بينما الحرب تدور بين المسلمين والفرس، طلب «رستم» قائد الفرس أن يتشاور في الصلح مع المسلمين؛ فأرسل «سعد بن أبي وقاص» – رضي الله عنه – قائد المسلمين، الصحابي الجليل «رِبْعِي بْنَ عامر» – رضي الله عنه – ليعرض مطالب المسلمين، وعلى الفور ذهب ربعي بن عامر.. دخل ربعي القصر ممتطيا جواده، سائرًا به فوق البساط الفاخر الموضوع على الأرض، وحينما طلب جنود قائد الفرس من ربعي النزول رفض، وقال في عزة: لم آتِكم من تلقاء نفسي، وأنتم الذين دعوتموني، فإن رضيتم بذلك، وإلا رجعتُ.. فقبل الفرس وقلوبهم تكاد تتفجر من الغيظ. وحينما دخل على قائدهم «رستم»، عرض عليه الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو تكون الحرب بينهما، وقال له في عزة وكرامة: أيها القائد، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الآخرة. ما هي العزة؟ العزة هي الرفعة والبعد عن مواطن الذل والمهانة. فالله أمرنا أن نكون أعزاء بديننا، لا نذل ولا نخضع لأحد من البشر، والخضوع إنما يكون لله وحده، فالمسلم يعتز بدينه وربه، ويطلب العزة في رضا الله – سبحانه -، وقد قيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله. وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: كنا أذلاء، فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. عزة الله: الله – سبحانه – هو العزيز الحكيم، يعطي العزة من يشاء ويمنعها عمن يشاء، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } سورة آل عمران: 26. وقال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} سورة المنافقون: 8. المسلم عزيز: المسلم يعيش محتفظًا بكرامته؛ لا يضعف، ولا يلين، ولا يتنازل عن شيء من كرامته وعزته من أجل مالٍ قليل، أو عَرَضٍ دنيوي يزول، وكما جاء في الحديث: "من جلس إلى غني فتضعضع (تذلل) له لدنيا تصيبه، ذهب ثلثا دينه، ودخل النار" رواه الطبراني. ولكي يحافظ المسلم على عزته، ويجعل دينه عزيزًا ودولته عزيزة، يجب عليه أن يعمل، ويكد ويتعب؛ حتى تتحقق له القوة، فلا عزة للضعفاء الذين يمدون أيديهم للناس ويأكلون بلا تعب..