*الذكريات معين لاينضب .. عودة إلى الماضي بفرح وترح.. والبحث في أعماق الذات أحداث يستعيدها صاحبها من زوايا عديدة.. للتحدث عنها بقدر ما تستطيع ذاكرته أن تتحدث .. ولأن ماضي أي منا قد رحل وبقيت أحداثه .. ومواقفه .. ومواقعه.. ومراتعه كأطلال في عين صاحبها يقف أمامها الساعات.. وكأنها ثوان معدودات .. لا يشعر بها ويفيق ويبحث عن جديد .. وجديد ليحل محل القديم الذي رحل .. رحل مع الماضي فليس غريباً أن يرحل أصدقاء، ويرحل أحباب ولكن الشيء الجميل أن تبقى ذكراهم عالماً جميلاً فاضلاً.. زهورها معان وعبر وعظات.. ورياحين أمل وعطاء.. وشلال يتدفق باستمرار يسير لجهة معلومة ووقت معلوم.. وعلى وقع الذكريات تكبر الآمال في النفوس وتنشر البشرى في سماء عبقها أزاهير نضرة حلوة .. حلاوة الحدث .. وتعد فترة الدراسة من أجمل الأيام التي يتذكرها أي منا فأيام التلمذة شواهد أفكار وطموحات تتوقد في الذاكرة. ولئن أضحت هناك مشقة عن ملاقاة زملاء الدراسة أو الحارة فإن الفؤاد شوقاً لأيام حفلت بمرح وصفاء ذهني لم يعكره سعي لاهث وراء مادة زائلة. * كم تمنيت أن تطول تلك الرحلة.. ولم أتأثر بالسنين أو ببعض خيوط الشيب المنثور على رأسي الأمر الذي جعلني أخضبه بالسواد حتى لايقال أنني تعديت مراحلي. * لقد كنا فتية داخل مدرسة الفلاح لأنعى الهم والتفكير.. ولم نكن نخبئ مكراً .. ولم ندرك لمعاني العقوق، ومخاصمة الأفكار وكانت طفولتنا في الحارة ذات ألفة ومحبة..ولم يقل لي أحدهم دربك غير دربي، أو شأنك في التعامل غير شأني. * ومن الذكريات المرتبطة بتلك الأيام والتي كنا نعايش بعضاً منها.. والآخر كنا نسمعه في مجالس من هم أكبر سناً وحكمة.. أن الروابط الشعبية في جدة القديمة وضواحيها كانت محصورة بسورها القديم .. وكانت هذا الضواحي.. الرويس الأدنى، والرويس الأعلى وبني مالك ، والكندرة، والنزلة اليمانية، والثعالية، والقريات صلة بجدة وسكانها فكانت هناك ارتباطات من حيث التعامل ونوعياته . * ولكن حارة من حارات جدة القديمة كحارة الشام .. المظلوم .. اليمن والبحر .. أفضال كثيرة يبذل فيها الفرد من العون ما يستطيع بذله لأخيه .. وذلك ابتغاء نشر الفضيلة والخلق الرفيع بجانب ما يقدمه من خدمات قد يعجز أصحابها عن قضائها..! * وكان أبناء الحارة يمتازون بالنخوة وبالمروءة وبالوفاء، وبالغيرة على الجار والحرص على مصالحه ومنافعه وسمعته كأنه قريب .. فكانوا يسارعون لنجدة القريب والبعيد منهم. ولاشك أن مفهوم تقاليد وعادات زمان غير مفهوم هذا العصر بحكم التطور والتوسع فبرغم وجود وسائل المواصلات لانجد من يحضر إليك إلا نادراً، ومن تطلف وتذكر امسك بالهاتف وسأل عنك أو بعث بكرت بوستال أو بطاقة ونادراً ما ترى صديقاً أو قريباً غلا في فرح أو ترح .. وتلك حقيقة يدمى لها الفؤاد؟ * حدثني المرحوم الاستاذ محمد حسن عواد رحمه الله.. إنه كانت بيوت جدة القديمة عادات جميلة سيما أيام الأعياد، كان جدودنا وآباؤنا يرحمهم الله يأخذون معهم كيساً من قماش "الدوت" لوضع ما أخذوه من حبات الهيل أو حبات الحلاوة اللوزية، عند عودتهم إلى منازلهم يحصون مابداخل الكيس وعلى عددها يكونون قد زاروا وعيدوا على البيوت والأهالي.