أولاً .. نحمد الله على ما منّ به على ضيوف بيته العتيق من نجاح موسم حج هذا العام ( 1438 ه ) وخُلوّه من الأمراض المحجريّة والأوبئة والحوادث التي يندر خلوّ أيّ تجمع بهذا الحجم منها. لقد استمتعنا بذلك التنظيم المبهر وتلك المناظر واللقطات الإنسانية التي أبهجت الصديق وأغاظت العدوّ. القاصي والداني يعلمان حرص المملكة على نجاح الحج ورجوع جموع الحجاج إلى بلادهم سالمين غانمين يحملون بين جوانحهم ذكريات لا يملّون من استحضارها والتحدّث عنها طالما بقيت أرواحهم في أجسادهم. هذا الإنجاز بمثابة وسام شرف على صدر كلّ سعودي وكلّ محبّ للملكة ولأهل السنّة والجماعة. إنّ الفضل يعود أولاً وأخيراً لتوفيق الله تعالى ثمّ للتخطيط المحكم والتنفيذ الصارم واستشعار المسؤولية من قِبل المسؤولين والعاملين في الميدان على كافة مستوياتهم ومسؤولياتهم. ثانياً .. هناك من يحاول القدح في جهود المملكة وقدرتها على إدارة عمليات الحج بشكل جيّد وذلك من خلال المقارنة بين ما حدث من وفيات في مواسم الحج الماضية وبين ما يحدث من وفيات في المناسبات الرياضية العالمية حيث يرى أن نسبة الوفيات في الحج تزيد عن تلك التي تحدث في المناسبات الرياضية ونسي هذا، بل تناسى الفارق الكبير بين المناسبتين. من الفوارق أعداد الحجاج الضخمة التي تجتمع في أماكن محدودة وأيام معدودة وطبيعة الأرض الجغرافية التي لها تأثير على شبكة المواصلات وسهولة التنقل. ثمّ يأتي عامل آخر وهو مهم جداً وهو أنّ كثيراً من الحجاج من كبار السنّ وبعضهم مرضى لكنّهم يحرصون على أداء الركن الخامس قبل أن يفارقوا هذه الحياة الدنيا. وهناك عامل آخر وهو ارتفاع درجة الحرارة في بعض المواسم كما هو الحال في هذا العام والأعوام القليلة القادمة. يضاف إلى ذلك أنّ كثيراً من الحجاج يأتون من بلاد فقيرة يكثر فيها الجهل وقلة الوعي مما يزيد من إشكالية التزامهم بالخطط الموضوعة والتعاون مع رجال الأمن. هل يصحّ بعد هذا أنّ نقارن هذه الأوضاع والأعداد بأوضاع مختلفة كثيراً وأعداد تعتبر ضئيلة جداً مقارنة بأعداد الحجاج !؟. الحقيقة أنّنا نقع في أخطاء كبيرة عندما نحكّم أهواءنا ونفجُر في الخصومة. هذه إشكاليّة تعاني منها المجتمعات المسلمة كثيراً بكل أسف. إذا اختلف أحدنا مع أخيه جعل فيه السبع الموبقات!. نحن مأمورون بالإنصاف والعدل مع أعدائنا فكيف لا ننصف ولا نعدل فيما بيننا!؟. يقول الباري جلّ في علاه : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألّا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتّقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون } ويقول تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا }. إن حدثت عداوات أو خلافات بين بعض الدول وبعض المسلمين فينبغي حصرها في أضيق نطاق والسعي في الإصلاح قدر المستطاع ليكون هناك مجال لرأب الصدع وجمع الكلمة لتفويت الفرصة على المتربصين والشامتين وأعداء الأمة الحقيقيين الذين يزيدون النار اشتعالاً ويُوظّفون نتائج الخلافات ومخرجاتها لمصالحهم ولضرب الإسلام والمسلمين وذهاب ريحهم وكسر شوكتهم في كافة المجالات. إنّ الإنجازات التي تحققت هي حافز لنا للمزيد من التخطيط والتنظيم والتفاني للوصول إلى مستويات أعلى مما تحقق إلى الآن. وختاما نقول شكراً لكلّ من ساهم في هذا الإنجاز. نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتهم. وإلى المزيد من هذا التميّز. 15 ذو الحجة 1438 ه