جاء في الأثر" المستشار مؤتمن " والمشورة: هي كون الإنسان يشير إذا استشير بما هو أصلح وبما هو خير للمستشير، وهو مؤتمن، ومقتضى الأمانة أنه لا يخونه بأن يشير عليه بشيء لا يناسب، أو يقصر في المشورة ، أو يبخل بالمشورة ويعتذر مع تمكنه من أن يشير عليه". وجاء وصف المستشار بالأمانة دون غيرها من الصفات ، نظرا لأن المستشير بحاجة لعقل راجح يصوب رأيه ، ويصحح له مساره ، مع أمانة وديانة ليخلص له النصح ويبصره بعاقبة الأمور . وما أحوج الأمة اليوم لأهل الصدق والأمانة وأولي العزم والديانة في زمن الفتن ، وفي ظل المتغيرات والمتسارعات ، وفي إثر تحالف الغرب والشرق على الإسلام وأهله والحق وأنصاره. ومن أهم صفات المستشار العلم ،قال الإمام البخاري رحمه الله :" كان الأئمة بعد النبي يستشيرون الأمناء أهل العلم ". ومن أعظم الأمانات أمانة التكاليف الشرعية ، فمن أداها فهو لغيرها أولى ، ومن فرط فيها فهو لسواها أضيع ، ولذا فإن الصلاة من أول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة فإذا صلحت صلح العمل كله . الشورى مسئولية وأمانة : وإننا لنأمل من أخواتنا المعينات في مجلس الشورى ، استشعار المسئولية التي كلفن بها فأنهن مسئولات عنها ، وأداء الأمانة فإنها يوم القيامة خزي وندامة ، وأن لا يشغلهن الفرح بالمنصب والتطلع للجاه عن المهمة الأساسية والغاية الحقيقية ، وهي الاستخلاف في الأرض وعمارة الكون بما يحقق العبودية لله ، لا بما يرضى الغرب والشرق ، ولا بإتباع الأهواء والأغراض الشخصية ، فإن الحياة الدنيا حرث الآخرة ، والعاقل من عمل لينجو لا ليذكر ويشكر . وإن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه ، يثبته الله، فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده، فيذل أهله، ويذهب ماله . كما إننا نتطلع منهن تمثيل المرأة المسلمة القوية بدينها ، المفتخرة بحجابها ، المعتزة بقرآنها ، منه تستقى منهاج حياة ، وبنوره تهتدي في الظلمات ، وما أشد ظلمات اليوم وفتن الزمان ، وما أحسن قول الإمام مالك رحمه الله " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " . أم سلمة رضي الله عنها المحجبة الطاهرة : ولئن كان عمدة ما يحتج به من أجاز عمل المرأة في مجلس الشورى ، بمشورة النبي لزوجه أم سلمة رضي الله عنها فلتقرأ أخواتنا في مجلس الشورى سيرتها ، وليحذون حذوها وعلى طريقتها ، حيث تُعدَّ أم سلمة من أكمل النساء عقلاً وخلقاً ، في بيتها نزل قول تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فامتثلت والتزمت بأمر ربها وسمعت وأطاعت . كما كانت تعد من فقهاء الصحابة ممن كان يفتي ، إذ عدّها ابن حزم ضمن الدرجة الثانية ، أي متوسطي الفتوى بين الصحابة رضوان الله عليهم ، حيث قال: (المتوسطون فيما روي عنهم من الفتوى: عثمان، أبوهريرة ، عبد الله بن عمرو ،أنس، أم سلمة ….إلخ) أي أنها كانت أهلا للشورى ومحلا للفتيا . وكانت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- سببًا مباشرًا لنزول بعض الآيات الكريمة من القرآن الكريم ؛ فعن مجاهد قال: قالت أمُّ سلمة : يا رسول الله ، تغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث. فنزلت: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32]، قال ابن عاشور عن الآية : " تنهى عن التمني وتطلع النفوس إلى ما ليس لها فجاء النهي في الآية عاما ، فكان كالتذييل للأحكام السابقة لسد ذرائعها وذرائع غيرها ، فكان من جوامع الكلم في درء الشرور . وقد كان التمني من أعظم وسائل الجرائم ، فإنه يفضي إلى الحسد ، وقد كان أول جرم حصل في الأرض نشأ عن الحسد . وقوله : "واسألوا الله من فضله " إن كان عطفا على قوله : للرجال نصيب مما اكتسبوا إلخ ، الذي هو علة النهي عن التمني ، فالمعنى : للرجال مزاياهم وحقوقهم ، وللنساء مزاياهن وحقوقهن ، فمن تمنى ما لم يعد لصنفه فقد اعتدى ، لكن يسأل الله من فضله أن يعطيه ما أعد لصنفه من المزايا ، ويجعل ثوابه مساويا لثواب الأعمال التي لم تعد لصنفه ، كما قال النبي للنساء : لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور ، وإن كان عطفا على النهي في قوله : ولا تتمنوا فالمعنى : لا تتمنوا ما في يد الغير واسألوا الله من فضله فإن فضل الله يسع الإنعام على الكل ، فلا أثر للتمني إلا تعب النفس ". وهي المتحجبة الطاهرة كما وصفها الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء ، الحريصة على حشمتها وحجابها ، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " فقالت أم سلمة رضي الله عنها :فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه " . فأم سلمة رضي الله عنها الحريصة على غطاء قدميها عند الخروج