كنا بالأمس نقول: "العالم في بيتك" عند الحديث عن أهمية الإعلام في التواصل مع المجتمعات والثقافات. اليوم مختلف عن الأمس، فقد أصبح " العالم في جيبك" من خلال الهاتف المحمول. فقد استغنيت به عن الصحافة والتلفزيون والإذاعة، لأن ما تبثه هذه الوسائل أصبحت تنشره عبر وسائط الإعلام الجديد. اليوم هو " يوم إعلام المواطن"، والجيش الإعلامي الأكثر ولاء للوطن والهوية هو الجيش الذي يلتحق به المواطنون عبر وسائل الإعلام الجديد، وليس وزير الإعلام، أو موظفو الوزارة الذين يمارس (معظمهم) مهنته بإحساس الوظيفة، التي يقتلها الروتين ويغيب فيها الإبداع، وليس من منطلق استشعار الهم والرسالة والمسؤولية. في هذه المرحلة التي تيسرت فيها وسائل التواصل مع المواطنين والمسؤولين في الداخل، ومع المجتمعات والثقافات في الخارج من خلال الهاتف المحمول وتطبيقاته فإن دور المواطن أصبح – في كثير من الأحيان- أكبر من دور المسؤول الإعلامي ووزارته. وقد رأينا فيما مضى شواهد كثيرة، وقضايا متعددة، تصدى فيها المواطن الغيور لما تثيره وسائل الإعلام الإيرانية والغربية بكفاءة واقتدار. اليوم هو يوم المواطن، ومسؤولية الدفاع عن هوية الوطن، وثوابته، وأمنه، واستقراره، لم تعد حكراً على صانع القرار أو المسؤول فقط، بل أصبح المواطن هو الأكثر تأثيراً، ويستطيع أن يفعل ما لا يفعله المسؤول وصانع القرار بإمكاناته وصلاحياته. وحتى يكون للمواطن دور أكبر في المرحلة، فهذه خطة مختصره وعاجلة، تحتاج إلى تفصيل لاحق. أولاً: ميثاق الشرف. لا بد أن يتفق الشباب على ميثاق شرف ينطلقون منه، حتى يقوم بنيانهم على أساس من الثوابت أثناء تفاعلهم مع القضايا الداخلية والخارجية عبر وسائط الإعلام الجديد، وأن يواجهوا كل من يخرق بنود هذا الميثاق حتى لا تغرق السفينة. هذه الثوابت هي: 1- ثابت الدين، فهذه الدولة قامت وتأسست على منهج الإسلام. فقد نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم على أن: "المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية…دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم". فأي توجه – صريح أو خفي- يخالف هذا المنهج فهو باطل، من أي جهة صدر. 2- ثابت البيعة الشرعية. وهو مطلب شرعي قبل أن يكون واجباً وطنياً. فأي صوت يدعو إلى التمرد على وحدة الوطن، أو يفرق الكلمة، أو يخرج على الجماعة فهو باطل. 3- ثابت الوطن. فأي صوت يوالي العدو، أو يتعاطف مع الأجنبي، على حساب أمن الوطن واستقراره ومصالحه فهو باطل. ثانياً: الرؤية. تذكر دائماً وأنت تشارك في الإعلام الجديد أنك في وطن مقدس، وأن ما يجري من حولك هو تآمر مستمر على أركان هذا الوطن وبنيانه، تآمر من عدو ظاهر، وعدو بلباس الصديق أو الحليف المتلون. فأما العدو الظاهر فهم الفرس وعملائهم في الدول المجاورة، وأما العدو المتلون وفق ما تمليه مصالحه المتغيرة فهم الروس والأمريكان الذين يديرون الصراع ويغذونه في كل مكان من حولنا. واتفاقهم مع الفرس ليس حباً لهم، ولكن نكاية في أهل السنة، ومحاولة للقضاء على دولهم ومجتمعاتهم لتحقيق أطماعهم. ولم يتبق لهم من تحقيق استراتيجيتهم إلا هذا الوطن المتماسك، العصي على أهدافهم. هذا العدو يعمل على محورين: خارجي بتقوية أطراف الصراع، وداخلي في محاولاته لزعزعة المجتمع، وبخاصة من خلال هذا الإعلام الجديد، وأنت اليوم أيها الشاب الحارس الأمين. ثالثاً: العمل. التفاعل مع الإعلام الجديد للقيام بالواجب ينبغي أن يُنفّذ – من كل مواطن- وفق ما يلي: 1- لا تنتظر التوجيه بالمشاركة، بل عليك بالمبادرة، فهذه مسؤولية تشارك فيها بقدر وسعك واستطاعتك. 