ليست مشكلة "الدلم" – كما يظن بعضهم – كونها واقعة في ملتقى أودية عملاقة تأخذ طريقها إلى "السيح" الواقعة في الشمال الشرقي منها؛ بل هذه من أهم أسباب اختيار عقلاء سكانها لاستيطانها، وهو التفرّد الجغرافيّ العزيز المُمَيّز في موقعها؛ إذ جعلها هذا الموقع المتفرّد من أخصب البقاع النجدية في تربتها، ومن أكثر البلدان استفادة من سيول الأودية وغريف طَمْيها، ولو كانت "الدلم" في "حزم" أو "صَلْعَة جبل" أو محرومةً من تدفّق السيول الجارية في مساقي مزارعها؛ ما درّت – بإذن الله – على أهلها، ولا ظهر جود أنواع تمرها، ولذيذ قمحها، وتنوّع خضارها، وتعدد فواكهها؛ ومن ثَمّ لا يستطيبون ظَهْرها. ولو تأمّلْتَ النص القرآني الكريم في الحديث عن "الجنات" – جعلنا الله من أهلها – لوجدتَ أن من أنواع مُتَعها، ومن مآسر جمالها، وأسرار نعيمها؛ كونَ الأنهار تجري من تحت أهلها؛ فتتكحّل عيونهم بجمال جَرَيانها، وتنشرح صدورهم بسماع صوت انسياب مياهها في جنباتها.
لكن المتعيّن هو درء مخاطر سيول جبالها عن سكانها؛ من غير التفكير في سدّ أوديتها؛ بل بحسن الإفادة منها، واستثمار عظيم منافعها؛ من خلال الاستماع لخبرة كبار السنّ من أهلها؛ ثم تقديم المزيد من العون المادي والتّقَني من جهات الاختصاصات الحكومية المعنيّة بحسب مسؤولياتها المناطة بها شرعاً ونظاماً من قبل ولاتنا – حفظهم الله تعالى -، وبحسن تخطيط عمرانها، وتجاوز مخاطر جَرْف سيولها؛ قدر الإمكان.
ثم إنْ وقَعَ فيضان طوفاني غير عادي – كما حصل مؤخّراً وهو نادر – فلا ينبغي الولولة ولا العلعلة ولا تقاذف المسؤولية؛ فالدلم ليست بمنأى عن سُنة الله الجارية في أمثالها؛ فهي من جملة مُدن العالم التي تتعرض لأقدار الله تعالى الماضية فيها وفي غيرها؛ التي يبتلي الله سبحانه عبادَه بها؛ لحكمة قد يفوت أفهامهم إدراك أسرارها؛ فربّ ضارة نافعة؛ تخطيطاً ونهضة وعمراناً واعتباراً، وربّما صحّت الأجسام بالعلل، والسيل كما يقال : خرابه عمار، وفقده نقص وانهيار.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يزيدنا إيمانا وغيثا وأمنا وفضلا. د.ناصر بن عبدالرحمن الخنين 1438/5/21- 2.17/2/18