قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ). عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : لما نزلت هذه الآية (يدنين عليهن من جلابيبهن) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها. وروى ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها: لما نزلت (وليضربن بخمرهن ) انقلب رجال من الأنصار إلى نسائهم يتلونها عليهن ، فقامت كل امرأة منهن إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرت بها ، فأصبحن من الصبح وكأن على رؤوسهن الغربان . هذه النصوص تبين لنا حال المؤمنات الصادقات مع أحكام الله حيث بادرن بالامتثال ، واستجبن لأمر الله بدون تردد ولا تسويف ، وهذا مصداق قوله تعالى " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا " . قال القرطبي " فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم اللّه ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأي ولا قول " . فليس لأحد مخالفة أمر الله فضلا عن الاستهزاء به ، أو الاستخفاف بمن التزم به ، أو رده والإعراض عنه والعياذ بالله . قال النابلسي " في قوله تعالى "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " أن يعرفن بالعفة والتصون فلا يتعرض لهن الفساق ولا الفجار ، وهذه قاعدة : وهي أن المرأة إذا بالغت في التحجب والتصون قطعت كل طمع فيها ، إذ تعلن للناس أنها عفيفة ، أنها حصان ، أنها معرضة عن كل رغبة فيها " . والمتأمل في حجاب النساء اليوم – إلا من رحم الله – يجد تفننا في التزين ، وتنافسا في التبرج ، وتغيرا كبيرا في سيما المتحجبات ، فإلى وقت قريب كان الحجاب أقرب إلى العفة والصون ، وأبعد عن الفتنة والشهرة ، وكانت المتعلمات والمثقفات والأكاديميات وممن يحسبن على أهل الخير من أسبغ النساء حشمة ، وأمثلهن التزاما واحتشاما ، ولكن اليوم وللأسف عمّ الخطب واتسع الخرق ، فضاقت العباءة وتخصرت ، وسقطت من الأعلى وتعثرت ، وضاع الغطاء وتاه في زحمة التغيرات ، واندثر النقاب واختفى في طور التحسينات ، وبقي اللثام لبعض المتحجبات على حياء ، يسدلنه حينا ويرفعنه أحيانا ، ويتخففن كالقواعد من النساء ، ورحم الله حفصة بنت سيرين فعن عاصم الأحول قال : دخلت عليها و قد ألقت عليها ثيابها فقلت أليس يقول الله ( و القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) . قالت : اقرأ ما بعده ( و أن يستعففن خير لهن ) . وفي المقابل لا تزال هناك ثلة مباركة ، على الحق ثابتة ، ورغم المتغيرات صامدة ، لا يضرها المخذلون ولا المتلونون ، تبتغى الأجور بنفس راضية مطواعة ، وبإيمان راسخ كالجبال ، لا تهزها الأعاصير ، ولا تغرها الموضات وتطور الأزياء . ومن العجب أن نجد بعض الكاتبات المتبرجات بل والسافرات ، المعرضات عن أمر الله والمتبعات للهوى ونزغات الشيطان ، نجدهن يحاربن المحجبات العفيفات ، ويتهمن الآمرات بالمعروف والناهيات عن المنكر ، ويسلطن أقلامهن للنيل من أهل الخير ، فعجبا ممن تحارب شرع الله وتعارض حكمه ثم تهاجم الثابتات في زمن المتغيرات ، وهي لا تنتصر لدينها ولا تمتثل لحكم ربها ، تلوي النصوص لتوافق هواها ، وتمجد حرية الغرب ونساء الحرية . فشتان بين من سارت في ركب أولياء الرحمن ، تدعو إلى الله على بصيرة ، وبين من كانت في حزب الشيطان وتدعو إلى التفلت والتحرر . وسؤالي لمن تبدل حجابها وتغير جلبابها : هل كنت على خطأ فصححت حجابك ؟ أم كنت على صواب فغيرت مسارك ؟ وأهمس في أذنيك : بقدر ثباتك تكون نجاتك . وأوصيك : قد يكون لنا عذر في تغيير لباسنا وتزيينه ، وتبدل أثاثنا وتجديده ، وتنوع طعامنا وتحسينه ، لكن لا عذر لنا أمام الله في التنازل عن ثوابتنا ، والتخلي عن هويتنا ، والاستغناء عن كمال العفة وجمال الحشمة . في زمن المتغيرات تتخلخل الثوابت ، وتندثر المبادئ ، وتتبدل القيم ، ويعود الإسلام غريبا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" . وفي رواية قيل : يارسول الله من الغرباء ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس " وفي لفظ " هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير ".