في الأيام القريبة الماضية يسر الله لي لقاءً مع بعض الناشطين السوريين ذوي العلاقة بالثوار، كما تتبعت عدداً من الكتابات ومواقع الثورة الشامية الموثوقة على الشبكة، وسأبوح ببعض الخواطر حولها.. من المعروف طبعاً أن أكبر تحدي يواجه الثوار الشاميين اليوم هو (التمويل وشراء السلاح) ولهذه المعضلة آلام وأوجاع يقاسيها الثوار، ويزداد الألم في مشكلة شراء السلاح إذا استحضرنا قصص تورط الثوار في شراء أسلحة فاسدة من العراق! بعد أن تكبدوا الصعاب في جمع الأموال، ولا يستبعد الثوار أن يكون الصفويون في العراق، وحزب الله في لبنان؛ ضالعين في صناعة هذه "الأفخاخ "لتوريط الثوار بأسلحة فاسدهم وابتزاز أموالهم، وتحقيق "ضربة مركبة" للثوار.. ومن معضلات (سلاح الثوار) ارتفاع كلفة الأسلحة ارتفاعاً فلكياً، وكمثال على ذلك أن: الكلاشينكوف كان ثمنه تقريباً (200دولار) ثم قفز إلى أن بلغ (2000دولار)، أي أن الارتفاع بمعدل عشر أضعاف تقريباً، ولذلك تضطر الكتائب الثورية إلى أن لا تزود الثوار إلا بطلقات محدودة، بينما يسبح جنود الطاغوت الأسدي في مخازن البارود الروسي والإيراني.. وأما العوامل المساعدة للتغلب على مشكلة توفير السلاح للثوار؛ فمنها: أن قبائل البادية الشامية هي "قبائل مسلحة" في الأصل، ولا يخلو البيت الواحد من عدة قطع سلاح. وأما المعلومة التي يتفطر لها قلبك فهي أن كل الزعيق والضجيج الذي أصدرته دول الخليج حول تسليح الثوار لم يتجاوز إلى الآن دائرة الكلام والنية وحديث النفس..! وهذا يعني أن دول الخليج لم تستوعب إلى الآن خطورة اللحظة الشامية، وأنها -على الأقل- الفرصة السانحة لتعديل موازين القوى ضد "الصفوية" التي تزحف بانتظام لتفترس أكبر قدر ممكن من المصالح الخليجية.. فهل هناك من يعي ويبادر؟! لا يقتصر الأمر في دعم النظام الأسدي بأحمال البوارج الروسية/الإيرانية، لا، بل يتحدث الثوار عن وجود دعم مؤثر وخطير للنظام النصيري من "أثرياء شيعة" في البحرين وبعض دول الخليج للأسف .. ومن الأدوار الفاعلة –التي تستحق التنويه- في توفير المال والسلاح؛ دور الإخوة السوريين الشرفاء خارج القطر السوري، وذلك عبر "التنسيقيات" التي يشترك فيها الناشطون السوريون للتعريف بالقضية وجمع التبرعات، وبرغم الجهود المشكورة للإخوة السوريين خارج القطر السوري؛ فلا يزال الأمر بحاجة للتطوير، ومزيد التواصل مع الدعاة وطلبة العلم والشخصيات المؤثرة اجتماعياً؛ لدعم الثورة وتمويلها.. الإخوة السوريون في التنسيقيات خارج سوريا: أنتم الأمل بعد الله في إنقاذ إخواننا في الشام .. ولا تستقلوا شيئاً .. فرُبّ رصاصة أغاثت عِرض مسلمة تستغيث في حمص.. ومن معضلات الثورة الشامية العلاقة غير المتناغمة بين (المجلس الوطني) و (الثوار)، بل يمكن القول أن هناك انفصال إداري وروحي بين المجلس الوطني والثوار، فالثوار الشاميون يتحركون بطريقة (الكتائب المنفصلة) في المحافظات، وبينهم تنسيق مشترك إلى حدٍ ما، ويشيع بينهم وجهة نظر مستخفّة بالمجلس الوطني، بل بعض الثوار يرى أن المجلس الوطني مجرد عبء.. بل يقول بعضهم بتهكم أنهم وضعوا المجلس الوطني كمجرد واجهة فقط لدرء البغي الغربي لكن المجلس الوطني صدّق نفسه وأنه قائد الثورة! ومن الملاحظ أيضاً أن هناك استياءً عارماً في الداخل الثوري الشامي تجاه "برهان غليون"، وثمة شعور متزايد أن وجود هذا الرجل -كما يعبر بعضهم- هو القرار الخاطئ في مسار الثورة، وروى لي أحد الناشطين السوريين في الثورة أن "برهان غليون" سعى في عرقلة المساعدات الليبية لطائفة من الثوار بحجة أنهم تكفيريين ومتطرفين، والعهدة على الناقل. كما يروي بعض الناشطين السوريين أن ثمة جهود ترمي إلى إزاحة برهان غليون في أقرب فرصة؛ وانتخاب شخصيات نضالية تعبر فعلاً عن روح الثوار الشاميين وهويتهم وطموحاتهم.. وباختصار شديد، يمكن القول أن: كتائب الثورة