لمى الروقي لم تعد ابنة عايض راشد الروقي وحده، فهي اليوم بنت كل السعوديين، وها هو الحس الإنساني يجمعنا من جديد في قضية من قضايا الألم، تنسج حضورها الطاغي طفلة جميلة في مقتبل العمر، غابت في غياهب الجب برفقة دميتها التي لن تستطيع هذه المرة أن تؤنس وحدتها العميقة. طوابير الدعوات الصاعدة إلى السماء لم تتوقف منذ اللحظة التي وطأت هذه الفاجعة بقدمها ساحات التواصل الاجتماعي، وشهامة «الفزعة» تنقل محمد الشمري من مطار الدمام إلى مطار تبوك ليخاطر بحياته «متطوعا»، وينزل في ظلمة البئر الضيقة علّ يده الممتدة تقبض باليد الصغيرة التائهة، إلا أن قدر اليدين لم يلتقيا.
روح الابتكار دفعت إبراهيم الزهراني من الطائف إلى تقديم اقتراحاته واختراعاته البسيطة التي قد تخرج الطفلة من قاع بئر اقتات على بقايا البراءة، ومع هذا الطوفان المشاعري عبر خالد الشمري من رفحاء عن تعاطفه الغامر بتسمية مولودته الجديدة لمى؛ لتحمل ذكرى الوفاء للطفلة التي استوطنت القلوب والبئر معاً.
والد ووالدة لمى وذووهما يعيشون حالة قاسية من العزاء المؤجل يفوق وجعه ألم العزاء المنتظر، وأجسادهم المرتجفة في العراء لا تحس بالبرد القاسي من شدة حرارة الفاجعة، وانقضاء الليالي والأيام لم تقطع الأمل بحياة لمى لأن قلب الوالد لا ينبض إلا بالحياة.
قضية لمى قضية رأي عام تخطت حدود السعودية، وهذا معالي الفريق ضاحي خلفان من دبي يشارك في القضية ويتحدث عن قصة إنقاذ لقصة مشابهة حدثت عندهم قبل عقد من الزمن، والكثيرون يتحدثون ويقيمون جهود الدفاع المدني بين مقدر وناقم مع يقيني التام بإخلاص وتفاني العاملين في الدفاع المدني هناك، ولكن جميعنا يعرف أن لمى ليست أول طفلة في العالم تسقط في بئر عميقة، والاستفادة من آخر التقنيات الحديثة في العالم ليس عيباً.
فاعل الخير حفر البئر ليسقي الظمآن ويروي العطشان، والإهمال حول هذه البئر الخيرة إلى بؤرة شر خطيرة، وتسوير هذه الآبار وردمها أقل كلفة من رحلات الإنقاذ الدامية، ومبادرة الفوزان لخدمة المجتمع في تسوير 400 بئر بالشراكة مع الدفاع المدني في المنطقة الشرقية قصة نجاح مسؤولة تستوجب التعميم حتى لا تتكرر المآسي.
لمى الروقي طفلة نقشت اسمها في قلوبنا بمداد الحب والألم، وأفاضت دموع الصدق على صفحات وجوهنا، وحتى وادي الأسمر في محافظة حقل تنازل عن اسمه ليصبح وادي لمى.