شرح الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور عبدالرحمن السديس في درسه الأسبوعي كتاب: "تفسير السعدي وعمدة الأحكام" بالمسجد الحرام، وتناول تفسير آيات الذكر الحكيم من سورة "الرحمن". واستهل السديس الدرس بالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بدأ في تفسير "سورة الرحمن" مبيناً أنها سورة مكية نزلت بمكة، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها سورة مدنيَّة والراجح من قول العلماء أنها مكيَّة والدليل على ذلك أن هذه السورة جاءت بتقرير العقيدة، بدءاً باسم من أسماء الله العظمى "الرّحمن"، ثم ذَكَرت جُمْلةً من آلاء الله عز وجل ونعمائه على عباده؛ "عَلَّمَ الْقُرْآنَ"، "خَلَقَ الْإِنسَانَ"، "عَلَّمَهُ الْبَيَانَ"، وهكذا في استطرادٍ في الآيات الشرعية والآيات الكونية التي تقرر العقيدة والإيمان، والإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العُلا، وكذا تقرير العباد على نِعَم الله وآلائه عليهم جلّ في عُلاه، وأيضاً فيها مخاطبة الإنس والجن في آيات عظيمة تكررت ثلاثاً وثلاثين مرة وهي قوله سبحانه: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) وهذا خطابٌ للإنس وخطابٌ للجن للتصديق بالله عز وجل وآلائه، وعدم التكذيب بهما أو بها جميعاً، ولهذا فإن بعض أهل العلم يسميها سورة الآلاء؛ لأن هذه الكلمة تكررت فيها بعد كل نعمة من نعم الله عز وجل وآلائه سبحانه على الجن والإنس. وأوضح السديس: أنّ موضوع "سورة الرحمن" يدور على إثبات التوحيد لله عز وجل والإيمان به، وتقرير العباد بنعم الله عز وجل عليهم في الدنيا والآخرة، ولهذا كانت سورة الرحمن بياناً للآلاء والنّعم التي أنعم الله بها على عباده رحمة منه وفضلاً من الرحمن جل جلاله، وهذه السورة لها مكانة عظيمة ولها مزيَّةٌ في بيانها وفصاحتها وبلاغتها وأوجُه إعجازها من خلال الإعجاز البياني وإعجاز المعاني، وكذا الآلاء والنّعم التي ذكرت في هذه السورة، وقد روى الإمام أحمد رحمه الله وغيره من حديث جابر رضي الله عنه، وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة على المؤمنين فلما جاء عند قوله سبحانه: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) سكتوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لَلْجِنُّ كانوا أحسن رداً منكم لأني قرأتها على نفر من الجن فكلما مرّ قوله سبحانه: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قالوا: ولا بنعمة من آلائك ربنا نكذب. وبيَّن السديس مناسبة هذه السورة وارتباطها بالسورة التي قبلها وهي "سورة القمر"، وفيها عدد من الروابط في المناسبات بين السورتين، فسورة القمر افتتحت بمعجزة كونية بقوله تعالى: "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ" وكذلك سورة الرحمن افتتحت بمعجزة كونية وشرعية.