تشهد بلادنا اليوم الموجة الثانية من الهجوم الفكري والإعلامي عليها، بعد تلك التي حصلت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة. هاتان الهجمتان – وما سيأتي بعدهما- تأتي تمهيداً لتحقيق مصالح سياسية وأطماع استراتيجية في المنطقة. ففي الهجمة الأولى اتخذت وسائل الإعلام الغربية مصطلح " الحرب على الإرهاب" ذريعة لتحقيق أهدافها، وقد آتت بعض ثمارها عندما وجهت سهام كلماتها ومضامين رسائلها بطريقة شمولية ومكثفة على مؤسسات المجتمع، الشرعية، والسياسية، والتعليمية، والمجتمعية، والخيرية. وقد انتهت هذه الموجه وطوي ملفها لتأتي الموجة الثانية مكملة لها. الموجة الثانية من الحرب الإعلامية التي تشهدها المملكة اليوم هي أشد خطراً من الأولى، ذلك أن السبب الرئيس هو أن من يقوم بالتخطيط لهذه الموجات المتتالية قد أدرك أن المملكة باتت محصنة ضد رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة، بل تبوأت موقع الريادة والقيادة لإعادة ترتيب الأوراق فيها، وبادرت بتحقيق ذلك عبر منظومة مبادرات سياسية وعسكرية أسهمت في فرض واقع جديد على الأرض لا يسر المتربصين بها. ومكمن الخطورة في الموجة الثانية من الحرب الإعلامية على المملكة يتمحور في ثلاثة عوامل رئيسة: – أنها حرب لم تقتصر مصادرها على وسائل الإعلام الغربية فحسب، بل يشترك فيها دول من المنطقة، ظاهراً مثل إيران، أو باطناً كدول عربية أريد منها تنفذ مخططات أعدت في مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الدول الغربية. – أنها تزامنت مع سطوة الإعلام الجديد وقوة تأثيره وسرعة انتشاره، وهو أمر لم يكن متاحاً في الموجة الأولى. – أن ممن يسهم فيها بعض من أبناء الوطن، إما بجهل أو لمآرب أخرى، وبخاصة فيما يتعلق بالهجوم على منهج المملكة التي تأسست عليه، أو بالمسلمات الشرعية التي لا يقبل السعوديون المساس بها الانتقاص منها، احتقاراً أو تمييعاً. والجامع للموجتين في الحرب الإعلامية على المملكة هو أن تبقى بلادنا في الظل، وأن تكون تابعة لغيرها، مستسلمة لمتغيرات يفرضها الغير عليها، وأن تكون مسلوبة الهوية، هشة البناء والتكوين. لكن ما يريده هؤلاء ارتد عليهم بواقع فرضته السعودية بنفسها، واختارته بإرادتها، فانطلقت عاصفة حزم في الجنوب، ورعد في الشمال، وتحالفات عسكرية وسياسية لم تكن في حسبانهم، فتغير وجه المنطقة، واختلط أوراق العدو القريب والبعيد، ولم يكن ينقص ها الواقع المشرف الذي فرضته المملكة إلا أن يرافقه إعلام يحكي واقعه، ويكتب تاريخه، ويدافع عن مصالحه. هذه الإعلام بحاجة إلى أن يسمو إلى تلك المكانة التي تبوأتها المملكة ليكون خير ممثل لدولة بهذا الثقل الديني والسياسي والاقتصادي على كل المستويات، العربية، والإسلامية، والعالمية. نحن بحاجة إلى موجة إعلامية تعبر عن بلادنا، وتعكس واقعها في ظل هذه المبادرات الكبيرة التي تقوم بها، السياسية والعسكرية. هذه الموجة لا بد أن تتكامل فيها: – المؤسسات الإعلامية الرسمية. – والمؤسسات الإعلامية الخاصة التي يملكها سعوديون. – ووسائل الإعلام الجديد التي يشارك فيها المواطن القادر والمؤهل لحمل رسالة المملكة ونقلها للآخر، العربي والأجنبي. هذه ثلاث منظومات إعلامية ضاربة، لو استغلها المسؤول في الإعلام الحكومي، ورجل الأعمال في الإعلام الخاص، والمواطن في الإعلام الجديد، لاستطعنا أن نواجه هذه الموجة الإعلامية في الحرب على بلادنا، وأن ننقل المعلومة الصادقة عن مجتمعنا. الإمكانات متوفرة، والعقول مؤهلة، والآخر ينتظر أن نقدم أنفسنا إليه. ما نحتاجه ليتحقق ذلك هو الإرادة والإخلاص، لنشرف بخدمة دين ننتمي إليه، ووطن يحتضننا وينتظر منا أن نقدم له الوفاء.