تعودنا بين فترة وأخرى تقوم حرب تأكل الأخضر واليابس, وما يحدث في غزة أمر متوقع حدوثه في أي وقت, لكن يلاحظ في هذه النكبة وضوح الفرز على كل الأصعدة. أبدأ هذا الفرز بالأفراد, إذ بدا واضحاً سهولة التمييز بين المواقف في الأزمة الحالية. تجد من يقف مع الشريحة الكاسحة عربيا وإسلاميا أنصار حماس والمقاومة الفلسطينية من أجل فلسطين نفسها, وهناك من يتلبس هذه البطولة وقصده الدعاية لنفسه وانجازاته وحقيقة الأمر أن ما يحدث منه مجرد مزايدات على حساب القضية, وهناك صنف غريب الأطوار والمواقف يتلون بحسب اتجاه الجهة الإعلامية التي يظهر فيها سواء تلفزيون أو إذاعة أو حتى صحافة, تجده في الظهيرة يتكلم في قناة مناهضة لحماس يندد بالمقاومة ويقول أنها غير مجدية وأنها نوع من الانتحار وعند العشاء في قناة أخرى يطالب بزيادة الضغط على الحكومات لفتح المعابر المصرية ومساعدة حماس في مصيبتها طبعا في قناة مغايرة للقناة الأولى في التوجه, وهناك أناس يسبحون بحمد عملية السلام ويقدسون, مع أنه في الوقت الذي يخرج فيه في الشاشة يرى في نفس الشاشة غارات وقتلى على الهواء ثم بكل غرابة ينادي بالتهدئة واستجداء السلام, وهؤلاء أصبحوا واضحين جدا في هذه الفرازة. وهذه المواقف تنطبق كذلك على الهيئات والأحزاب, بعضها مع المقاومة قلبا وقالبا وجل ما يتمناه هو فتح الحدود للالتحاق بالمقاومين, ومنهم ما يحاول الالتصاق بالمقاومة صوتيا للترويج لنفسه أو للجهة التي يمثلها, ومن الأحزاب من يقف مع السلام المزعوم وضد المقاومة بشكل يشعر المطلع عليه بالتقزز والألم . أما أوضح المواقف على الإطلاق في عملية الفرز التي حصلت, فهي اتجاهات القنوات الإعلامية وخاصة الإخبارية, حيث تقوم قنوات بعرض الواقع الحاصل ومحاولة شحذ المواقف الدولية والعربية لمؤازرة المقاومة, وإظهار جرم إسرائيل وانتزاع المواقف المناوئة لها, وتظهر قنوات أخرى لتعلن خطيئة حماس الدائمة كونها تقاوم, وعبثية الصواريخ وأن الحرب كانت على حماس ومجنديها, وأن الكرة بملعب حماس وليس لها حل إلا التهدئة تحت الشروط الإسرائيلية وبشكل واضح جدا. أما الشأن الدولي فليس عن ذلك ببعيد, فقد بدت الدول واضحة جدا و تستطيع بكل سهولة فرز المسؤولين ومعرفة مواقفهم, وسبب وضوح الفرز في هذه القضية بالذات أكثر من غيرها مثل حرب لبنان أن المقاومة هنا سنية التوجه والمبادئ, وكان تذبذب المواقف في حرب لبنان بسبب كون المقاومة شيعية مدعومة من إيران جعلت الناس بين حملين : حمل الرضوخ لمنطق الأسرلة (من إسرائيل ) والاستسلام, أو حمل تشجيع المد الشيعي الإيراني, أما في حالة غزة فالمواقف واضحة هناك شعب مسلم عربي فلسطيني وهناك عدو واضح يدمر كل شيء, هنا تكون الرؤية واضحة جدا للمتابع ولا مجال لتورية. معاناة غزة ذكرتني بمعركة أحد حيث وضح جليا بعد هذه المعركة كل الاتجاهات, فقد استطاع عبدالله بن أبي أن يوقع الانشقاق بالجيش, وكانت ضربته في وقت حرج جدا عندما سحب جزء كبير من الجيش, وحتى الذين بقوا في المعركة: منهم من يريد الدنيا, ومنهم من يريد الآخرة, إنها نوع من النقد العملي للمبادئ والأولويات والاتجاهات, وبمناسبة السنة الجديدة كل أزمة وانتم في فرز. سليمان الغنيم [email protected]