2- أن تكون مشاركتك في الإعلام الجديد مبنية على الصدق والإخلاص لتلك الثوابت، وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، متجنباً الشخصنة أو حظوظ النفس. 3- أن يكون تفاعلك في الإعلام الجديد بأسلوب يراعي شرف الكلمة، بعيداً عن الابتذال أو الإسفاف في حوارك ونقاشك مع المواطنين. الإعلام الجديد رفع سقف الحرية، والحرية لا تعني الفوضى، بل الحرية المسؤولة، التي تعي الواقع وتفكر في المستقبل، وتقدم المصالح وتدرأ المفاسد. 4- تأكد أن هناك شرذمةً من بني جلدتنا، يلبسون ثيابنا، ويعيشون معنا، لكنهم ليسوا في صفنا. لا يعلو لهم صراخ، ولا يرتفع لهم صوت إلا إذا أحدقت بالوطن المخاطر. وثّق كلماتهم، ثم بين خطرهم على الدولة والمجتمع بما قالوه وكتبوه، فبيان الحق والباطل لا يقوم على العاطفة أو الكلام الإنشائي، بل بالدليل والبرهان والحجة. 5- حاول أن تتجنب التشفي في تفاعلك مع غير المواطنين في الخارج، المتفقين معك في الغاية، والمختلفين في الرأي. فهدفك التأثير والإقناع وكسب أكبر عدد من الأصدقاء والحلفاء، وليس تسجيل موقف شخصي أو الانتصار للنفس، وقد قال الله تعالى: " وقولوا للناس حسنا"، وقال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وتذكر أن أسلوبك في الحوار والنقاش يعكس رقي الأخلاق في مجتمعنا، ويقدم صورة إيجابية عنه. 6- ضاعف من الجهد في كشف خطط العدو من الخارج، إما بكلمة أو صورة أو مقطع مرئي. يقول الله تعالى:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". فالكلمة والصورة سلاح في وجه العدو، وهي اليوم من أخطر الأسلحة في مواجهة العدو المتربص بالدين والوطن وأهله، يتألم منها أكثر من الرصاصة. 7- تثبت من المعلومة قبل الاقتناع بها، أو نشرها، أو حتى التعامل معها. فهناك أسماء وحسابات وهمية تُضمر الشر، وتتربص بالدين والوطن، فلا تكن فريسة لهذا الجيش الإعلامي الخفي. 8- الإيجابية من المواطنين في المملكة والمبتعثين خارجها تجاه ما ينشره الآخر عنا مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى. عليهم مسؤولية في الدفاع عن دينهم ووطنهم. وهناك شواهد كثيرة نتابعها في وسائل الإعلام الجديد في القيام بشرف هذا الواجب، نقدر لهم جهودهم ونترقب منهم المزيد. وقد رأينا نماذج مشرفة، وشواهد تثلج الصدر من المواطنين والمبتعثين على حد سواء. ومن ذلك ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز مؤخراً عن المرأة السعودية عندما وجهت لها (بخبث صريح) دعوة لأن تكتب رأيها عن واقعها في المجتمع السعودي، وتعامل أفراد المجتمع معها، فإنه التي عليها الردود من أبناء الوطن وبناته، وتصدت لأساليبها الرخيصة، بل وطالبتها بأن تلتفت إلى الواقع الوضيع والمهين للمرأة الغربية. وأما المبتعثون فهناك جهود فردية ملحوظة، انبرت للدفاع عن الدين والوطن بطريقة تعجز عن القيام بها المؤسسات الإعلامية المدعومة بالمال والكفاءات، رائدهم في ذلك استشعارهم المسؤولية في الدفاع عن الدين والوطن. ما سبق نقاط عاجلة، حوتها مقالة مختصرة، هدفها رسم الملامح العامة لما ينبغي أن يقوم بها الشباب اليوم وفق ما تتطلبه ظروف المرحلة. وليتأكد الشباب أن عليهم العمل وليس لهم أن يروا النتيجة. فقد قال الله تعالى في التنزيل الحكيم: "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"، وقال صلى الله عليه وسلم فيما معناه: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل". كل ما عليهم هو العمل، وإحداث الأثر، حتى تبرأ به الذمة، ويرتاح الضمير.