أزمة تتجدد كل عام، مع دخول المدارس دون حل، وفي النهاية يدفع الأطفال الثمن من سلبيات التربية بعيدًا عن الأم، وخطورة الحوادث المتكررة على أيادي الخادمات، فيما تتكبد الأمهات مشقة تلبية حاجة أطفالهن للرعاية، فضلًا عن الخوف والقلق الذي يساورهنّ طوال فترة بقاء أطفالهن لدى الخادمات. وتبخرت آمال وطموحات الأمهات العاملات في إنشاء حضانات في المدارس لرعاية أبنائهن، وذهبت مطالبهن أدراج الرياح لعام جديد – يبدو أنه لن يكون الأخير – وسط صمت من المسؤولين ووعود براقة لا تُنفذ على أرض الواقع. ولم تتمخض وعود نائب وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات نورة الفايز منذ عامين عن شئ يذكر، بعد أن صرحت بأن الوزارة تدرس مقترح إنشاء حضانات أطفال بمدارس التعليم العام. شروط تعجيزية وفرضت وزارة التربية والتعليم ضوابط لافتتاح الحضانات الحكومية الملحقة بالمدارس بجميع مراحلها الابتدائية، المتوسطة، والثانوية، مشددة على ضرورة التأكد من توافر الشروط المرتبطة بالمبنى، والأثاث، إضافة إلى شروط التسجيل، والحضانة عند افتتاح الحضانة وقبل الموافقة عليها من إدارة التربية والتعليم. وتضمنت الشروط المطلوب توافرها في المبنى أن يكون مقر الحضانة بالدور الأرضي، ويتكون من ثلاث غرف عبارة عن غرفة نوم بها أسرّة صالحة، غرفة لعب للأطفال الدارجين، وغرفة للطعام. كما فرضت وجود دورة مياه خاصة بالحضانة تكون داخلها، وساحة صغيرة تستغل كملعب خارجي، ونبهت الوزارة على أن الأثاث يجب أن يحتوي على بساط بلاستيكي لفرش أرضية الحضانة ليسهل تنظيفه، أو يمكن تجديده سنويًا، ووجود أسرّة مناسبة لأعمار الأطفال وكافية لأعدادهم، مع توافر صيدلية لحفظ أدوية الإسعافات الأولية، وتوافر ألعاب للساحات الخارجية. بدائل وأصبحت الموظفات وسط هذا الواقع بين بدائل أصعب من بعضها، فهل تخاطر بحياة فلذات أكبادهن، ويرضين ببقاء أطفالهن مع الخادمات، أم يدفعن أموالًا طائلة لحضانات منزلية تتجاوز رسومها الشهري 1800 ريال لن تبدد إحساسهن بالقلق الدائم، أم يتركن وظائفهن ويتفرغن لرعاية أبنائهن. مبادرة لم تكتمل ولم تنتظر معلمات وإداريات في عدد من مناطق المملكة تنفيذ الوزارة وعودها والاستجابة لمطالبهن، فشرعن في مبادرة لتأسيس دور حضانة بجهود شخصية، لاصطحاب أطفالهن معهن خلال ساعات الدوام الرسمية. وجاء تأسيس الحضانات في أعقاب الحادثة التي هزت أوساط المجتمع في 1433ه، وكانت ضحيتها الطفلة البريئة "تالا الشهري" التي لم تتجاوز الأربعة أعوام، وذلك بعد أن فصلت العاملة الإندونيسية "كارني" رأسها عن جسدها أثناء تواجد والدتها المعلمة في المدرسة. وفي نفس العام عكف عدد من المعلمات، على إطلاق حملة "آخذ طفلي معي"، لمطالبة وزارة التربية والتعليم، بإصدار قرار يقضي بفتح "حضانات" رسمية في المدارس، وتعيين موظفات سعوديات متخصصات في الحضانة ورياض الأطفال. وفي العام الذي يليه أنشأت مديرة الثانوية ال26 بتبوك حضانة لمعلماتها، كما اضطر أحد المجمعات التعليمية في قرية "شواق" النائية بتبوك، وبمبادرة فردية من مديرة المجمع، إلى تلبية مطالب المعلمات وافتتاح حضانة. واعتبرت