جريمة قتل ..!! أول جريمة قتل عرفتها كانت بين البطاقات الورقية للُعبة تتمحور حول الاشتباه الجنائي والبحث عن الجاني من بين صورها ، وإدانته بأدلة مكانية عبر المواقع المرسومة على لوحتها والتي كانت تمثل أجزاء منزل واحد هو أرض اللعبة ، كان هناك سكين بلاستيكية صغيرة جداً ومسدس وأدوات قتل أُخرى أيضاً . كُنا نعيش قوانينها ونكتشف خيوط كل جريمة قتل باستمتاع وانتصار ، كانت أوهاماً جميلة ،تذكرتها اليوم جيداً في ذات اللحظات التي اكتشفت فيها بأن جرائم القتل لم تعد عناوين نقرأها في صحف الدول الشقيقة وبأن عنصر \" إزهاق الروح \" أصبح واقعاً مؤلماً يحدث حولنا و في منزلٍ واحد أيضاً ! واقع النحر والعُنف وقتل النفس المُحرمة ، بين أعداد هائلة من القضايا ، تثير عواطفنا ، تساؤلاتنا ، نعجز عن التصديق ، نتساءل كيف أصبح بيننا جُناة بلا عقول أو قلوب أو إنسانية ، أب يذبح ابنته بسكين ، شاب قتل صديقه ب(سكين) ، شاب يحرق والديه ، تهديد شاب لوالده بالقتل ، مقتل طفل على يد عمه طعنا ، رجل يذبح زوجته بسكين ، فتى يقتل والده برصاصة ، إحالة قاتل ابنته إلى التحقيق والادعاء ، مقتل عريس قبل ليلة من زواجه،القتل تعزيراً بحق مواطن أقدم على قتل والده و أكثر من ذلك بكثير .. نظرة لإزهاق النفس في مجتمعنا : أولاً: حينما لحظنا تزايد (جرائم القتل) لحظنا أيضاً حدوث (الإنتحارات) وازدياد محاولات إحداثها ، لتلتقي القضيتان في خط واحد هو \" إنهاء المعاناة\" وإبادة ما يثير الغضب ويستفز الضعف ، وحينها تصدر ردة الفعل تلك في أضعف حالة تمر بالإنسان كما حدث في أول جريمة قتل في البشرية حينما بكى قابيل على قتله لأخيه وشعر بأنه قتل من يملك أعمق منه إيماناً وأقوى منه نفساً كان أول تهديد بالقتل في البشرية بين أبناء آدم (بدافع الانتصار للنفس والأنانية وتغييب قيمة النفس المَحرمة وإتباع الشيطان ) ! حينما علم سيدنا آدم بمقتل هابيل حَزن حزناً شديداً وقال (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ). حينما ننظر للانتحار فهو وسيلة لإيقاف حياة لا يرغبها ولا يقبل بها ، تماماً كما يسيطر علية الشعور بإيقاف حياة من لا يرغبه أو لا يرغب استمرار تأثيره عليه حتى وإن أدرك إحالته للقصاص أخيراً . ثانياً: غالبية جرائم القتل التي نقرأها ، لحظية غير مخطط لها ولا يسعى الجناة لسريتها ، ومُعظمهم يتم القبض عليهم متلبسين أو يسلمون أنفسهم ، و أغلبها تحدث داخل نطاق أُسرة واحدة ، وهذا ما يكشف دوافعها كما أن هذا يكشف خلو مُعظمها من اللمسة الإجرامية المحبوكة والمُنظمة والتي نراها في بلدان أُخرى وتستمر التحقيقات بها سنين طويلة ! ، و يجعلنا ذلك نُعيد النظر بها لنكتشف في النهاية بأن هُناك أسباب نفسية ترتبط تماماً بالمشاكل العائلية و بالسلام النفسي للأسرة والمجتمع ، و أسلوب الانتصار للنفس و الانتقام الذي تنتهجه وهذا ما نلحظه من نتائج الخلافات والصراعات ولحظات الضعف ! ثالثاً : عندما يكون السبب في بعضها (تعاطي المخدرات ) ، فلماذا يتعاطون المخدرات ؟ هي ذات الأسباب النفسية والضغوطات الاجتماعية ، هو سؤال بإجابة لا تكفيها أسطر مقال . رابعاً : هل تنتج بعض المناهج المُجتمعية كالأنانية أو الظلم أو الإقصاء ، جُناة ومتعاطين ؟ وكيف سيتعلم من يفكرون بالقتل أو الانتحار ، الانتصار لأنفسهم وحل مشكلاتهم دون إزهاق نفس بريئة وهل لازلنا نستهين بأدوار الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين ونهتم بالمحاضرة الدينية فقط و تظل الحلقة ناقصة لدينا ؟؟ . المُجتمع وأدوات الجريمة : أحد أجزاء المُشكلة هو الافتقاد إلى أبجديات الحوار والتفاوض في الخلافات والمشاكل واللجوء إلى إيقاف (الحياة) التي تُمثل مصدر المشكلة ! ،كما أن أحد أجزاءها هو الإرث الاجتماعي لدى شريحة من المجتمع والذي يُحتم تواجد السلاح ، و موروث الثأر الذي يجعله قريب جداً من الجاني المتهور والذي لا يردعه أي وعي ديني أو إنساني ، ونستطيع أن نلمس الفرق بين دوافع اقتناء السلاح في هذا البلد وبين بلدان العالم . وحينما تتحول لحظات الغضب إلى جريمة قتل ( انتصاراً للذات ) والتي يصل إليها من لم يتلقى وعياً دينياً كافياً و متكاملاً من محيطه ،و يغيب الخوف ممن حرم المساس ، و تصدر تلك الجريمة من النفس في أضعف الحالات ، فما أحزن أن تعيش ذلك \"شخصية تنتمي للإسلام \" وإلى بلد آمن . علينا أن ننظر إلى النسب الأعلى للأسباب والتي تمثلها الأوضاع الاجتماعية وما يحيط بالفرد من المشاعر السلبية المتصاعدة ، كمشاعر الفشل أو اليأس وعدم الرضا عن الذات ، أو الظلم والنقم ،وأن نُكافح فقر القيم الإنسانية النبيلة عبر مؤسسات المُجتمع جميعها ، علينا أن نُدرك بأن لهجر المشكلات العائلية والحياتية وتركها بلا حلول دور في تفاقم الجريمة ، وبأن جُزء منها هو محاولة لرد الحق و الاعتبار ولكن عبر \" إزهاق نفس مُحرمة \" ! منيرة عمر ال سليم