كلنا -إلا من رحم الله- مصابون بداء الأحكام المُسبقة والانطباعات المتسرعة, مُبتلون بآفة التصورات والفرضيات الخاطئة التي ألبسناها هيبة المسلَّمات وقطعية الحقائق! أعترف أنني كنت من أولئك الذين لا يحملون رؤية متفائلة أو موضوعية صحيحة عن الإعلام الهادف، وأني كنت من فريقٍ يردد كثيرا بعض العبارات على غرار: «الإعلام الهادف غير قادر على إيصال رسالة مؤثرة في خضم فضاء تكتسحه وتكاد تحتكره إمبراطوريات ضخمة. ولا يمكنه النجاح في ظل إمكاناته المادية المتواضعة مقارنةً بغيره. ثم لا يمكنه أن يزاحم أو ينافس أصلا مع سياسته الإعلامية المحافظة, خاصة ما يتعلق بمنع النساء والموسيقى وغير ذلك من الضوابط التي تزهّد المتابع في زمننا هذا في المشاهدة»! هذه بعض من الأفكار المغلوطة التي كنت أعتقدها، ولو قيل لي إلى وقتٍ قريب إن هناك دراما وبرامج واقع في القنوات الهادفة وتلاقي قبولا ونجاحا لشكّكت في الأمر. «زد رصيدك 3» أحد برامج الواقع التي انطلقت قبل ثلاثة أشهر عبر قناة «بداية». عشرون شابا من الخليج واليمن وسوريا والمغرب العربي يعيشون في قرية واحدة. تتابعهم فتدرك للوهلة الأولى أن اجتماعهم وتنافسهم ليس لأجل المال والشهرة فحسب! وإنما هناك أهداف أخرى أسمى وأرقى! هذا البرنامج الذي كان عبارة عن مؤسسة شبابية كبرى للتعليم والتطوير وصناعة الإبداع وإعلاء الإرادة والهمم كان محضنا هائلا للمواهب والطاقات ومحفزا على الإنتاج والإيجابية والارتقاء. يتراءى لك المسجد شامخا في قرية « زد رصيدك» في لفتة عظيمة تقول للمتسابق والمشاهد: لا يمكن تحصيل الفوز والنصر إلا برصّ الصفوف هنا! تذكرت أسئلة كنت قد قرأتها ذات يوم عن المشاركين ببرامج الواقع في قنوات الانحطاط العربية: لماذا لا نراهم يصلون؟ أين مسجدهم أو مصلاهم أليسوا مسلمين؟ أهذا ما يود صاحب المحطة التسويق له: جيلٌ لا يصلي فالمهم أن يجيد الرقص والغناء؟! تتوزع في القرية عدة محلات وأسواق للتجارة, وتقديم كافة الخدمات, يعمل فيها المتسابق ليتعلم وغيره ألا كرامة ونهضة بلا كفاح وعمل واعتمادٍ على النفس. تزيّن البرنامج «ببيت الحكمة» وهو مجلس بديع يضم مجموعة من كبار السن الرائعين يتبادلون الحديث عن ذكرياتهم وشيئا من خبراتهم وتجاربهم في الحياة, فنشأت بينهم وبين المشتركين والمتابعين وشائج ألفة ودفء وتلاقٍ فريد بين ماضٍ أصيل ومستقبلٍ تتفتق إشراقاته في طموح الشباب وأحلامهم. وفي «خيمة» زد رصيدك يحلُّ يوميا على البرنامج كوكبة من المميزين والمبدعين في مجالات إعلامية اقتصادية رياضية دعوية ثقافية… يجتمع بهم المتسابقون، يسمعون منهم قصص نجاحهم ويناقشونهم عن أسباب التفوق وما يعترض الطريق من عقبات وسبل تجاوزها في أوقات أمتع وأنفع ما تكون للحضور وللمشاهدين خلف الشاشة. كل أركان هذا البرنامج وفعالياته وتنظيمه كانت تقدِّم بحق رسائل إعلامية نبيلة وبنّاءة, وتعزز في نفس الشاب المسلم كل قيم الخير والحب والبذل. وفي «بداية» وضمن برنامج «زد رصيدك» قامت حملات اجتماعية توعوية مباركة بجهود المتسابقين وبالتنسيق والمساندة من الإدارة ومشرفيها لمعالجة قضايا كثيرة كالعقوق والفقر واليتم… وحملات عن الصلاة والقرآن وصلة الأرحام. وحملات استضافة ذوي الإعاقة الفكرية والحركية للتعريف بحقوقهم ومعاناتهم ووسائل دعمهم. وكان أحد تلك الأنشطة حملة «وقف الوفاء» الذي جمع في ليلة واحدة أكثر من 20 مليون ريال لإنشاء مشروع وقف لصالح ذوي القدرات الخاصة. اللطيف في هذه المسابقة (زد رصيدك) أنه رغم كل هذه الأعمال الجبارة والإنجاز وحرص كل متسابق على تطوير نفسه وتقديم الأفضل للوصول فإن أجواء المرح وحيوية الشباب ومواقفهم الطريفة كانت لا تغيب! ورغم أجواء التنافس فإن نبل الغاية التي يضعونها أمامهم لتمثيل دينهم خير تمثيل والالتزام بأخلاق الإسلام سما بهم فوق مصالحهم الخاصة ونزعات الأنانية وربطهم بأواصر عميقة من الإخاء والصداقة. تعرّفنا عبر «زد رصيدك» على نماذج مشرّفة من شباب تونس والمغرب وسوريا والكويت… يوم كان الإعلام الهابط ومحطات الإفساد لا يُبرزون ويقدمون لنا عبر فضائياتهم إلا ما يسوء ومن يشوه صورة أشقائنا في تلك الدول! جمعتنا «بداية» ووحدتنا وأحيت في قلوب شبابها وقلوبنا مشاعر الإخاء والإيثار, فرأينا المتسابق السوري يبكي ويحتضن أخاه السعودي ويقول: «سأخرج وتبقى أنت» ويفعل العماني واليمني مثل ذلك, بعد أن فرقتنا ميادين الكُرَة ومسابقات الرقص والعري وأشعلت الكراهية والأحقاد والتعصب بيننا! أخيرا: تعلمت من «زد رصيدك» أن مجتمعي وأمتي بحاجة إلي. وقبل أن أساعدهما وأسهم في الإصلاح عليّ أن أساعد نفسي أولا وأصلح ذاتي ثم أنهض بدوري. شكرا لقناة «بداية» ولكل القائمين عليها, شكرا للإعلام الهادف الذي يحترم مبادئنا وعقولنا. ونداء أوجهه لأثرياء عالمنا الإسلامي: أنقذونا من هذا المد العاتي لطوفان المجون والانحلال الفضائي بتوفير البدائل, وهاهي بداية ببرنامجها «زد رصيدك» تحقق المرتبة الثانية في أعلى نسب المشاهدة. فلا تصدقوا بعد اليوم من يبرّر لما يقدمه من انحراف وإسفاف بأن «الجمهور عاوز كدا»!.