المعلمات اللواتي اتخذن هذه الخطوة على خلفية حادثة الطفلة "تالا"، أن هذه أحد حقوق المعلمات اللواتي يخرجن من منازلهم تاركات أبناءهن في أيادي عاملات المنازل ليرعين فتيات الوطن. إحصائيات صادمة وبحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم عام 1433ه فإن عدد الحضانات والروضات في عموم المملكة لا تتجاوز 166 رياض أطفال مقارنة ب 17695 مدرسة تعليم عام لجميع المراحل. وفي جدة مثلًا لا يتجاوز عدد الحضانات أربع حضانات و26 روضة مقارنة بعدد المدارس في المحافظة. ومن الناحية الاقتصادية فإن وجود دور الرعاية المبكرة للأطفال "الحضانات"، سيخفض حجم استقدام العمالة المنزلية 30 %، من حجم العاملات المستقدمات لرعاية الأطفال، كما ستعمل على توفير فرص وظيفية خاصة للجامعيات المتخصصات في هذا الجانب. تأثير نفسي وربط الأخصائي النفسي "محمود بو صالح" كفاءة المرأة العاملة وزيادة إنتاجيتها بالعمل إلى الراحة والاطمئنان النفسي التي تشعر به، وقال "لن يكون ذلك إن لم توفر لهن الدولة سبل الراحة، والتي من أهمها في نظر العاملات الأمهات هو وجود حضانة داخل مقر عملهن، فحين يعاني الطفل من أي أعراض سواء كانت مرضية أو نفسية في فترة الحضانة والتي تقدر بالسن ما قبل الدراسة فستكون الأم في صراع داخلي من حيث ترك طفلها في أيدي عاملة منزلية غير مؤهلة أو حضانات لا تثق بها". وقال: "حتى وإن توفرت حضانات داخل الأحياء فالأم الموظفة ستظل في قلق ما لم يكن طفلها أمام أعينها خصوصا عندما يكون في فترة الرضاعة والتي يحق لها أن تمنح ساعة من عملها لذلك، وهذا ما يحتم وجود حضانات داخل مقار العمل مما يرفع من مستوى وعطاء الموظفة، ويبعث في نفسها الراحة، ويعكس على سلوكها العاطفي، وبالتالي يحد من غيابها". وأضاف أن وجود حضانات نموذجية داخل الأحياء والمدروسة بطرق علمية بعيدة عن التجارة سيؤدي الغرض المأمول شريطة قيامها بدور تدريبي وتعليمي وترفيهي وتأهيلي، وتكون مجهزة بالكامل بكوادر متدربة ومؤهلة وعلى قدر عال من الأمانة والثقة. حاجة ماسّة الدكتورة ابتسام بنت بدر الجابري أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، علّقت على هذه القضية، قائلة: "الأمومة مرتبة عظيمة في فضلها وأمانتها ومسؤوليتها، ومهما تفاوتت المراتب، التي تختص بها المرأة، إلا أن شرف هذه المهمة أعظم، ومن هنا استحقت فضل البر والتقديم فيه، (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، والحديث (أمك ثم أمك ثم أمك)، وعمل المرأة خارج بيتها لا يعني تنصلها من أعظم مسؤولياتها، أو دفع هذه المسؤولية لمن ليس أهلًا لتحملها، ومن هنا كانت الحاجة ماسة لرعاية الطفولة، ولتتحقق هذه الرعاية تحتاج المرأة في بيئة العمل حضانة تحتضن أطفالها وترعاهم وتستطيع في وقت فراغها الاطمئنان عليهم". وأضافت ل"تواصل": "كانت لي تجربة رائعة ما زلت أتذكرها في جامعة الأميرة نورة منذ سنوات حيث كنت اصطحب أولادي الثلاثة معي وأنا في راحة وطمأنينة لا يعادلها شيء وما زلت أستشعر تلك المشاعر إلى يومي هذا، وأدعو لأهل الفضل، ثم عانيت بعدها في أولادي الآخرين حيث لا توجد حضانة ولا روضة".