سلطة الإعلام المتحرك فاقت غالب السلطات في العصر الراهن, لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر والفيسبوك واليوتيوب), التي باتت تلاحق الظواهر الاجتماعية والمسؤولين الحكوميين بالنقد والتقويم, من خلال تسليط الضوء القوي على آفات المجتمعات، ومسؤولية وزراء الحكومة عنها. قد يكون صحيحاً أن هناك تجاوزات تتم, وأن هناك إسفافاً في بعض الأحيان, وخروج عن السياق في أحيان أخرى, ولكن تأثير هذه الوسيلة أصبح في عصرنا الحالي أبلغ من أي تأثير آخر, بما فيها تأثير السلطات الرسمية على المسؤولين؛ إذ إنها أول من يلفت أنظار أصحاب القرار إلى التجاوزات التي تتم من قبل المسؤولين الحكوميين. ولعلك تجد أن إقالة وزير الصحة, ثم مسؤول المراسم الملكية, وغيرهما كان من ورائه هذه الآلة الإعلامية المبهرة, التي تلتقط الحدث, وتسلط الضوء, وتكشف المستور, وتصنع القرار قبل أن يصل إلى مكاتب أصحاب القرار, فهي نبض الشارع السعودي ومجلسه الذي يعبر فيه عن رأيه بكل صراحة ووضوح وشفافية, دون خوف من بطش، أو رغبة في سلطان وجاه. وكان لضغوط هذه الآلة تأثير شديد على بعض المؤسسات, كذلك, ووضعها في موضع الحرج أمام الرأي العام الداخلي, وليس أدل على ذلك من الاستقالة الجماعية لرئيس وأعضاء اللجنة الوطنية للاستقدام في أعقاب الحملة الإعلامية حول وضع سوق العمالة المنزلية بالمملكة، وما تتعرض له من مصاعب وإشكالات نسبتها تلك الوسيلة الإعلامية فائقة القوة لإخفاق اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف السعودية، في إيجاد الحلول اللازمة لتلبية حاجة المواطنين من تلك العمالة في فترات زمنية مقبولة وبتكاليف معقولة. إن هذه الآلة تمارس دوراً مجتمعياً شديد الأهمية, في الوقت الراهن فهي تمثل برلمان المواطنين السعوديين على وجه حقيقي دون رتوش تجميلية, أو زخارف قولية, فهي بث مباشر لهموم المواطن السعودي وقضاياه وأفراحه وأحزانه وانتصاراته وانكساراته, تسجل لحظة بلحظة في أعظم سجل تاريخي تعرفه البشرية! ثمة أسئلة كثيرة تدور في الأذهان عن تنظيم هذه الآلة أو تقنينها, أو تحجيمها, أو حتى إلغائها لكف من ينجم عنها من سلبيات مجتمعية, هكذا يرى البعض, في مقابل من يرى إطلاق العنان لها بدعوى أنها تقوم نفسها بنفسها, وتنفي خبثها بعد حين, ويمكث الطيب منها والخبيث تذروه الرياح… ولكل وجهة هو موليها.