظلوم الذي يصنعه سدنتها وحُماتها ورُعاتها , وليس لأن هذه الحجارة تُؤدى لها طقوس العبادة الوثنية من ذبح وصلاة أو يطاف حولها, بل لأنها انتجت نظام عبودية وسُخرة , جعلت كهنة هذه الاوثان يظلمون الناس بأسم الحفاظ على الطقوس الشركية , جعلت النظام الاجتماعي يقسم الناس بين سادة وعبيد , اشراف وموالي , خلقت عبادة الاصنام تموضعاً في الحياة , يُهان فيه الإنسان وتغتصب حقوقه وتُمتهن كرامته , وليس لأن هذه العبوديات الوثنية وآلهتها تضاهي ( الله ) الذات العليه . إن توحيد الله سبحانه وتعالى واخلاص العبادة له من دون كل الشركاء سواء كانوا بشراً أو حجراً أو امراً متوهماً , جاء التوحيد من اجل تخليص الإنسان من ظلم الإنسان , من اجل إقامة العدل في حياة الإنسان , ولم يأتي افراد الله بالعباده لأن الله سبحانه وتعالى يضره الشرك أو ينفعه التوحيد , فالله القادر على هداية من في الارض كلهم , لو شاء , ولو شاء لم يشرك به احد , فهو غني عن عبادة البشر له , إنما فرض التوحيد والعبادة , ليستقر العدل في الارض , وينتهي الفساد وسفك الدماء وظلم الناس , ينتهي ذلك النظام الاجتماعي الذي كان موجوداً بسبب عبادة الاصنام , فكلما غاب العدل عن الناس , فقد عادت عبادة الاوثان والاصنام , ولكن ليس الحجارة بل البشر من السدنة والرعاة والكهان . عبدالعزيز السويد