لم يعد خبراً منشوراً عن إطلاق نار في فرح أو مناسبة ما، يقدم شيئًا جديدًا للقارئ، بعد أن باتت تلك الوقائع تتكرر بشكل مستمر، ونطالع أخباراً مأساوية أصبحت تشكل ظاهرة في المجتمع. وبقدر ما تمثل تلك الظاهرة من تحدٍ قويٍ لأمن المجتمع ولقرارات وتعليمات الأجهزة الأمنية، فإنها تمثل أيضًا عجزًا وقصورًا من جانب تلك الأجهزة في مواجهتها، والحد منها خاصة مع اعتبار أن الإقدام عليها جريمة يعاقب مرتكبها بموجب نظام الأسلحة والذخائر بالسجن والغرامة. سبل المواجهة ورغم أهمية وأولوية الحل الأمني في تعقب المخالفين، إلا أن أصواتاً عدة تعالت في مختلف الأوساط بضرورة تكثيف التوعية الإعلامية وزيادة جرعات التحذير من خطورة هذا السلوك والكوارث التي يمكن أن يتسبب في حدوثها وكشف الحقائق بالأرقام عن الخسائر في الأرواح والممتلكات. ويأتي قرار صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية السابق في ذي القعدة عام 1433ه واضحًا لا يحتمل تأويلًا بالتشديد على إمارات المناطق والأجهزة الأمنية المختصة وهيئة التحقيق والإدعاء العام بتطبيق الأنظمة والتعليمات في حق من يقوم بإطلاق النار في المناسبات وحفلات الزواج في مناطق المملكة، معتبرًا أن إطلاق النار في مثل هذه الحالات جريمة يعاقب عليها بموجب نظام الأسلحة والذخائر بالسجن والغرامة. من المسؤول؟ وتم تعميد شرط المناطق في قرار الوزير بمراقبة أصحاب القصور وقاعات الاحتفالات والاستراحات بالتقيد بذلك، وتطبيق النظام بدقة، وعدم التهاون مع أي كائن كان، ومن يخالف ذلك يجازى جزاءً صارمًا. كما ربطت الوزارة المسؤولية الجنائية لحوادث إطلاق النار التي تقع في حفلات الأعراس، بمستأجري القاعات، ملزمة إياهم بالإبلاغ عن أي حوادث من هذا النوع في محيط تلك المناسبات. وشددت الداخلية بعد رصدها لبث بعض القنوات الفضائية احتفالات مصورة تم فيها إطلاق النار وتبادل الأسلحة النارية كهدايا، على الجهات ذات العلاقة بضرورة التعامل بحزم مع تلك التصرفات، وضبط مخالفي الأنظمة المتعلقة بمنع استخدام الأسلحة النارية في المناسبات الخاصة وحفلات الزواج. حوادث مؤلمة ولعل الفيديو المتداول مؤخرًا والذي تحول فيه أحد الأفراح إلى ساحة حرب فتح فيها العشرات من المواطنين نيران أسلحتهم الرشاشة وأطلقوا آلاف الرصاصات في الهواء، لن يكون الأخير. ولاقى المقطع استهجانًا كبيرًا من قبل المتابعين الذين طالبوا الأجهزة الأمنية بالحد من انتشار السلاح واستخدامه بهذه الطريقة السيئة، خاصة أن تلك الممارسات أسفرت عن عدة حالات وفيات وإصابات لأبرياء. ومن بين تلك الحوادث ما قرأنه قبل أيام في عدد من الصحف والمواقع الإخبارية حول فقد أحد الأشخاص السيطرة على سلاحه أثناء إطلاق النار احتفالاً بمناسبة زواج في بللحمر بمنطقة عسير، ما تسبب باتجاه الأعيرة نحو الضيوف، لتقتل شخصًا وتصيب ثلاثة آخرين. وفي محافظة الحرجة التابعة لعسير أيضًا تلقى المواطنون التعازي بدلًا من التهاني والتبريكات، بعد وفاة أحد المحتفلين (45 عامًا) بطلق ناري طائش. وفي محافظة أبو عريش شرق جازان كاد حفل زفاف بإحدى القاعات أن يتحول إلى مأتم هو الآخر، عندما تعرض مدعو سبعيني لطلق ناري بالخطأ من سلاح شخصي من نوع "كلاشنكوف" أطلقه أحد أقارب العريس ابتهاجًا بليلة الزفاف. وأخيراً مساء أمس "الأحد" في مكةالمكرمة عندما تعرض عريساً لطلق ناري بفخذه الأيسر أثناء بدء مراسم الاحتفال بزواجه، إذ انطلقت رصاصة من مسدس أحد أشقائه لتستقر في فخذه. لا يجوز ومن الناحية الشرعية فقد أفتى عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان بعدم جواز إطلاق النار وما شابه فيها، نظرًا لما قد يترتب عليه من أضرار بالآخرين. وقال في نص فتواه رقم (6861) المنشورة في "المنتقى من فتاوى الفوزان": "لا شك أن هذا لا ينبغي ولا يجوز الإسراف في الحفلات والإسراف في إظهار الفرح وإطلاق النار وما أشبه ذلك كل هذا من المبالغة والإسراف إضافة إلى ما قد يترتب عليه من الخطر لأن إطلاق النار باستعمال السلاح ربما يؤدي إلى الإضرار بالآخرين فالحفلات والفرح بمناسبة الزواج إنما يكون بحدود مشروعة ومعقولة ليس فيها إسراف وليس فيها تبذير والذي ننصح به إخواننا أنهم في مثل هذه المناسبات يتعقلون في أمرهم ويحتفلون احتفالات لا إسراف فيها ولا تبذير ولا غفلة عن ذكر الله عز وجل ولا يحصل فيها محاذير ومنكرات وكل هذا مما لا يجوز والمسلمون منهيون عن الإسراف في الفرح والإسراف في تبذير المال من غير فائدة وكل ما تجاوز حده فإنه ينقلب ضده والله أعلم". سؤال مفتوح ويبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة عاجلة من كل مسؤول ومن يهمه الأمر، إلى متى تظل تلك الظاهرة تمثل تهديدًا للمواطنين في الأفراح والمناسبات؟، ومتى يتم الضرب بيد من حديد على مخالفي استخدامات الأسلحة الشخصية؟. وإلى حين تتم الإجابة تظل قبول دعوة فرح بمثابة مجازفة واختبار غير مأمون العواقب، لكثير من الأشخاص.