كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم يجتهدُ فيها أكثرَ مِن غيرها، فعن عائشةَ أنَّه كان يجتهدُ في العَشْرِ الأواخِرِ ما لا يجتهدُ في غيرها. وفي الصحيحين قالت: كان إذا دخلَ العَشرُ شَدَّ مِئزره وأحيا ليلَه وأيقظ أهلَه. وقالت: كان النبيُّ يَخْلِطُ العِشْرين بصلاةٍ ونومٍ فإذا كان العشرُ شمَّر وشدَّ المِئزرَ. وكان يُحْيي ليلَه بالقيامِ والقراءةِ والذكرِ بقلبه ولسانِه وجوارِحِه لِشَرفِ هذه الليالِي وطلباً لليلةِ الْقَدْرِ التي مَنْ قامها إيمانَاً واحتساباً غَفَرَ اللهُ له ما تقدمَ من ذنبه. وكان يُوقِظُ أهلَه فيها حِرْصاً لما هي جديرةٌ به من العبادةِ فإنَّها فرصةُ الْعُمرِ وغنيمةُ لمنْ وفَّقه الله عزَّ وجلَّ، فلا ينبغِي للمؤمن العاقلِ أنْ يُفَوِّتها على نفسِه وأهلِه، فما هي إلاَّ ليَالٍ معدودةٌ ربَّمَا يدركُ الإِنسانُ فيها نفحةً من نَفَحَاتِ المَوْلَى فتكونُ سعادةً له في الدنيا والآخرةِ. واختلف العلماء في تحديد ليلة القدر، والصحيح أنها في أوتار العشر الأواخر، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان. فإن ضَعُف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبَنّ على السبع البواقي. ولا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة، فيرى أنوارها أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر. وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين أن ليلة القدر لها فضائل متعددة منها أن الله أنزلَ فيها القرآنَ الَّذِي بهِ هدايةُ البشرِ وسعادتُهم في الدُّنَيا والآخرِهِ. والفضيلةُ الثانيةُ: ما يدُل عليه الاستفهامُ من التفخيم والتعظيم في قولِه: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }. والفضيلةُ الثالثةُ: أنَّها خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ. والفضيلةُ الرابعةُ: أنَّ الملائكةَ تتنزلُ فيها وهُمْ لاينزلونَ إلاَّ بالخيرِ والبركةِ والرحمةِ. والفضيلةُ الخامسةُ: أنها سَلامٌ لكثرةِ السلامةِ فيها من العقابِ والعذابِ بما يقوم به العبدُ من طاعةِ الله عزَّ وجلَّ. والفضيلة السادسةُ: أنَّ الله أنزلَ في فضِلِها سورةٌ كاملةً تُتْلَى إلى يومِ القيامةِ. ومن فضائل ليلةِ القدرِ ما ثبتَ في الصحيحين من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قالَ: «من قَامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»، فقوله إيماناً واحتساباً يعني إيماناً بالله وبما أعدَّ اللهُ من الثوابِ للقائمينَ فيهَا واحتساباً للأجرِ وطلب الثواب. وهذا حاصلٌ لمنْ علِمْ بها ومَنْ لم يعلَمْ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لَمْ يَشْترطِ العلمَ بهَا في حصولِ هذا الأجر. برعاية المكتب التعاوني للدعوة بالروضة https://twitter.com/arrawdah