من البيت ، فحرصها على غطاءها لوجهها من باب أولى فلنتأمل ! فما ظننا برأي امرأة تحتاط لدينها وتحرص على حجابها وحشمتها . حفصة رضي الله عنها الصوامة القوامة : وإن استدلوا أيضا بمشورة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته حفصة رضي الله عنها في أمر يخص النساء ، فإن حفصة من صفاتها الصوامة القوامة ، وهي شهادة صادقة من أمين الوحي جبريل حين " أراد رسولُ اللهِ أن يُطلِّقَ حفصةَ فجاء جبريلُ فقال لا تُطَلِّقْها فإنها صوَّامةٌ قوَّامةٌ وإنها زوجتُك في الجنَّةِ " . ولِما كانت تتمتع به من رجاحة العقل والحلم استودعها عمر رضي الله عنه المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه فبقي عندها محفوظا مصونا إلى أن لحقت بربها رضي الله عنها. فما ظننا برأي امرأة زكاها أمين الوحي ، ومبشرة بالجنة ، واستأمنها المسلمون على كتاب الله . تذكرة ووصية : فإلى نساء الشورى المكلفات بهذا الأمر العظيم ، والمسئولية الجسيمة ، لقد أمرك الله بالقرار في البيت ، وهذا هو الأصل الثابت والمهمة الأولى ، ثم من احتاجت للخروج لضرورة أو لحاجة ، فقد أمرها الله عز وجل بالحجاب وعدم التبرج ، فقال : "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" قال مجاهد رحمه الله : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال , فذلك تبرج الجاهلية ".فاحذري وانتبهي ! وقال ابن عاشور رحمه الله :" فإن المرأة إذا تجلت بزينة من شأنها إخفاؤها إلا عن الزوج فكأنها تعرض باستجلاب استحسان الرجال إياها وإثارة رغبتهم فيها "، وقال مقاتل رحمه الله :" والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده,فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها وذلك التبرج,ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج ". ومن خرجت لتتبرج أو لتزاحم الرجال وتخالطهم ، فليسعها بيتها ولتبكي على خطيئتها ، وقد أنكرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ما رأت من حال بعض النساء حين خرجن فقالت :" لو أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأى ما أحدث النساءُ لمنعهُنَّ المسجدَ . كما مُنعت نساءُ بني إسرائيلَ ". قال النووي في قولها " ما أحدث النساء " :" يَعْنِي مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَحُسْنِ الثِّيَابِ ". وهذا في خروجهن للمساجد وأماكن العبادة ، كيف لو رأت عائشة رضي الله عنها نساء زماننا – إلا من رحم – وحال أسواقنا ومجتمعاتنا ، ألا فلتتق الله المسلمة الحريصة على رضى ربها وصلاح دينها ورفعة أمتها . والحذر الحذر من مخالطة الرجال ومصافحتهن ، فإن الاختلاط محرم أمره ، معروف ضرره ، ومشاهد أثره ، والأدلة على تحريم الاختلاط في السنة كثيرة وصريحة ، فعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -- « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا » قال النووي:" وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الرِّجَال لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال وَرُؤْيَتهمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ وَسَمَاع كَلَامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ ، وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفهنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم " . كما حرم المصطفى مصافحة المرأة للرجل الأجنبي عنها فقال : ( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخْيَط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له ) ، وثبت عنه أنه قال في حديث بيعة النساء : (إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ) وإذا لم يفعل هو ذلكَ مَعَ عصمته وانتفاء الريبة في حقه : فغيره أولى بذلك ، وليس لأحد مخالفته لأنه هو المشرع لأمته بأقواله وأفعاله وتقريره. وإلى نساء الشورى أقول لهن مذكرة : لئن ضج الغرب وطار فرحاً بهذه التعيينات ، وصفق الصحفيون وقاموا صفاً واحداً إشادة وتطبيلاً ، فإن الملائكة تكتب والصحائف تعرض على رب الأرض والسموات ، يوم يقوم الناس بين يدي رب العالمين ، والسعيد من بلغ به عمله لا نسبه وحسبه ، " وكل الناسِ يغدُو فبايِعٌ نفسَه فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها " كما قال المصطفى . فلنسعى لعتق رقابنا وفكاكها من النار ، ولنسمو بإيماننا ، ولنرضى بما شرع لنا خالقنا فهو العليم الخبير . أسأل الله العلي العظيم أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ، ويذل فيه أهل معصيته ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار ، وأن يحفظ دينه وينصر الحق وأهله ، إنه قريب سميع مجيب .