الشامية (وهي الفاعل الحقيقي على الأرض) ليس لها إلى الآن جناح سياسي حقيقي معلن يعبر عنها، ويصرح بالنيابة عنها، وأن كل القوى السياسية العلنية الآن -والتي زادت على السبعين حزباً- ليس لها سند حقيقي على الأرض، وربما تخرج القوى السياسية التي تعبر فعلاً عن روح وهوية الثورة الشامية في الفرصة المناسبة حين يهال تراب التاريخ على آخر لحد في البعث السوري.. ومن الصعوبات المحزنة التي تواجه الثورة الشامية: تأخر "حلب" عن الانخراط في الثورة نتيجة عوائق معقدة ذات صلة بالاستثمارات الصناعية، وتدخل فيها تركيا كلاعب رئيس، فمن المعروف أن الشركات التركية تتجه للصناعة والإنتاج في حلب نتيجة انخفاض الكلفة، ويروي البعض أن تركيا تسعى لتحييد حلب حمايةً لاستثماراتها الصناعية هناك.. والحقيقة أن من أوجب الواجبات اليوم على مناضلي الشام: تكثيف النشاط التبشيري في حلب لرفع الوعي الثوري لدى عامة الناس، وأن لا خيار سوى الانخراط في الثورة، وأن المماطلة عن لبس خوذة الثورة سيكبد أشراف حلب عار الدهر.. ومن الصعوبات التي واجهت ثوار الشام: حرب النظام الأسدي على وسائل الإعلام لدفن مجازره بصمت، وحاول الثوار التغلب عليها بالتواصل الشعبي مع الفضائيات، ومن القصص الأخاذة الطريفة مارواه بعضهم أن "تيسير علوني" قام عبر برنامج "سكايب" بتدريب بعض الشباب السوري على طريقة التغطية الصحفية، فكان الشباب السوري يصورون ويرسلون التقارير متشبهين بطريقة المراسلين الرسميين! وما تزال الثورة الشامية المباركة بحاجة إلى المزيد من العمل الإعلامي المنظم، وهذه رسالة سامية للإعلاميين العاملين للإسلام، فرب تقرير صحفي أو تغطية مصورة أو حوار إعلامي أنقذ دماً طاهراً كانت قوات البعث ستريقه.. فلا تفُتك الفرصة أيها الإعلامي المسلم. ومن الاستراتيجيات الجيدة أن الثوار ابتعدوا عن فكرة (المناطق المحررة)، وهو تصرف ذكي، وكثفوا سلوكهم الثوري في مفهوم (حرب الشوارع)، لأن المنطقة المحررة قد يسهل تحريرها لكن يصعب المحافظة عليها إلا بكلفة قد تذهب فيها الأرواح، بخلاف حرب الشوارع التي تستنزف النظام وتربكه، وهو المفهوم المناسب في حالة التفاوت الفادح في الإمكانيات العسكرية.. ومن أقوى ما يدعم الثورة –ولله الحمد- خبو أصوات التذمر والتضايق من الثورة، وإصرار الشعب الثائر على المواصلة وأن "لا رجعة".. وبكل صراحة .. فستبقى معنويات الشاميين أسطورة يرويها التاريخ.. وقد سألت أحد الناشطين السوريين ممن له علاقة وطيدة ومباشرة بالثوار وقلت له: بصراحة هل يستفيد الثوار من حديثنا عن الثورة الشامية على شبكة الإنترنت؟ فرفع حاجبيه متعجباً وقال: طبعاً، طبعاً، تجدهم يرددون هناك أن الناس معهم، وهذا الشعور يرفع معنوياتهم.. وإن سمح إخواني ثوار الشام لي أن أوصيهم بشيء فهي أن يتعاهدوا ويجددوا "نيتهم" في الثورة على الطغيان، وأن تكون نيتهم كما لفت انتباهنا النبي –صلى الله عليه وسلم- لذلك في الصحيحين حيث أتاه أعرابي وسأله (يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). وهذا المقصد الذي نبّه عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- استنبطه من الإشارة القرآنية (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)[التوبة:40]. فما أجمل أن يتعاهد الثوار "نيتهم" لتكون ثورتهم غايتها ومقصدها وهدفها ورسالتها: (أن تكون كلمة الله هي العليا) كما نبّه على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون مقصودهم الثورة لراية علمانية أو وطنية أو ليبرالية أو لأجل الحرية ونحوها من الشعارات غير الراقية .. وإنما الرقي والتقدم والسمو هو في الراية القرآنية/النبوية: أن تكون كلمة الله هي العليا.. هذه بعض الخواطر عن صعوبات وبشائر في ثورة الشام المباركة، وأسأل الله أن يفتح على أيديهم، وأن يهلك طاغيتهم، ويشفي نفوسنا منه، اللهم آمين.