نعم أحسن الله عزاءكم،وعظم أجركم، وغفر لميتكم، وإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبروا واحتسبوا، وأذكركم بقول:\" إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيراً منها \" فلقد قالت هذا أم سلمة رضي الله عنها فأخلف لها الله عز وجل بعد أبوسلمة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم . ثم إن ماحصل لكم من مكروه –لا أراكم الله مثله – فيه الخير ولاشك؛ فإن الله-سبحانه- لايريد بعبده شراً فمن دعاء حبيبنا صلى الله عليه وسلم قوله \"....والشر ليس إليك\" وهو سبحانه يقول :\" وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ \"؛فإن الله-سبحانه- قد يحكم حكماً شرعياً، أو كونياً على العبد بما يكره وهو خير له. ولعل بوادر هذا الخير يتمثل بتلك الغضبة من لدن خادم الحرمين الشريفين- أيده الله- على الفساد والمفسدين بتشكيله لجنةً لتقصي الحقائق وتحميل المسؤوليات لتتم المحاسبة بعد ذلك . إن تلك الغضبة ستتحول-بإذن الله- إعصاراً يقتلع الفساد والمفسدين ليس في جدة وحدها بل في جميع أنحاء مملكتنا الغالية حيث أن شجرة الفساد الضاربة في العمق قادرة على التكيف-للأسف- مع مختلف الأحوال الجوية فإينما يممت وجهك فستجدها أمامك بصورتها البشعة ومنظرها المقزز ولكن هذه الشجرة البشعة المنظر والكريهة الرائحة والمرة المذاق قد تكثر وتتوالد في مكان دون الآخر ولكن مجرد الوجود محتم للأسف . إن هذا الواقع يتطلب من الغيورين الصادقين في دينهم وخدمة مجتمعهم أن يتكاتفوا جميعاً شادين بأيديهم على عضد خادم الحرمين الشريفين –أيده الله- بكشف الفساد والمفسدين في كل بلد ناصبين بين أعينهم أن فاجعة جدة جرس إنذارٌ للجميع ، فينظروا إلى ماحولهم ويتفقدوا أشجارهم الطيبة لئلا يكون بينها شجر فاسد فإن وُجد تعاونوا جميعا على اقتلاعه من جذوره وصب \"البنزين أو الديزل\" في مكان هذه الجذور بعد القلع حتى لايبقى أثر يمكن أن يكون سبباً في نشوء شجر آخر، ويكون ذلك بكشف أمرهم ورفعه للجهات المختصة لتتم بعد ذلك محاكمتهم والتشهير بهم . نعم أبشروا يا أهل جدة بأن أحزانكم ستزول إلى غير رجعة-بإذن الله- وأن ماكنتم تحلمون به من إصلاح سيتحقق بإذن الله وسيكون واقعاً يهنئ به بعضكم بعضاً في مستقبل أيامكم وهذا من الخير الذي سيحصل لكم من جراء هذه الفاجعة . ثم أنت يامن تسببت في هذه الفاجعة هلا دققت النظر في آثار جريمتك قبل اقترافها متذكراً قول خالقك:\"والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً\" وفظاعة دخولك في قول النبي صلى الله عليه وسلم :\"اتقوا اللاعنين \" قالوا وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال: \"الذي يتخلى في طريق الناس أوظلهم\" فإذا كان التخلي في طريق الناس مسبباً للعن صاحبه بل وللمتأذي من ذلك أن يقول :\"اللهم العن من فعل هذا \" –كما ذكر ذلك شيخنا محمد بن عثيمين- فما بالك فيمن تسبب في أذية الناس بإزهاق أرواحهم وتدمير ممتلكاتهم كما فعلت . ولاشك أنك تعظّم بيت ربك فهل كان يدور في خلدك أن تهاونك فيما اؤتمنت عليه سيؤدي إلى قتل مسلم دمه أعظم حرمة من البيت العتيق الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه :\" مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك إن الله حرم منك واحدة وحرم من المؤمن ثلاثا : دمه وماله وأن يظن به ظن السوء\" ثم لما حصلت الكارثة التي تسببت بها ألم تحرك قلبك للتوبة تلك المناظر المروعة التي هزت كيان كل مسلم وأسالت الدمع من محاجره ؟! أما تسببت في إزهاق الأنفس مرملاً النساء وميتماً الأطفال؟!، أما تسببت في تدمير الممتلكات من بيوت وسيارات وبنى تحتية ؟! نعم إن تلك المناظر المروعة لهي من أعظم الدواعي لتوبة من أراد الله به خيراً حيث أمره بها في قوله\"وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون \" وأخبره على لسان رسول صلى الله عليه وسلم بأنه يفرح بتوبة عبده ويحب ذلك منه محبة عظيمة فلقد قال صلى الله عليه وسلم : \"لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة \" متفق عليه نعم إنه لايسعك أيها المتسبب بتلك الكارثة إلا المبادرة لطرق باب الكريم سبحانه وتعالى راجياً عفوه ومغفرته -فالله سبحانه قريب ممن طرق بابه منكسراً ومقراً بجرمه -،ثم تسليم نفسك لخادم الحرمين الشريفين الذي حملك الأمانة لتقر بجرمك وتنتظر حكمه فيك،ثم تعتذر لمن تسببت في فاجعتهم التي لن ينسوها مادام فيهم عرق ينبض بالحياة والذين إن لم ترضيهم في هذه الدنيا الفانية فسيخاصمونك عند العدل الذي \"لايظلم مثقال ذرة \"،فتحلل منهم قبل أن تقف وإياهم أمام الحكم –سبحانه- في يوم لاينفع فيه مال ولابنون، وأخذ الحقوق فيه بالحسنات والسيئات لا الدراهم والدنانير، فلقد قال حبيبك صلى الله عليه وسلم :\"من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء منه فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه \" رواه البخاري ،وقال صلى الله عليه وسلم -أيضاً-:\" يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أن ينجو بها فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة فيؤخذ من حسناته فيعطى المظلوم حتى لا تبقى له حسنة ثم يجيء من قد ظلمه ولم يبق من حسناته شيء فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته\" ثم إنني أهمس بقوله تعالى :\"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون\" في أذن كل أخ من أهالي جدة وغيرها مذكراً إياه بآثار الذنوب والمعاصي ،فما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان؟، وأغرق فرعون وجنوده في البحر؟، ومالذي سلط الريح العقيم على عاد ؟،وما الذي أرسل الصيحة على ثمود ؟،وما الذي أرسل الحاصب وأمطر الحجارة على قوم لوط وقلب عليهم عالي البلاد سافلها؟ ،وما الذي خسف الأرض بقارون ؟،وما الذي أمطر النار المحرقة وأرسل الصيحة على قوم شعيب ؟، أليست الذنوب والمعاصي ؟ قال تعالى :\" فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ\" ثم أهمس أخرى بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان من غضب الله وعقابه ،فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول:\" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم \"رواه الترمذي فلنتنادى جميعاً بذلك، ولنفتش فيما حولنا،ولنأخذ على يد \"سفيهنا \"؛ فلربما كان مصابنا بسبب تركنا لفرض عده بعض العلماء ركناً سادساً من أركان الإسلام حذرين من أن يصبنا ما أصاب بني إسرائيل حيث قال صلى الله عليه وسلم:\" إن أول ما دخل النقص في بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض \" ثم قال : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) إلى قوله ( فاسقون ) [ المائدة 78 - 81 ] ثم قال : \" كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضرين الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم \" رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .........وإلى اللقاء على خير . وكتبه: خالد بن ناصر العلي [email protected]